الآن فقط بدأت بعض سحب المؤامرة الصهيونية الخليجية تنقشع شيئا فشيئا و الآن فقط بدأ العالم الحر يكتشف مدى الانهيار الذي أصاب الجسم العربي و من هو هذا الجسم المركب الغريب الذي زرعه الإعلام الصهيوني الخليجي في العقول باسم مغر منمق جميل… ” الربيع العربي” و ما أدراك ما هو الربيع العربي .
ليس غريبا أن يتزامن هذا الحدث المشبوه و هذا الوليد السفاح مع سكتة قلبية مفاجأة أصابت أنظمة عربية متآمرة ظنها البعض لن تزول لأنها أكثر النظم العربية تنفيذا للمشروع الصهيوني بل هي أكثر الأنظمة التي جعلت من مسألة تنفيذ هذا المشروع مسألة حياة أو موت و سخرت لذلك كل أدواتها الإعلامية و السياسية للإيحاء بكون الصهاينة هم الأقرب وجدانيا إلينا و بكون معاداة هذه النظام النازي هي مضيعة للوقت و هدر للطاقات بدون جدوى لان الماما أمريكا ستغضب في النهاية و من يقدر على غضبها و زعلها.
ليس غريبا أبضا أن نسمع و لو بشيء من التأخير عن انقلاب مشبوه فيما أعتدنا من خطاب الإخوان و من أدبياتهم طوال قرن من الزمن من كون دولة الكوكا كولا هي العدو الرئيسي للأمة العربية و أنه لا حوار و لا اعتراف و لا استسلام مع الشيطان الأكبر و مع ربيبتها الشيطان الأصغر الدولة الصهيونية الماكرة و مع تواتر الأنباء و التسريبات عن جلوس “الإخوة الأعداء” المفترضين على نفس طاولة الحوار في مجالس مغلقة فهمنا بعض الشيء أن هناك تحول استراتيجي و تقاطع مصالح بين الامبريالية الغربية و بين الإسلام السياسي المتشدد بحيث تقوم تلك الجماعات الإرهابية التي تسمى منظومة الإخوان العالمية” الاستيلاء على الحكم تحت ستار الربيع العربي و بعد ضخ أموال خليجية خيالية لتسهيل العملية الانتخابية لفائدتها على أن تترك تلك الجماعات للماما أمريكا و الموساد الإسرائيلي حرية التصرف لتنفيذ الأجندة الأمريكية في المنطقة بحيث يعاد تنفيذ مشروع سايس بيكو جديد تستولي فيه الإدارة الأمريكية على مقود قيادة المنطقة سياسيا و استراتيجيا و تبعد نهائيا كل الطموحات الصينية و الروسية و حتى النفوذ الفرنسي “الصديق” للتواجد في منطقة تعتبرها الإدارة الأمريكية بداية انطلاق مشروعها المسمى الشرق الأوسط الجديد الذي هو نتاج نظرية الفوضى الخلاقة التي طالما كتبت فيه الدراسات و استهلك فيه الحبر .
حتى لو افترضنا جدلا أن ما حصل في تونس و مصر قد تم بأيادي شعبية داخلية مع أن كل المؤشرات التي تبعت سقوط النظامين ” الأمريكيين” قد نسفت هذا الحلم الجميل و شككت في الرواية التي يتداولها الساسة في الدولتين فان إسقاط النظام الليبي السابق و تسخير كل تلك القوة العسكرية و الإعلامية و المالية للغرض قد طرح أسئلة كثيرة لان الدول التي تآمرت في هذه العملية كانت على وعى تام بانعدام المؤسسات و الهياكل في هذه الدولة لمدة أربعين سنة و بالتالي فان إسقاط النظام سيؤدى إلى كارثة حقيقية و إلى حرب أهلية و خاصة إلى فقدان الأمن و الأمان و انتشار أسلحة القذافى في أيدي كل العصابات و الجماعات الإرهابية القريبة من الصحراء الليبية.
نعم كان الغرب يدرك أن إسقاط النظام الليبي لن يجلب الديمقراطية و الحرية للشعب الليبي بل العكس بحيث يصبح السلاح و خاصة ” الخطير” المتطور منه في أيادي مشبوهة لها أجندا تخريب في المنطقة و هي جماعات أغلبها من الإخوان المسلمين لها رغبة في إسقاط ما تبقى من الأنظمة العربية في المنطقة بل لها عين على عديد الدول الإفريقية الأخرى مثل مالي و السنغال و نيجيريا و التشاد و عديد الدول العربية مثل لبنان و سوريا و غزة و مصر و رغم تحذير عديد الأوساط الغربية و العربية المتزنة من إمكانية أن تجد مخزونات العقيد القذافى طريقها إلى المسلحين المتشددين التابعين للقاعدة و من شابه من الجماعات الإرهابية السعودية الوهابية في جنوب الصحراء الكبرى فان الإدارة الأمريكية لم تعط للأمر أهمية لأسباب مشبوهة.
ما تنقله وسائل الإعلام عن أسلحة ليبية وجدت في مناطق شمال مالي و جنوب الجـزائر و ما اكتشف من مخزونات سلاح في عدة أماكن بالتراب التونسي و في عدة أماكن بالتراب المصري و بشمال السودان و التشاد و النيجر و ما ينقل عن عديد وسائل الإعلام من كون من يقومون على هذا السلاح و يستعملونه و ينقلونه إلى مناطق النزاع هي جماعات إخوانية وهابية متطرفة أصبح البعض منها في الحكم في تونــــس و مصر واليمن يوضح شيئا من الصورة الحقيقية للفكر الإخوانى الذي بدأ يتسرب في كل مفاصل المنطقة للقيام بعمليات عسكرية للاستيلاء على الحكم بالقوة و فرض مشروع الدولة “الإسلامية” أو ما يسمى بدولة الخلافة التي نجد أثرها المكتوب في فكر الشيخ حسن البنا و الشيخ سيد قطب و من يبشر بها من فكر القرضاوى عن طريق وسائل إعلام مثل الجزيرة و العربية و بعض الأقلام ” القرضاوية” التي تبيع الوهم للإخوان.
نعم اليوم وضحت الصورة قليلا و بات من المؤكد أن السلاح ” الليبي” الذي وفرته العملية العسكرية الغربية لإسقاط النظام السابق هو عنوان المرحلة و وسيلة تنفيذ فكر الإخوان العالمي بل أكاد أجزم أن صمت القاعدة رغم اغتيال الشيخ أسامة بن لادن هو صمت مريب بدأ مفهوما الآن بعد أن وفرت الإدارة الأمريكية للإخوان السلاح للقضاء على ما تبقى من الأنظمة العربية ” الأمريكية” في المنطقة طامعة في إقامة خلافة من المؤكد أنها حلم الأجيال الاخوانية و لكن الصهيونية العالمية لها كلمتها المختلفة بعد أن تقوم هذه الجماعات بالعمل القذر..
بعد أن تسقط الأنظمة العربية المتبقية بسلاح “الثورة” الليبية و على يد الإخوان ستكون المنطقة العربية مسرحا لمعركة فاصلة بين حلم دولة الخلافة و بين عقول المحافظين الجدد الذين خططوا لهذا السيناريو الكارثة لذلك ترحموا على الشهداء الذين سقطوا باسم ثورة عربية مشبوهة أخذتها عقول ظلامية كافرة متشددة و عقول غربية صهيونية منافقة إلى مكان آخر لتصنع منها الحرب العالمية الثالثة .
ما يحدث في مالي و جنوب الجزائر و سوريا و العراق هو الجزء القليل الظاهر من جبل المؤامرة العنيفة التي تزحف على المنطقة و ما سرب منذ يومين بواسطة جريدة الشروق الجزائرية من مطالبة الإرهابي التونسي المسمى “أبو عياض” لما يقارب 12 ألفا من أتباعه الإرهابيين فئ سوريا للعودة إلى تونس و ما كشف منذ أسبوعين عن تغلغل بعض عناصر “القاعدة” التونسيين في جسم المؤسسة العسكرية و الأمنية يضاف إلى ذلك كميات الأسلحة المهربة من ليبيا التي كشفتها الأجهزة الأمنية و فيها من لم يكتشف بعد و ما حصل من اغتيال للمناضل شكري بلعيد الذي تتهم العائلة السياسية حركة النهضة الحاكمة بتنفيذه هي “تباشير ” حرب الإخوان لإسقاط مفهوم الدولة كل ذلك بسلاح من المفترض أن يكون موجها لصدور الأعداء أصبح للأسف موجها لصدور المسلمين.
شكرا للثورة الليبية…
احمد الحباسي | بانوراما الشرق الاوسط