دعت الحكومة السورية مواطنيها إلى إستفتاء على دستور جديد أبرز مادة فيه أنه يسقط النظام القائم و المستند على حكم حزب البعث للدولة وللشعب ويقيم بدلا عنه نظاما تعدديا يستند إلى الديمقراطية الوطنية التي تجعل من أمكانية تداول السلطة على أعلى مستوياتها أمرا طبيعيا وصيرورة دستورية لا مفر منها .
ومع توجه السوريين اليوم إلى مراكز الاستفتاء على مشروع الدستور فإن فصلا من تاريخ سورية الحديث يكون قد أغلق ويفتح الشعب السوري بتصويته بنسبة معقولة على الدستور الجديد فصلا أكثر ألآهمية من الذي سبقه لأن على نتائجه يتوقف مستقبل سورية كدولة وشعبها كوحدة وطنية متجانسة ، ويسجل للرئيس السوري بشار الأسد أنه ورغم الأزمة الداخلية التي تعيشها بلاده إلا أنه أصر على تقديم تنازلات لشعبه لا للدول الغربية التي تساند خصومه وتدير تحركاتهم المسلحة والعنفية – الشعبية على الأرض .
لم يفقد الرئيس الأسد اعصابه ولم يتسرع في تقديم تنازلات تفيده شخصيا وتفيد حزبه، فبدلا عن التضحية بنظام يضمن دورا قياديا للحزب الذي يرأسه كان يمكن للأسد تنفيذ المطالب الأميركية المزمنة (كما هي مزمنة خيانة بعض أنظمة دول الخليج ) و التضحية بعلاقاته الإستراتيجية مع إيران ومع حزب الله ومع حماس (التي باعت تاريخها المقاوم بعشرين من فضة قطر والسعودية وأميركا) فترضى أميركا وتتكفل هي بإسكات عملائها من العرب والأوروبيين وتنتهي الأزمة بتبويس لحى مع المعارضين الذين سيتحولون بأمر أميركي إلى أسماء مرت في تاريخ الإعلام وإنتهت على طاولة الصفقات الدولية.
لم يفعلها الأسد بل فضل على ذلك الثبات والتنازل لا لأميركا (عن ثوابت سورية وشعبها) بل تنازل لشعبه عن حكم حزب البعث الذي أصابته فوائد السلطة على مر العقود بلوثة الطفيليين والفاسدين والإتكاليين.
اليوم يقول الشعب السوري رأيه في الحراك الذي تحول من تظاهر سلمي إلى إجتياح أطلسي – عربي بالسلاح الذي يحمله بعض مرتزقة وكثير من التكفيريين المحتضنين من فئات شعبية مخدوعة بدعاية تلفزيونية أو هي مساقة إلى التطرف على جناح كلمات شيوخ الفتنة ووجهاء التكفير ، ولو حصل ووصلت نسبة الى مرتبة معقولة من عدد الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم فمعنى ذلك أن ما يسمى بالثورة ساقطة شعبيا ولا تملك القدرة التمثيلية التي تدعيها ، لأن أي إستفتاء شعبي مماثل في أكثر الدول أمنا وهدوئا لا يشارك فيه النسبة نفسها من الناخبين الذين يشاركون في إنتخابات نيابية أو رئاسية تنافسية ، فكيف بسورية المضطربة بعض مدنها وبعض أريافها ؟
نزاهة الإنتخابات سيكون معيارها رقابة صارمة لأكثر من مئتي وسيلة إعلامية دولية وعربية قامت وزارة الإعلام السورية بدعوتها لتغطية الإستفتاء وعملية فرز الاصوات بتفاصيل مراحلها .
الإستفتاءات بعكس الإنتخابات لا تشارك فيها أغلبية واضحة لأن الحماس مفقود فيها ولأن الغالبية العظمى ممن يحق لهم التصويت لا يشاركون لأنهم يعتبرون أن إقرار موضوع الإستفتاء هو تحصيل حاصل .
إن من سيشاركون في الغد هم أنصار الإستقرار وأنصار أهداف الحراك السلمي الحقيقيون لا سارقي مطالب التغيير من التكفيريين المسلحين ومحتضنيهم من ضحايا قنوات التحريض والفتنة التي إستغلت حرب العراق الطائفية ومليارات الدعاية الأميركية في لبنان لتحريض السوريين على بعضهم .
اليوم يصوت السوريون على دستور لو إلتزم الشعب بمتابعة تطبيقه كما ينبغي من قبل النظام فسوف ينقل سورية من عهد الحزب الواحد إلى عهد ديمقراطي يصبح فيه لسورية في يوم ما رئيس يحكم وآخر سابق يعارضه من مقاعد المعارضة السياسية .
ومن العلم أن مراكز الاستفتاء في سوريا ستفتح أبوابها اليوم في الساعة السابعة صباحاً وتغلق في السابعة مساء على أن تعلن نتائج الاستفتاء الاثنين المقبل، وسط أجواء مثيرة على المستويين الداخلي والخارجي. وعُلم أمس أن حزب البعث العربي الاشتراكي ، أوعز لمنتسبيه الذين يقاربون المليون ونصف المليون بالتصويت بـ”نعم” للدستور.
وأمس الأول، أعلنت وزارة الداخلية إنهاء استعداداتها للاستفتاء. يشار إلى أنه يحق للمواطن، وفقاً للقانون السوري، الذي أتم الثامنة عشرة من عمره في الأول من كانون الثاني الماضي ممارسة حقه في الاستفتاء بموجب بطاقته الشخصية، وفي حال عدم وجودها يجوز له ممارسة هذا الحق من خلال جواز السفر ساري المفعول أو إجازة السوق غير المنتهية مدة استخدامها، أو دفتر خدمة العلم، أو الهوية العسكرية بالنسبة للعسكريين أو البطاقتين النقابية والجامعية. ويبدأ الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في السابعة صباحاً من يوم الأحد 26 شباط الحالي وينتهي السابعة مساء، وفي حال الإقبال تمدد للعاشرة ليلاً.
وكانت وكالة الأنباء السورية (سانا) قالت إن “أكثر من 14 مليون سوري لهم الحق بالتصويت في 13835 مركزاً، بما فيها المراكز التي تم افتتاحها على الحدود البرية وفي المطارات”. وسينقل التلفزيون السوري وقائع هذا النهار مباشرة على الهواء، بما في ذلك سير العملية في المناطق المتوترة من ريف دمشق وحماه وحمص
المحرر السياسي – عربي برس