كانت محافظة الرقة السورية الواقعة في الشمال الشرقي أكثر المدن والمحافظات السورية غياباً عن خارطة الأزمات التي تنتقل من محافظة ومدينة سورية إلى أخرى ، وذلك بسبب غياب التأييد الشعبي للحراك بشكليه السلمي والمسلح .
غياب التأييد هذا جعل المحافظة في منأى عن القصف والقتل والتدمير ، ولكنه لم يجعلها في منأى عن تداعيات الأزمة ، فالأزمة التي وصلت في وقت متأخر إلى محافظتي حلب ودير الزور جعل المدينة تعيش أزمة إستقبال أعداد كبيرة من النازحين من أهالي المحافظتين ، ولاحقاً قطع الإمدادات عن المدينة بفعل الأعمال العسكرية في دير الزور وريف حلب ، وبسبب استهداف المسلحين لكل الإمدادات الغذائية والمحروقات المتوجهة للمدينة وسلبها .
أيضاً كانت أخبار مقتل أبناء المحافظة الملتحقين في صفوف الجيش السوري ترد في كل يوم ، فالرقة من أكثر المحافظات إقبالاً على الالتحاق بالجيش ، وكان أبنائها عرضة كما كل جنود وضباط الجيش السوري للإستهداف من قبل مسلحي المعارضة الارهابية.
أواخر الصيف الماضي ومع مرور أكثر من شهرين على دخول مسلحي المعارضة إلى حلب ، بدأت صفحات على شبكات التواصل الإجتماعي ووسائل إعلام تتحدث عن حراك في الرقة ، وتروّج لدخول الرقة في خضم النزاع الحاصل في البلاد ، ما لبثت هذه الدعاية أن كُشفت وتبين أن هناك محاولات من قبل المعارضة لاستثارة أهالي المدينة ولكن كل هذه المحاولات لم تنجح …
وعادت الرقة للغياب عن المشهد ، حتى الشهر الماضي ، حيث بدأ الحديث عن هجوم مجموعات مسحلة على مدينة “الطبقة” والاستيلاء على سد الفرات ، ما لبث الجيش السوري أن قام بهجوم على المسلحين وطردهم من المنطقة ، ولكن خطرهم كان لا يزال يلوح في الأفق ، وبقي أهالي الرقة يتحدثون عن قرب حدوث أمر ما نتيجة عدم القضاء على هؤلاء المسلحين ، الذين يتبعون بشكل أساسي لجبهة النصرة ، ولكن دون أي تحرك من قبل المسؤولين العسكريين والأمنيين وحتى الإدرايين في المدينة للقضاء على خطر ٍفي الريف يتعاظم كل يوم ويهدد سلطة الدولة فيها ، وموقف أهلها المؤيد للحكومة السورية .
اليوم عادت الرقة إلى الواجهة وتصدرت أخبارها وكالات الأنباء العالمية وصفحات مواقع التواصل الإجتماعي ، بالإضافة لصور وأخبار ومقاطع فيديو تفيد بسيطرة جبهة النصرة على مدينة الرقة ، وبات الإلتباس سيد الموقف ، حيث المعارضة ووسائل إعلامها وصفحات الناشطين تغص بأخبار “تحرير الرقة” ، بينما تغيب أخبار المدينة عن وسائل الإعلام الرسمية السورية على الأقل ..
الإتصالات الخليوية قُطعت منذ الصباح عن الرقة بشكل كامل ، ولكن الاتصالات الأرضية متوفرة بشكل جزئي ، والأخبار الشحيحة من هناك تفيد أن الوضع سيء والاشتباكات عنيفة ، ولكن ما حُكي عن سيطرة المعارضة على المدينة أمر غير دقيق ، بينما الوقائع على الأرض تقول أن الآلاف من مقاتلي جبهة النصرة هاجموا المدينة ودخلوا إلى بعض مناطقها وسيطروا على بعض المباني الحكومية فقط .
الإتصالات التي تمت مع بعض المصادر في المدينة أكدت أن الاشتباكات قائمة حتى الساعة ، وأن مسلحي جبهة النصرة يهاجمون بعض المراكز الأمنية في المدينة ولكنهم لم يستطيعوا كسب المعركة ، في حين أكدت أن الاشتباكات في مكان ، وما تم بثه من صور ومقاطع فيديو في مكان آخر ، وخصوصاً ما يتعلق بالفيديو الخاص بساحة الساعة في المدينة وقيام بعض الشبان بإنزال تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد وتمزيق لوحة إعلانية تحمل صورة للرئيس بشار الأسد ، حيث أفادت مصادر أهلية أن الساحة تقع في الجهة الشرقية الشمالية للمدينة وهي على أطراف المدينة ، وقد قام مجموعة من الشبان الذين في غالبهم من النازحين من باقي المحافظات وخصوصاً من دير الزور قاموا بمهاجمة الساحة بالتزامن مع هجوم آلاف المسلحين على المراكز الحكومية في المدينة .
المصدر قال أيضاً أنه سمع عن حالات نهب وسرقة كبيرة يقوم بها مسلحون غير معروفين وخصوصاً لبعض الدوائر الحكومية والمتحف الوطني الخاص بالمدينة ، الذي يضم مجموعة كبيرة من آثار المحافظة ، وقد تم نهبها بالكامل ..
وعن طبيعة المعارك ، قالت المصادر أن ما يجري في الرقة يشبه إلى حد بعيد ما جرى عند دخول العاصمة الليبية طرابلس أيام عهد القذافي ، بمعنى أن المدينة سقطت بيد المعارضة إعلامياً ولكن على الأرض هذا الأمر غير موجود ، بل هناك اشتباكات ومعارك قوية بين جبهة النصرة والقوات الأمنية وخصوصاً عند فرع الأمن العسكري في المدينة ، وقد تم قتل الكثير من المسلحين المهاجمين ، حيث تحدثت مصادر إعلامية وصفحات موالية للمعارضة عن مقتل قيادين في جبهة النصرة وكتائب إسلامية منهم قائد “جبهة النصرة” في الرقة أبو عبد الله الغريب والقائد الميداني لكتيبة أحرار الشام ، وأيضاً أنس الزر القائد الميداني لأحد الكتائب ، وخلف المرعي الملقب أبو الزبير القائد الميداني للواء “أحرار الشام” .
مصادر عسكرية أكدت أن تعزيزات كبيرة تتوجه الآن إلى الرقة من ريف مدينة حلب والثكنات العسكرية المحيطة بالمدينة ، بينما تقوم طائرات الجيش السوري ببعض الغارات المركزة ، حيث استهدفت بغاراتها تجمعات لمقاتلي جبهة النصرة في المدينة ، وقد أظهر مقطع فيديو نشرته صفحات معارضة عشرات القتلى من المسلحين في أحد طرقات المدينة بعد أن استهدفهم صاروخ من طائرة حربية .
سيريان تلغراف