للمرة الأولى هذا الأسبوع يصدر كلام أميركي جديد حول سوريا. البنتاغون استخدم عبارة «حل سلمي» في سوريا، وحذر من خطورة توسع نفوذ جبهة «النصرة»، ووزارة الخارجية تحدثت عن جهود سياسية لتغيير حسابات أركان النظام السوري في النظرة إلى النزاع الداخلي.
هناك صمت أميركي منذ أشهر حول سوريا، بدأ ربما منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة. كل مسؤول أميركي يتحدث عن سوريا كان يركز على البعد الإنساني مع حوالي 700 ألف لاجئ في دول الجوار وحوالي 2,5 مليون نازح داخل سوريا، ومقتل حوالي 70 ألف شخص حتى الآن. الطلب الوحيد من لبنان خلال الأشهر الأخيرة، على سبيل المثال، كان عدم إغلاق الحدود أمام اللاجئين السوريين. لكن فترة المراجعة هذه يبدو أنها على مشارف النهاية، حيث بدأ وزير الخارجية جون كيري يرسل المؤشرات الأولية التي تعكس مدى تعاونه مع فريق عمل البيت الأبيض حول القضايا الخارجية.
هذا التحول لا يقتصر على مبنى «هاري ترومان» في «فوغي بوتوم». مصادر البنتاغون تقول إن «جبهة النصرة» لديها تعاون مباشر مع تنظيم «القاعدة»، وهي تمثل الآن «خطراً إرهابياً حقيقياً» على المنطقة، ونفوذها بدأ يتسع ليطال دولاً مجاورة. الاستخبارات الأردنية تحذر منذ عام من هذه القضية، وبحسب المصادر فإن الملك الأردني عبدالله الثاني أبلغ قيادات الأمم المتحدة خلال زيارته إلى نيويورك في أيلول الماضي مدى خطورة امتداد وصول هذه الأسلحة إلى هذه المجموعات المتشددة.
في لبنان أيضاً، هناك قلق أميركي من توسع نفوذ «جبهة النصرة». وتتحدث المصادر الأميركية عن «مجموعات انتحارية» أصبحت فاعلة على الأرض اللبنانية. وزير الدفاع ليون بانيتا تحدث هذا الأسبوع عن قلق واشنطن من قتال «النصرة» إلى جانب المعارضة السورية، وأن «حزب الله يبدو أكثر نشاطاً هناك أيضاً». لكن يقول مسؤول أميركي آخر لـ«السفير» إن المعارضة السورية «متعددة الأوجه، وجهودها للإطاحة (بالرئيس السوري بشار) الأسد لا يبدو أنها تعتمد على أي مجموعة واحدة».
كيري يقول إن لديه أفكاراً لتغيير حسابات الرئيس السوري، لكن هناك حاجة إلى التشاور حولها لإقناع الأسد بـ«حتمية» تنحيه عن السلطة ضمن «أرضية مشتركة» بين واشنطن وموسكو تمهد لمرحلة انتقالية. بالأمس صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند بأن واشنطن تتحدث مع موسكو حول وقف دعمها العسكري والاقتصادي للنظام السوري
وتطلب منها دعم مبادرة رئيس «الائتلاف الوطني السوري» احمد معاذ الخطيب لإجراء حوار مع أركان من النظام السوري، لكن كيري لا يزال ينتظر أن يرد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على اتصاله الهاتفي.
كيري أظهر في تصريحاته الأخيرة مدى أهمية الملف السوري بالنسبة إليه، مؤكداً أن جولته المرتقبة هذا الشهر إلى أوروبا والشرق الأوسط ستركز على إيجاد حل لهذا النزاع وليس لبلورة أفكار حول المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية. الاقتراح الأردني هو إيجاد حل وسط بين مطلب النظام عدم إجراء حوار إذا كان الشرط تنحي الأسد، ومطلب المعارضة بالتنحي الفوري للأسد، وعبدالله الثاني سيتوجه إلى موسكو قريباً لمتابعة البحث في الملف السوري، ما يعكس حجم القلق الأردني الرسمي. كيري أيضاً تشاور مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قبيل توجهه إلى المنطقة، لتوسيع قاعدة التشاور ومحاولة إيجاد صيغة تقبل بها الأطراف الإقليمية.
لكن التحول الأميركي لا يعني إعادة النظر بالموقف الأميركي من نظام الأسد، ولا يعني فتح خطوط اتصال أميركية مباشرة معه. طبيعة التحول تبدو كأن هناك نظرة أميركية متساوية بين النظام و«جبهة النصرة». تقول المصادر إن هناك مسعى حالياً للتواصل بين وزارة الخارجية الأميركية وأركان المعارضة السورية لبلورة إجماع حول هذا الأمر، وهناك تشاور روسي ـ أميركي على خط مواز أيضاً لعقد لقاء مع النظام السوري. صيغة هذا الاجتماع لن تكون عائقاً بالنسبة إلى الأميركيين، أي اجتماع خماسي أو متعدد الأطراف. النقطة الوحيدة المستبعدة هي أن لا لقاء ثنائياً مباشراً بين أي مسؤول أميركي وأحد أركان النظام السوري، في وقت تندرج فيه هذه الجهود ضمن خريطة طريق لمرحلة انتقالية سلمية تقضي بتنحي الأسد.
هذا البديل الأميركي المطروح لمقاربة الملف السوري يأتي بعد التخلي نهائياً عن خطة تسليح المعارضة السورية التي وضعها الصيف الماضي كل من المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بتراوس ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. والبنتاغون أقر مؤخراً بأنه وافق عليها لكن من دون إظهار أي إفراط في الحماسة لدعمها. هناك قرار مركزي في البيت الابيض أنه مهما تكن الضغوط التي تواجهها واشنطن نتيجة عدم تدخلها عسكرياً في سوريا او عدم تسليحها المعارضة هي افضل مقارنة مع سيناريو تجد نفسها فيه متورطة في نزاع تتحمل مسؤوليته على المدى البعيد.
التغيير لا يقتصر على الإدارة فقط، الكونغرس أيضاً بدأ بطرح التساؤلات. رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الجمهوري مايك روجرز اعتبر أنه ليس هناك «حل جيد في سوريا» وأن «أفضل شيء يمكننا أن نأمله هو أن يمضي قدماً الخيار الأسوأ الأفضل. نحتاج إلى تحويل دفة الأمور بسرعة في سوريا، وأنا لا اعني الفوز. اعني فقط أن نكون في وضعية حيث يمكننا تخفيف الأمور السيئة التي ستحدث في سوريا خلال الأشهر المقبلة».
السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وخلال جلسة استماع في لجنة القوات المسلحة هذا الأسبوع، اعتبر أن سوريا بمثابة «عدوى ستؤدي إلى سقوط ملك الأردن».
لكن المحاولة التي حصلت مؤخراً لجمع المعارضة والنظام في موسكو فشلت، حيث اتضح أن الأرضية لاختراق كهذا ليست جاهزة بعد، وإذا كان المسعى الأميركي ـ السوري جدياً فلا بد من جهود لإقناع الطرفين بضرورة التفاوض على وقع القتل اليومي والعمليات المتبادلة بين الجانبين، وفي ظل بعض المكاسب الميدانية للمعارضة في الفترة الأخيرة التي ترى فيها واشنطن ضغطاً إضافياً لدفع النظام إلى التفاوض.
الإدارة الأميركية تعتقد أن «جبهة النصرة» تلعب دوراً رئيسياً، لكنها ليست كل مشهد معارضة سورية لا مركزية، وهي تراقب عن كثب مجرى المعارك في دمشق ومدى قدرة المعارضة على إحداث اختراقات ميدانية فيها. جهد كيري والإدارة هو من المحاولات الأميركية الجديدة لإنهاء تداعيات الأزمة السورية بأقل ضرر ممكن، لكن الأشهر المقبلة ستظهر حجم الثقل الذي سيضعه البيت الأبيض وراء هذه المبادرة وضمن أي مهلة زمنية، كما ستظهر الأشهر المقبلة ما اذا خرج الميدان السوري عن سيطرة القوى العظمى، أو لا يزال لدى هذه القوى القدرة على إدارة نزاع دموي يقترب من ختام عامه الثاني.
سيريان تلغراف