أصبحت السعودية جاهزة للثورة بالرغم من الخوف الذي لا يزال يمنع الإصلاحيين من الإعلان عن آرائهم.
ويبدو امتداد الثورات في العالم العربي إلى السعودية مسألة وقت، فمعظم الأسباب التي أدّت إلى تفجر الثورات العربية حاضرة في السعودية، ومن بينها عشرات الآلاف من سجناء الرأي، بالإضافة إلى المستوى المذهل للفساد الذي تشهده المملكة، فضلاً عن نسبة البطالة التي تتجاوز 30 في المئة، في الوقت الذي يبلغ فيه معدل الرواتب أقل من 1300 دولار في الشهر، مع وجود فجوة هائلة بين الطبقات الاجتماعية، خاصة أن 22 في المئة من السكان يعيشون في الفقر، ما يعني أنه ليس للثروة النفطية تأثير كبير على مستوى حياة المواطن العادي، كما هي الحال في دول الخليج الأخرى.
وعلاوة على ذلك، وكما هي الحال في الدول العربية الأخرى، استطاعت وسائل الاتصال أن تكسر القيود التي وضعها النظام السعودي، وأن تحرمه من السرية والخداع اللذين تستند إليهما شرعيته.
وتدير المعارضة اليوم محطات فضائية لإيصال رسائل بديلة، بينما يساهم الإنترنت والهواتف النقالة في التفاعل المستمر بين الأشخاص، ما يجعل النقاشات الافتراضية أكثر فعالية ممّا هو حقيقي.
وجذب خلال الأشهر الأخيرة أحد الحسابات المجهولة على موقع «تويتر» (@mujtahidd) أكثر من 220 ألف متابع، وذلك بعد نشره تفاصيل دقيقة عن الفساد في المملكة.
وقد نشر الحساب حتى الآن الآلاف من المعلومات عن أفراد من العائلة المالكة بمن فيهم الملك عبد الله.
ولم يؤثر حجب الحساب داخل السعودية على ازدياد عدد المتابعين له، وبالتالي فإن هذا الاستعداد الواضح لتبني حملة التسريبات الذي يقوم بها هذا الشخص المجهول توضح ثقة الناس القليلة بالإعلام الرسمي للبلاد.
ويزداد تأثر المجتمع اليوم بأصوات الإصلاحيين من اتجاهات مختلفة، ومعظمهم من الإسلاميين كما هي الحال في الدول العربية الأخرى التي شهدت اضطرابات.
ولعل هذا الواقع يذكرنا بمقولة للفيلسوف الفرنسي دنيس ديدرو في القرن الثامن عشر «دعونا نخنق الملك الأخير بأحشاء الكاهن الأخير».
ولا يركز العالم الغربي في ظل هذا التغير في الشارع السعودي سوى على الثورة الشيعية وقضية المرأة. صحيح أن الشيعة في السعودية ينشطون في احتجاجات وتظاهرات عديدة، ولكنهم يشكلون أقلية يربطها النظام بإيران، وبالتالي فإن احتجاجاتهم تبقى معزولة.
وقد استطاع النظام أن يستغلّ هذه الاحتجاجات لمصلحته عن طريق إقناع السنة بسعي الشيعة للسيطرة على المحافظات الشرقية.
وفي دولة يفتقر فيها الجنسان إلى الحقوق الأساسية، فإن تركيز الغرب على تحركات المرأة أدى إلى نتائج عكسية، إذ تم ربط مطالب المرأة بالقيم الغربية التي لا تحظى بشعبية في المنطقة.
ولعل التركيز على هاتين القضيتين فقط يخدم النظام السعودي، لأنه يعطي انطباعاً بأن النظام لا يواجه تحديات تهدد بإسقاطه.
ويفضل النظام نقل صورته للغرب كنظام مستقر على أن يحترم الأقليات ويشجع القيم الغربية، خاصة أن أي تحد داخلي آخر من شأنه أن يفقد السعودية ثقة الغرب بإمكانيتها في الحفاظ على مصالحه.
ولكن بالرغم من الاقتناع الكامل بضرورة تغيير النظام، لا يزال الاصلاحيون مترددين في الإعلان عن آرائهم.
ويستمر رجال الدين المعينون من الملك باسترضاء النظام في بلد يعتبر فيه الدين ركيزة أساسية في الحياة السياسية، في وقت يواظب الإعلام الرسمي على ربط التغيير بالفوضى عبر إيصال صور مخيفة عن ليبيا وسوريا واليمن.
وما هو أكثر أهمية من هذا كله أن مستوى الثقة بين الناشطين السياسيين لا يزال ضئيلاً، وهذا ما يجعل التوافق حول مطالب موحدة أمراً صعباً.
وتجدر الإشارة إلى أن مصطلحات حرية التعبير، والشفافية وتقاسم السلطة غريبة على سكان المملكة، حيث النشاط السياسي كان تقريباً غير موجود.
ولكن هذا لا يعني أن التغيير مستحيل، خاصة في ظل المطالبات بمحاكمة ولي العهد ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز. أما الدعم الأميركي والأوروبي للنظام السعودي فهو يأتي بنتائج عكسية إذ ينظر الشعب إلى النظام على انه يبيع البلاد لحكامه الغربيين. يمكن القول إن ميزان القوى في السعودية يميل نحو التغيير، وهو ينتظر الشرارة لإشعاله، على غرار وفاة الملك أو تطوّر غير متوقع على غرار ما حدث في تونس حين أحرق محمد بوعزيزي نفسه.
منعت إحدى قبائل منطقة الطائف، قرب مكة، منذ أسبوعين قوات الأمن من تنفيذ أمر ملكي بالحصول على أراضيها، ما أجبر السلطات على إلغاء القرار.
يتساءل الناس في أنحاء البلاد كافة: إن كانت قبيلة صغيرة قادرة على استعادة أراضيها عبر التظاهرات السلميـة، فلماذا لا تستطيع الأمة كاملة المطالبة بحقوقها بالطريقة ذاتها؟