نعت القيادة العامة والجيش والقوات المسلحة في الجيش السوري وفاة رئيس الأركان الأسبق العماد أول حكمت الشهابي ، الذي توفي صباح اليوم بعد صراع طويل من المرض عن 82 عاما . وكان الشهابي يعاني من مشاكل مزمنة في القب منذ التسعينيات ، وأجرى أكثر من عمل جراحي في الولايات المتحدة وفي المشفى الأميركي في باريس . وبرحيله تطوى صفحة إحدى أقوى الشخصيات في عهد القائد حافظ الأسد .
يرتبط باسم الشهابي ، المولود في مدينة “الباب” في ريف حلب العام 1931 ، عدد من المواقف والمحطات التي ميزت تاريخه العسكري والسياسي . فالشهابي ، الذي ترأس شعبة المخابرات العسكرية في رئاسة الأركان عام 1970 وحتى العام 1974 حين عين رئيسا للأركان ، كان أحد المشاركين في الإعدادات السرية لحرب تشرين الأول / أكتوبر 1973 ، واستطاع من موقعه هذا ، وبالتنسيق مع نظيره المصري اللواء ابراهيم فؤاد نصار ، إدارة عملية كتمان “ساعة الصفر” في الحرب والحفاظ على سرية التحضيرات لها ، فضلا عن تحضير “بنك معلومات إسرائيلي” جرى استخدامه خلال الحرب بكفاءة إلى حين الخيانة المدمرة التي ارتكبها السادات عندما أبرم اتفاقا سريا من وراء ظهر الجيش السوري الذي ترك لمصيره في المعركة منذ اليوم العاشر للحرب .
في العام 1976 ، أصبح أحد مديري الملف اللبناني إلى جانب عبد الحليم خدام وغازي كنعان . وعند اندلاع أزمة الصراع مع الأخوان المسلمين ، سجل باسمه موقفا خاصا تمثل في رفضه زج الجيش السوري في مواجهة عصابات المجموعة المذكورة ، وأصر على أن يبقي أمر المواجهة و “التلوث بالدم” لأجهزة المخابرات و”سرايا الدفاع” والقوى الأخرى المحسوبة على النظام أكثر مما هي محسوبة على مؤسسات الدولة .
وفي العام 1984، حين مرض الأسد الأب ، كان الشهابي أحد أعضاء “لجنة الستة” التي عينها مؤسس النظام لإدارة أمور البلاد في حال وفاته . وعندما بدأ رفعت الأسد التحضير لانقلابه ، بالتنسيق مع السعودية والأميركيين ، كان الشهابي أحد الذين وقفوا بوجهه بقوة ، إلى جانب قادة الجيش الآخرين ، باستثناء عدد محدود منهم .
وهو ، إلى ذلك ورغم أنه كان محسوبا على “التيار الأميركي ـ السعودي” في السلطة ، رفض في العام 2005 المشاركة في “مؤامرة” عبد الحليم خدام والأمير السعودي تركي بن عبد العزيز وابن أخيه الأمير محمد بن فهد على سوريا بعد اغتيال رفيق الحريري . فحين جرى استدراجه إلى اجتماع سري في فندق “بلازا أثينيه” في باريس في أيلول / سبتمبر 2005 ، بحضور المذكورين (وكان آنذاك يتلقى العلاج في المشفى الأميركي في باريس ، اشتم رائحة الإسرائيليين في طبخة الاجتماع ، لاسيما بعد أن كان علم بأمر زيارة منسق الأنشطة الإسرائيلية في لبنان سابقا ، أوري لوبراني ، لعبد الحليم خدام في منزله “الحريري” بباريس) ، رفض عرضا من المجتمعين بترؤس “حكومة في المنفى”، وأبلغهم بأنه غير معني بما يجري طبخه وانسحب بهدوء . وعمد بعد ذلك إلى إرسال ابنه الطبيب حازم الشهابي ، قنصل سوريا الفخري في كاليفورنيا ، إلى دمشق لإبلاغ النظام بما يجري التحضير له وبأنه “خارج هذه اللعبة” .
وفي العام 2008 بادر إلى الاتصال بوليد جنبلاط وإقناعه بالابتعاد عن”14 آذار” وبالتطبيع مع دمشق ، واصفا “14 آذار” بأنه “حلف إسرائيلي يديره أوري لوبراني من وراء شريط الحدود ، وبأن من يتحالف مع سمير جعجع إنما يتحالف من قتلة الجيش السوري ومع الموساد” . وفي العام 2009 أقنعه بزيارة دمشق والاعتذار على مواقفه . وهذا ما حصل ، وإن يكن عاد إلى سيرته السابقة لاحقا .
عاد الشهابي إلى سوريا في العام 2009 ولزم منزله مبتعدا عن المشاركة في الحياة العامة بسبب وضعه الصحي حتى وفاته . ولم يعرف عنه أنه أدلى بأي حديث ، حتى في مجالسه الخاصة ، يتعلق بالأزمة المصيرية والوجودية التي تعيشها سوريا منذ عامين ، إلا إذا كان خلف لنا مذكرات قد ترى النور يوما ما .
سيريان تلغراف