اكتشف السيد جون جينغ مدير العمليات في مكتب الامم المتحدة للشؤون الانسانية أمرا خطيرا لم يسبقه إليه أحد، عندما قال في مؤتمر صحافي عقده في بيروت بعد عودته من زيارة لسورية “انه بلد يتعرض للتدمير بأيدي شعبه”.
كنت قد علّقت في مقال سابق على كلمة العربي امام مؤتمر القمة العربي الاقتصادي الذي عقد في الرياض حيث طالب الأمين العام للجامعة العربية بدعوة مجلس الامن الدولي للاجتماع واصدار قرار ملزم بوقف اطلاق النار، وارسال مراقبين دوليين للإشراف عليه. وقف اطلاق النار فقط من دون تدخل عسكري على غرار تدخل قوات حلف الناتو في ليبيا.
وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أتبع كلمة العربي بتصريح جاء فيه أن العرب يواجهون “مأزقاً كبيراً” في سورية، وقال الوزير السعودي خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء قمة الرياض التنموية إن “المأساة السورية للأسف تكمن في وجود حكومة ترفض أي حل. يواصلون تصور أن كل من يقاتلهم إرهابي ومن غير المرجح التوصل لحل سياسي معها”. وتابع “ازداد ذلك بعد تعيين المبعوث الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي ونحن في مأزق كبير. ماذا يمكن أن نقوم به أكثر من ذلك؟”.
نعم إنهم في مأزق، لكن سبب مأزقهم ليست دمشق، بل واشنطن. وظفوا الأموال والرجال وكل طاقات بلادهم لتغيير النظام في سورية بدعم وتحفيز من واشنطن، لكن الصديق الأمريكي خذلهم. والرئيس باراك اوباما وجّه لهم رسالة واضحة في خطابه الذي القاه يوم تنصيبه في ولايته الثانية قال فيها إن زمن الحروب انتهى وبدأ عهد السلام، ولا بدّ من حلّ المشاكل بـ”الحوار”. وزيرة الخارجية كلينتون لم تتخلّف عن رئيسها وأكدت أن المقاتلين في سورية يستخدمون بعض الأسلحة من مستودعات القذافي في ليبيا. ووفق مديرة مكتب الحياة في واشنطن جويـس كــرم يعكس كلام كلينتون خوفا أمريكيا من تسليح المعارضة ونمو التطرف في سورية. أما منذر سليمان مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية في واشنطن فيعتقد أن إقرار كلينتون بوجود أسلحة في سورية من مستودعات القذافي جاء في سياق اعتراف واشنطن، المتأخر، بأن السلوك المتطرف للإسلاميين بدأ يشكل خطرا على نطاق أوسع. واعتراف واشنطن بـ”جبهة النصرة” منظمة إرهابية جاء بعد أحداث بنغازي، مايعني أن هذه الأحداث إلى جانب الأزمتين الأخيرتين في مالي والجزائر تدفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة حساباتها.
لم يفهم عباقرة السياسة الجدد الذين كثرت اجتماعاتهم حول الملّف السوري عبارة تشرشل الشهيرة، فجاء التحول في السياسة الأمريكية مفاجئا، بينما لم تفترض المصالح الأمريكية أي تدخل مباشر في سورية، فالتدخل في العراق وليبيا كان بسبب النفط، أما سورية فأقصى مايمكن هو تدميرها والاستفادة من إعادة البناء وعادة تتنازل واشنطن كما في العراق عن الكثير لحلفائها في هذا المجال. وهذه العملية كما اكتشف جون جينغ يقوم بها السوريون بأنفسهم. أما إسقاط النظام أو استبداله فالإدارة الأمريكية لم تر فيه مهمة ملحة، ولماذا يعتقد البعض أن واشنطن ترغب بوصول الجهاديين إلى السلطة؟ لتحارب انتشار الإرهاب في منطقة واسعة من العالم؟ أم لتندد بسرقة الإسلاميين لكنيستين في اللاذقية وبتدمير حسينية في إدلب؟. كل الحروب تنتهي على طاولة المفاوضات، فلماذا لاتوفر الأطراف دم الأبرياء وتختصر الطرق نحو الطاولة؟
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)