الأحداث الجارية في سورية تمس، بهذا القدر أو ذاك، المصالح الجيوسياسية للمشاركين الأساسيين في “لعبة شطرنج” السياسة الدولية. إن تنحية بشار الأسد عن السلطة ستعني واقعيا انتصار القوى التي أخذت منذ عام 1980 تعيد رسم خارطة العالم الجيوسياسية من جديد، ولذلك ليس من الصواب عند تناول الأحداث السورية، الاكتفاء بالحديث عن حرب أهلية في هذا البلد. وكما يشير بحق عدد من الخبراء، فإن الجيش النظامي السوري لا يواجه شعبا مسلحا، بل مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، يجري تمويلها وتسليحها من الخارج. وهذا هو العامل الوحيد الذي يجعلها قادرة على تنفيذ عمليات نشطة. ويشكل الإسلاميون الأجانب الذين تدفقوا من أنحاء الشرق الأوسط، جزءا هاما من المسلحين المقاتلين في سورية. وفي الآونة الأخيرة، اعترف بوب كار ممثل وزارة الخارجية الاسترالية، أن حوالي 100 استرالي سافروا منذ عام 2011 الى سورية ليشاركوا – ضمن مختلف المجموعات الإسلامية – في القتال ضد الجيش السوري النظامي. واضطر المكتب الصحفي للخارجية الاسترالية الى تذكير المواطنين الاستراليين الذين يحاربون في سورية، بأنهم سيتعرضون للمساءلة القانونية في بلدهم، وقد يحكم عليهم بالحبس مدة تصل إلى 20 عاماً.
ولكن ذلك لا يوقف المتطرفين، الذين تضم صفوفهم إلى جانب المتزمتين الدينيين، عناصر اجرامية وذوي سوابق استغلوا الظروف الحالية لممارسة أعمال النهب والقتل. واعترفت شخصيات رسمية ووسائل اعلام غربية، أن الآلاف من السلفيين الأجانب يشدون الرحال الى سورية للإنضمام الى المجموعات المسلحة المناوئة لبشار الأسد. والمهمة الأساسية للذين يقاتلون ضد الجيش السوري النظامي هي ممارسة إرهاب نفسي شامل على السكان. هذا ويتعمد مقاتلو “الجيش السوري الحر”، واسلاميو “جبهة النصرة”، وغيرهم من المجموعات الراديكالية في الآونة الأخيرة. يتعمدون اثناء عملياتهم العسكرية ، ايقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف المدنيين. ولتحقيق هذا الهدف، يدمرون المنشآت الحيوية والصناعية، ويلاحقون الأطباء، والصحفيين، والاختصاصيين في مجال النفط. وهذه التشكيلات لا تحتاج الى دعم من المدنيين، ولا يمكنها أن تحظى أصلاً بمثل هذا الدعم، وبالرغم من ذلك تبقى مهمة جيش النظام في القضاء التام على المتمردين صعبة للغاية، وتتطلب الكثير من الوقت والموارد.
والسمة الثانية للحرب الدائرة في سورية هي التنوع العرقي والثقافي للتشكيلات المسلحة التي تواجه الجيش النظامي، فالمقاتلون الأجانب لا يتقبلون أبدا أية دعاية تصدر عن السلطة السورية، ولذلك لا مفعول من الناحية العملية، للمبدأ المزدوج الذي تعتمده الحكومة، أي الجمع بين العفو عن المترددين والقضاء المبرم على المتشددين. وتمضي الصحيفة موضحة أن المقاتلين الأجانب يرفضون الاستسلام والوقوع في الأسر، بل ويقتلون جرحاهم بدم بارد. وأصبح من المألوف حرق جثث المقاتلين الأجانب من قبل رفاقهم حتى لا يتم التعرف عليهم. أما السمة الثالثة للحرب في سورية، فهي التنظيم والعمل المنسق جيداً لهيئات التعبئة والامداد لدى مجموعات المقاتلين. فعدد الذين تم تجنيدهم، وتدريبهم ، والحاقهم بالمقاتلين في سورية بدءا من ربيع 2012، يفوق بكثير عدد الذين قضى عليهم الجيش السوري النظامي. وبعد انتهاء الحرب في ليبيا، ظهرت في بلدان الشرقين الأدنى والأوسط مراكز ومعسكرات لاستقدام المتطوعين وتدريبهم. وهذا المنظومة من “مكاتب التجنيد” تغطي مساحة جغرافية واسعة، تمتد من شاطئ شمال أفريقيا الغربي، الى الصين، وحتى اندونيسيا واستراليا. ويتم نقل المجندين الى أماكن التجمع في تركيا ولبنان بوسائط نقل المسافرين العادية، ومن هناك يتسللون إلى سورية عبر الحدود التركية واللبنانية.
سيريان تلغراف