Site icon سيريان تلغراف

المرأة بين فقه العورة وفلسفة الثورة .. بقلم د.محمد فكري الجزار

لم يخل ميدان التحرير من حرائر مصر وشريفاتها أبدا من 25 يناير 2011 وحتى الآن . ولم يحدث – مطلقا – في لحظات الصدام الكبرى في 2011 أن تحرش أحد بشريفة من شريفات مصر الثائرات ، ولا أيام حكم العسكري بكل بطشه حدث ما يحدث الآن ، في ولاية من يطلق عليه أتباعه “أمير المؤمنين” ، من تحرش يصل حد الاغتصاب ، فماذا حدث ؟

وقد حدث في إحدى جلسات مجلس الشعب المنحل أن طرح قانون لتجريم التحرش بالمرأة ، فوقفت امرأة ، أي والله امرأة ، كما يبدو من ظاهر هيئتها ، لترفض مثل هذا القانون مؤكدة على أن حماية المرأة مسئوليتها الشخصية ، أي والله لا مسئولية للمجتمع عن حماية المرأة ، وتصايحت اللحى الكثيرة تحت القبة تأييدا لامرأة تحارب نفسها وبنات جنسها ، وسقط المشروع .

ويحدث الآن أن شاعت حالات التحرش وكأنها ظاهرة داخل الميدان ، من قبل مجموعات مندسة لا تدخل الميدان إلا لهذا السبب تحديدا ، وتواترت الأنباء عن أن جماعة أمير المؤمنين وراء ما يحدث . ويجتمع مجلس الشورى الذي يقوم بدور مجلس الشعب ، ليؤكد أن المتحرَّش بها هي المتسببة فيما يحدث لها ، فلماذا تركت بيتها ولماذا هي في الميدان ؟ الأمر الذي يؤكد ضمنيا على ما تواتر ت به الأنباء من قبل .

وأخشى ما أخشاه أن تتمكن إحدى المتحرَّش بها من تسجيل ما حدث لها في محضر ، ومن ثم يتحول إلى قضية ، وتنظر القضية أمام قاض من جماعة أمير المؤمنين من الذين سموا أنفسهم “قضاة من أجل مصر” ، فيحكم بعقوبة على المجني عليها للسبب الذي قالته عدوة نفسها وجنسها في مجلس الشعب ، وما أكده فيما بعد مجلس الشورى .

وماذا يمكن أن نتوقع وفقه العورة يحكم ؟ .. إننا أمام جماعات تدعي الانتساب للإسلام وإحداها تحكم الآن . وهم جميعا لا يرون في المرأة إلا موضوع شهوة ومحل ولد وحسب ، وهاتان الوظيفتان لا تشترطان أن تكون المرأة ذات شخصية مستقلة ، ولا أن تمارس وظيفة اجتماعية عامة ، ولا حتى أن تتعلم ، بل على العكس تشترطان أن تقر المرأة في بيتها لا تخرج منه إلا إلى قبرها ، فإذا ألجأتها الضرورة للخروج ، فلتخرج ولكن بكراهة تسربلها بالأسود من أعلى رأسها إلى ما تحت قدميها .

في فقه العورة ، لا تكون المرأة إلا بكفالة الرجل ، أما الرجل ففي كفالة المجتمع ، ومن ثم فلا نعجب ألا يعرف قانون أمير المؤمنين ودستوره المرأة على الإطلاق . ولا نندهش أن تتوسل جماعته بجريمة التحرش لإعادة المرأة إلى كفالة رجلها ، ففي نبل الغاية – حسب تصوراتهم – تمتلك أقذر الوسائل وأكثرها حرمة مبرراتها .

في مقابل هذا الفحش السياسي والتشريعي ، كان لشريفات مصر موقف آخر ، فانتمين إلى فلسفة الثورة في مواجهة فقه العورة ، وخرجن في تظاهرات خاصة بهن رافعات السكاكين والهراوات مؤكدات على أنهن لسن موضوعا جنسيا ، وأنهن لن يتركن ميادين الثورة ، وسيدافعن عن شرفهن بما تطوله أيديهن ، ليس فقط ، وإنما تظاهرن – أيضا – ضد السلطة التي استباحت أعراض الرجال وتعريتهم في الطرقات ..

إن أمير المؤمنين هذا لا يعرف الشعب الذي ابتلاه الله بحكمه ، ولا قرأ شيئا عن تاريخه ، وإنما اكتفى بمعرفة أهله وعشيرته وقراءة تاريخ جماعته . ولم يتوقف ليسأل نفسه ما الذي أخرج شريفات مصر ليتظاهرن ضد تعرية رجل واحد أمام قصر الاتحادية . ما لا يعرفه أمير مؤمنين جماعة الإخوان أن المرأة تحمل قضية الوطن كله برجاله ونسائه بلا فرق ، وأن العدوان على رجل واحد كالعدوان عليهن جميعا . ما لا يعرفه أمير مؤمنين آخر الزمان أن الميدان صهر الشخصية المصرية بأكثر مما فعل التاريخ الاجتماعي والسياسي ، وأنه إزاء شعب آخر تماما .. شعب امتلك بشهدائه حريته في الرفض وحقه في الثورة ، وسوف يظل رافضا وثائرا حتى حصوله على كامل حقوقه ، وأولها وأولاها حقوق المرأة ، هذه الحقوق التي ربما تكون شرارة الانفجار العظيم عما قريب .

أ.د.محمد فكري الجزار | بانوراما الشرق الاوسط

Exit mobile version