خمس ساعات في القاهرة مع الهيئة السياسية لـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» ليصوب رئيسه احمد معاذ الخطيب الموقف، فيما برز تطور سياسي مفاجئ تمثل في اعلان البيت الابيض عن لقاء يعقد غدا في مدينة ميونيخ الالمانية يستضيفه نائب الرئيس الاميركي جو بايدن مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الدولي والعربي الاخضر الابراهيمي، بمشاركة الخطيب، ما قد يؤشر الى تحول لافت في التعامل الدولي، وتحديدا من جانب الولايات المتحدة وروسيا، مع الازمة السورية التي كانت واشنطن تتمثل فيها حتى الان بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومساعدها وليام بيرنز.
الأحد عشر عضوا في قيادة الهيئة الأكبر للمعارضة السورية اختلفوا على صيغة لرأب الشرخ الذي أحدثه الخطيب بدعوته إلى حوار مع النظام شرط أن يحرر 160 ألف معتقل، ويمدد جوازات سفر السوريين في الخارج، وان يكون الحوار على رحيله.
وخرج «الائتلاف» من القاهرة بصيغة تحفظ ماء الوجه وببيان يعيد قضية الحوار مع النظام إلى نصابها «الائتلافي»، والى ما نصت عليه وثيقته الأساسية وبشروطها، وفي عهدة بند يحرم الحوار مع النظام إلا على ترحيله، وهو بند يندرج في سلسلة من 12 بندا تعاهد عليها «الائتلافيون»، باقتراح «إخواني» لإغلاق الباب مسبقا أمام أي تطورات تدفع باتجاه خيار الحوار.
الهيئة السياسية أعادت تأطير رئيسها الخارج عن الوثيقة «بإعلان التزامه بوثيقته التأسيسية التي تنص صراحة على أن أي مفاوضات أو حوار لن يكون إلا على رحيل النظام بكافة مرتكزاته وأركانه».
ووصف مقرب من الخطيب البيان بأنه نجح في تغليف استعادة رئيسه إلى حظيرة «الإخوان المسلمين» والجناح المتشدد في «المجلس الوطني» الذي وافق على تشكيل «الائتلاف» ودخوله على مضض وتحت ضغوط قطرية ـ أميركية، لكن النقاشات الطويلة حول قضية، لم تكن تتطلب أكثر من توضيح بسيط، بينت وجود تباينات حول مقاربة التفاوض مع النظام، من دون أن تتبلور في ظهور كتلة تدعم رئيس «الائتلاف»، الذي لم يسع، بحسب مصدر، إلى تطوير الخلاف، لكنه دافع عن موقفه من دون هوادة.
وقال مصدر في المعارضة واكب تطور موقف الخطيب من قضية المفاوضات مع النظام السوري، إن الخطيب كان يعلم مسبقا أن «الائتلاف» ليس قادرا على «هضم» أي عرض بالحوار مع النظام، لكنه راهن على أصوات داخل الهيئة تؤيد الحوار، بيد أن الطريقة التي قدم فيها العرض، خارج الأطر المعهودة، أثارت حفيظة «الائتلافيين» الإسلاميين وجعلهم غير قادرين على تحمل المبادرة.
وقال المصدر إن اجتماع القاهرة قد يؤجل مؤقتا الفرز الضروري داخل «الائتلاف» بين دعاة الحل العسكري، وخصوصا من جماعة «الإخوان»، والباحثين عن إعادة الاعتبار إلى الحل السياسي من دون تقديم تنازلات كبيرة. وأشار المصدر إلى أن المراجعة الضرورية تظهر أن الحل العسكري، كما راهن عليه «الائتلاف»، في طريق مسدود، ليس بسبب عدم حصول المعارضة على السلاح المطلوب فحسب، بل لأن الجميع بات يدرك أن النظام باق أطول مما كنا نتوقع، وان سوريا تتعرض إلى التدمير خلال هذا الوقت، وان القرارات الصعبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تحتاج إلى قيادة شجاعة يفتقدها «الائتلاف».
وقال المصدر المعارض إن «الائتلاف» يدرك أن الحوار سيجري مع من تلوثت أيديهم بالدماء إذا لم يستطع تحقيق حسم عسكري، وان البعض في قيادته وداخل المعارضة يدرك أن المفاوضات لن تجري إلا مع من تلوثت أيديهم بالدماء من النظام، لأنهم وحدهم قادرون على اتخاذ القرارات، ويتمتعون بالسلطة الكافية لإنجاح العملية الانتقالية.
وبدت محاولة حصر الأضرار الديبلوماسية التي سببها خروج الخلاف داخل «الائتلاف» إلى العلن حول تعرضه المستمر لخديعة الحلفاء من دون جدوى. ولم تجد الضغوط في حمل الخطيب على التراجع عن موقفه المفاجئ باستثناء إحالة تصريحاته إلى موقف شخصي لا يعني «الائتلاف» بشيء رغم السجال الذي دار بينه وبين «المجلس الوطني» بعيد ساعات قليلة من طروحاته الحوارية على «فايسبوك».
وسبق الاجتماع في القاهرة، رد نائب المراقب العام لإخوان سوريا صدر الدين البيانوني، وقوله إن «الخطيب لم يعد إلى الهيئة السياسية قبل اتخاذ موقفه وان أعضاءها مقتنعون بالنيات الطيبة لإمام الجامع الأموي، لكن ما قاله لا يعدو كونه اجتهادا شخصيا من قبل الخطيب».
وكان مقرب من «الائتلاف» قد قال لـ«السفير» إن «الاجتماع شهد نقاشات صريحة بين أعضاء الهيئة السياسية حول العرض الذي تقدم به الخطيب، وانه يحظى بدعم واضح من رياض سيف، احد ابرز وجوه الائتلاف والذي يشاطره الشعور بالخيبة من نقض أصدقاء سوريا تعهداتهم مساعدة المعارضة من دون الوفاء بها، وان الوقت يعمل لصالح خيار استمرار بقاء النظام والحرب وتدمير سوريا».
وقال مقرب من الخطيب ناقش معه مسيرة «الائتلاف» منذ تشكيله قبل شهرين وإخفاقه في تقديم أفضل من «المجلس الوطني» إن الحصيلة العامة ضئيلة ولا يعتد بها. وفي السياق نفسه يجد «الائتلاف» نفسه وسط احتمالات عودة الحديث عن التفاوض والحل السياسي، ولكن من خارج أطره.
وقال المتحدث باسم «الائتلاف» وليد البني، تعليقا على فرضيات الحل الروسي ـ الأميركي، «هناك حل ما يتبلور ونحن في طور التحضير سياسيا لكل ما يحدث».
وينظر «الإئتلافيون» بعين الريبة والشك إلى حليفهم الأميركي، ليس بسبب تصاعد ضغوطه لعزل الجماعات الجهادية فحسب بل بسبب شعور يسود في أوساطهم أن الروس والأميركيين وعددا كبيرا من الدول الغربية يستعجلون إطلاق العملية السياسية ولو على حساب «الائتلاف» وهو ما يجعل مسؤولا في قيادة الائتلاف يشتبه بان دعوة الخطيب إلى مؤتمر ميونيخ الأمني غدا، ليس سوى فرصة دولية سيحاول الداعون استغلالها لفرض حل على المعارضة السورية «تعرف مسبقا أننا لن نقبل به».
ويتوجه الخطيب غدا إلى ميونيخ، حيث سيلتقي نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي سبق أن رفض لقاءه والمبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي.
وأعلن مستشار نائب الرئيس الأميركي طوني بلينكن أن بايدن سيبحث على هامش مؤتمر حول الأمن في ميونيخ غداً النزاع في سوريا مع لافروف والإبراهيمي والخطيب.
إلى ذلك، قالت مصادر ديبلوماسية فرنسية، لـ«السفير» في نيويورك، إن الاجتماعات التي عقدت في مقري البعثتين الروسية والأميركية مع ممثلي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن «لم تؤدِ إلى أية نتائج ايجابية، فمواقف موسكو وواشنطن ما تزال تراوح مكانها».
وأشارت المصادر إلى أن «الخلاف لا يزال يتمحور حول مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في مفاوضات المرحلة الانتقالية، فالولايات المتحدة ترى أن لا حل إلا برحيله في حين أن روسيا تراه جزءا من الحل».
سيريان تلغراف