أتمنى من كل قلبي أن أسترق النظر الى دفاتر المستقبل وأن أكتب على صفحاتها البيضاء .. وأن أكون في الكتابة عامل منجم يحفر بقلمه في جبال الزمن باصرار ويثقب بمعوله صخر الجهل والمجهول وسدود المنطق والعقول .. أتمنى أن يكون لقلمي جناحا جبريل ليقول للناس اقرؤوا ماأمرتم بقراءته في الغار .. ولاتقرؤا مايكتبه لكم شيوخ الناتو..
وأتمنى من كل قلبي أن تتحول كل مقالة أكتبها الى نهر بطول نهر النيل .. وطوفان بحجم طوفان نوح تغرق فيه اللحى والعمائم .. ليغسل هذا الشرق من آثامه وكفره وأسماء طوائفه .. ويجرف معه السقيفة والجمل وصفين .. .. ويجرف السيوف الصليبية والسيوف الانكشارية التي اتّحدت لتقطّع هذا الشرق… وليغسل ما علق على نوافذه من زيوت العربان السوداء التي تحجب النور..ولايترك شيئا من روث العرب ونعاجهم..
بل أتمنى أن أكتب مقالة تهب من بين حروفها الرياح والأعاصير العنيفة وتكنس فتاوى الجهاد المجنون .. وتنفخ من ذاكرة الناس ماتركته رياح الهبوب والخماسين من رمال الصحراء وغبار النعاج .. ولتمحو خطوط الخرائط على التراب وألوان سايكس وبيكو ..
وكم أتمنى أن أبني من كلامي فلكا كسفينة نوح لاتحمل الا الشهداء وليس فيها الا السوريون الوطنيون وليس عليها الا أعلام الوطن .. ولتغرق الدنيا التي امتلأت شرا وكفرا وزناة ومجاهدين لأبي جهل .. وتسافر فينا السفين ولاتستوي على أي جودي .. بل لاتستوي الا على قاسيون .. أو هضبة حلب .. أو على جبال القدس ..
أتمنى أن أكتب مقالا ذريا يتفجّر .. لايبقي ولايذر .. بل أتمنى أن أكتب مقالا تغار من حرارته أعاصير النار التي تشب على وجه الشمس .. وتمد الشمس يديها لتتدفأ بوهجه ..
وأتمنى أن أكتب مقالا ان ألقيته في البحر صار البحر عذبا وحلوا .. وأتمنى أن أكتشف عبارة قصيرة وحيدة لاتقهر أكتبها .. تكون في عقول البشر مثل قانون الجاذبية لايقهر .. ومثل معادلة اينشتاين في الزمن والكتلة والضوء ..
وأحلم أن أكتب مقالة لها فعل عصا موسى .. ألقيها فتبلع كل الكلام الرديء وكل جرائد العرب وثرثرات العرب وخيانات العرب .. وتبلع كل ثعابين العرب .. وعقارب الصحراء .. وتشق البحر كلما احتجنا لعبوره بلا زوارق ولاقوارب مطاط عندما يطاردنا الفراعنة “المؤمنون” ..
ولكن ماأكثر التعابين .. وماأكثر العقارب ..وماأكثر الفراعنة وجنود الفراعنة وكلاب الفراعنة .. ثعبان اثر ثعبان .. وفرعون اثر فرعون .. وكلب في ذيل كلب .. وعقرب في ذيل عقرب .. وآخر العقارب لونه “أخضر”..
وبالرغم من هذا .. من ذا الذي سيمنعني بعد اليوم من أن أحيل قلبي الى نجم؟ .. وقلمي الى وحي؟ .. ومن ذا الذي سيقهر بعد اليوم دمي؟ .. ومن ذا الذي سيقهر حلمي؟ .. ويقهر طوفاني وسفينتي؟؟
هذا صراع الدم والنفط .. وعندما يتصارع الدم مع النفط .. فان الدم يصبح نارا .. أما النفط فلا يقدر أن يصبح ماء ولا أن يصبح دما .. لكنه يستطيع أن يبلل اللحى .. والويل لمن اغتسل بالنفط وغمس لحيته وصلاته بالزيت ان أصابه دمنا الساخن المشتعل باللهب .. والويل لكل هذه اللحى المبللة بالنفط والمغمسة بالغاز ولاتعرف أن دمنا هو النار ..
بعض الناس لايدركون أن الزمن نفسه يكبر وينمو وأن من كان صغيرا صار كبيرا .. وأن من كان كبيرا صار صغيرا .. ولاشك أن عمر الأزمة السورية لم يعد قصيرا وأننا جميعا كبرنا عامين .. لكنهما أثمن عامين في خزانة القرن الواحد والعشرين .. وأثمن عامين في ذاكرة هذا الجيل .. ففي عامين هرم الأعداء أيضا وشاب شعر أردوغان ونطق برلوسكوني بأسرار الربيع .. وتضاءلت أصوات النعاج .. في عامين تقيأ الاسلام كل مافي جوفه من مرض عضال .. وعرفنا لم لم ننتصر في القرن الماضي كله وكيف لن نهزم في هذا القرن .. وعرفنا أن المشكلة لم تكن في غياب أن (الاسلام هو الحل) .. بل المشكلة هي كيف تحول الاسلاميون الى كارثة .. وصار بسببهم (الاسلام هو الكارثة) .. وأن قلب هذه العبارة هو أن (السعودية هي كارثة الاسلام) ..وأن الاخوان هم قلب الكارثة .. وأن الحل ليس في الاسلام بل صارت العبارة السحرية الذرية التي تفوق حرارة الشمس هي (الحل في سورية) .. في سورية حيث يتم تطهير الاسلام من كوارثه الارهابية وغسل لحاه المنقوعة بالزيت بشهب النار .. ويتم تحرير آيات القرآن من أسنان الأمراء التي تلوكها .. ومن تحت أضراس شيوخ الناتو..وحيث يسترد الأموي القرآن من بني عثمان ويسترد الرسول ..وآل البيت .. والصحابة الذين أخذوا قسرا الى حملات انتخابية وبرامج تمولها ايباك ..
من ينظر الى اخوان مصر وتونس وليبيا وتركيا وحماس وكيف ينهشون في الدساتير كالضباع الجائعة وينهشون في عقول الناس وفي خرائط أوطانهم وكيف ينهشون مؤسسات الدولة القانونية ويقضمون قياداتها العسكرية والفكرية والثقافية من أجل سلطانهم .. ويرى كيف يمضغون لحم القرآن حيا ويلوكون أياته كشرائح اللحم .. وكيف يعلكون أحاديث النبي وصوت النبي ويأكلون لحوم اخوتهم أحياء .. من يرى ذلك فسيعرف كيف تحول الاسلام من حل الى كارثة .. ومن ينظر كيف يمسكون الدنيا ومتاعها بأسنانهم وكيف يهزون ذيولهم أمام الناتو والسادة الغربيين وأن آخر شيء يبحثون عنه هو الآخرة .. من ينظر اليهم يعرف أن معادلة “الاسلام هو الحل” تفككت وصارت في عهدهم “الاسلام هو الكارثة” ..وأن الحل رحل عن هذه العبارة ليعقد زفافه على سورية ليصير “الحل في سورية” .. نعم الاسلاميون هم الكارثة ..والحل في سورية ..
انها ربما العبارة التي كنت أبحث عنها .. ومعادلة الضوء والزمن والكتلة ..انها عبارة بطعم النار..وعصف الريح ..انها الفلك التي يجب علينا الصعود اليها .. وهي العبارة الأقصر لكنها بطول نهر النيل وبقوة فيضان نوح .. ولو نزل جبريل من جديد لحملها لنا الى الغار ..(الاسلام صار هو الكارثة .. لأن السعودية والاخوان هما كارثة الاسلام ..والحل هو في سورية) ..
ومن ينظر الى معركة تفتناز يعرف كيف يخوض (الاسلام هو الكارثة) معركة مع (الحل في سورية) .. آلاف الشباب يدفع بهم الأتراك والأمراء العرب والامريكيون الى حقل موت دون حساب لأن أرحام المساجد ستلد غيرهم .. يدخلون الفخ بأرجلهم وهم يكبرون ليلتقطوا الصور التذكارية .. احتفالهم بالصور كان يشبه احتفال المماليك بدخول قلعة محمد علي باشا قبل أن يجهز عليهم الباشا .. فقد أقام الموت وليمة سخية من لحوم الثورجيين في تفتناز .. وكان حفل الشواء من أكبر حفلات الشواء على الاطلاق .. ولنعرف حجم الموت الذي زار تفتناز فعلينا اقتطاع هذه العبارة التي أوردها قائد عمليات تركي ورصدت بعناية على حدود ادلب .. فقد قال بالحرف في اتصال هاتفي بقائده: “تفتناز تحترق .. أقسم أن الطيارين السوريين الآن فوق تفتناز لو وضعوا أيديهم على زجاج طائراتهم لاحترقت من تصاعد اللهب من شدة القصف ومن حجم الحرائق التي تتصاعد من تفتناز .. انها حفلة شواء رهيبة ..اللعنة ..يجب أن نفعل شيئا ..لو الباتريوت ..الخ”..وهذا الكلام منقول بدقة شديدة ..ومن مصدر يعمل بنشاط عند العدو
ماحدث في تفتناز شيء غير معقول .. فلقد اتخذ قرار منذ فترة باللجوء الى خطط الاحتواء ..وهي اقتراح احد الضباط وهو برتبة عميد ركن .. أي بدل الصد والوقوف على نفس الخطوط يجب ادخال العدو الى حلقات النار للاجهاز عليه بأعداد كبيرة .. والفكرة طرحت بسبب ملاحظة استمرار تكتيك الموجات البشرية .. فالصفوف الأولى من الموجات البشرية هي التي تموت وتنجو الموجات الخلفية ..وسميت عمليات كسر قشرة البيضة فالموجة المتقدمة تهلك فيما تنجو الموجات المتراجعة.. ولذلك تقرر احتواء ماأمكن من الأعداد الغفيرة للمهاجمين وتغطيتهم بلحاف ناري بعد اغلاق المخارج بالنار .. وفي تفتناز تذوق العدو طعم النار الدمشقية ..وتم سلق البيضة كلها بقشرها وبياضها وصفارها ..والدجاجة التي تبيض .. ستصلها النار الى فوهة البيض قريبا..
وأما من يتابع صفقة التبادل التي حصلت بين السوريين والأتراك لاطلاق سراح الحجاج الايرانين لعرف حجم الاسلام الكارثي الكذاب الذي يبيع الوهم للثوار والمكبرين .. ولو يدري أهل الثورة الحقيقة لعرفوا أنهم لايساوون شيئا في الموازين .. فالأتراك لهم بعض الأسرى منذ فترة طويلة والصفقة التي كانت تعني أردوغان هي استعادة بعض هؤلاء .. أما الفقاعات الاعلامية من أنه اشترط اطلاق مايزيد على 2000 من السوريين وغيرهم فهذا كلام يشبه مسرحياته الكلامية واستعراضاته البطولية في ديفوس وشواطئ غزة .. وماقاله لي مصدر تركي موثوق (أنتظر توثيقه من جهة سورية أيضا لم ترفض مانقلت اليها ولم تعلق) هو أن الاتفاق اقتضى اعتبار من خرج من السوريين المعتقلين قبل الصفقة في مراسيم العفو السابقة من ضمن الاتفاق مع بعض المدانين بنشاط اعلامي وسياسي محظور .. ولم يخرج قاتل واحد والاتراك لايريدون ثورجيا واحدا لأن لديهم الكثير من الحاضرين ليكونوا شواء .. وتحدى المصدر التركي المعارض لأردوغان اعلان قوائم السوريين المشمولين بالصفقة ..اذا لم تكن ملفقة طبعا كما يتوقع وفيها تمثيليات ..
ولكن أردوغان الكذاب دائما يريد أن يبقى في عيون المسلمين الخليفة القوي الذي يدافع عن رعاياه المسلمين في كل الأصقاع .. وهو يريد اعطاء الجيش السوري صفة الجيش الاسرائيلي الذي يبادل بضعة أفراد مقابل الآلاف من (المناضلين) في حين الصفقة الحقيقية كانت أربعة أتراك فقط (4 شواليط) لهم صفة رسمية مهمة (من أصل عشرات من صغار العسكريين الشواليط) مقابل الحجاج الايرانيين .. وليذهب الثورجيون الى الجحيم .. هؤلاء الثورجيون ديكور لمسرحه ومساحو أحذية لحزب العدالة التركي .. وحيوانات تملأ أقفاص معسكرات اللجوء التي تعامل كحديقة حيوانات تركية كما وصفها المصدر التركي الذي قال بأن السلطات التركية تقفل المعسكرات وتحرسها بشدة بسبب نشاطات سرية محظورة أما الديكور من المدنيين فتوزع له الغذاء والمعونات كما توزع الأعلاف وتحدد كل شيء داخل المعسكر وتخفي قسريا من تشاء لأنها تتصرف في معسكرات اللاجئين السوريين كما تتصرف ادارات حدائق الحيوانات ..ان مخيمات اللجوء التركية لاتختلف عن حدائق الحيوان ..
مسح أردوغان بأجساد الثورجيين السوريين وأعمارهم وأبنائهم وبناتهم حذاء تركيا المتسخ بطين الفشل والمتعب من غبار الهزائم ودخان مشاريعه المتفحمة .. ألفان من السوريين الذين يفترض مبادلتهم لايعرف عنهم أحد شيئا ولم نعرف عنهم شيئا .. مجرد أرقام وأسماء على الورق ..وفي الهواء .. للتغطية على الحقيقة .. فيما كل المعركة التركية وعملية اختطاف الايرانيين كانت من أجل أربعة عناصر مخابراتية تركية عصرتهم المخابرات السورية عصر الزيتون والعنب وعرفت منهم مالم يعرفه أردوغان وأذلتهم أيما اذلال .. ولم يبق منهم الا الثمالة والرمامة في ضيافتنا ..
وقد قيل لي ان اردوغان عجل في الصفقة واختطاف الايرانيين لأنه تناهى الى سمعه من قبل البعض اقتراح بعض “الصقور” في القيادة السورية التي عبرت عن رغبتها في أن يتم اصدار مرسوم بأن يتم شنق كل تركي أسير على الأراضي السورية متورط بعمل مسلح .. شنقه في ساحة المرجة يوم السادس من أيار كثأر عمره مئة عام على اعدام الوطنيين السوريين على يد جمال باشا السفاح وحزب الاتحاد والترقي (النسخة الأولى للعدالة والتنمية) .. لأن هؤلاء لايعتبرون أسرى حرب لأنهم مثل مجموعات غوانتانامو الذين لاتنطبق عليهم قوانين الحرب حسب اجتهادات القانونيين الأمريكيين (في الحرب على الارهاب)ليسوا أسرى بل مجرمين يسري عليهم قانون الارهاب وليس القانون الدولي ومكانهم أقفاص بلاقوانين في غوانتانامو .. ولتكون تلك المشانق رسالة الى مؤيديه في استنبول ليعرفوا معنى الاذلال .. وليكون ذلك سبيلا لخروجه نهائيا من السياسة لتسببه في أكبر اذلال لتركيا ..
لكنني أرى أن مثل هذا العمل قد يفيد اردوغان المتعب باغتياله الأكراد وخناقاته مع الجميع والذي يبحث عن سيناريو ليعرض فيه مواهبه الخطابية والحماسية وليستعيد بعض مجده القديم وبعض شعبيته ويبعد الأكراد والأزمات عن عنقه .. وسيكون اعدام الأتراك علنا هو العلاج له والانقاذ .. ونحن لانريد معالجته قبل موته البطيء .. رغم أن أكبر هدية يجب أن تقدم لقرار أردوغان بتعيين وال عثماني هو اخراج هذا الاقتراح الى العلن وتأييده .. واعدام رعايا الوالي في حلب بحيث يشاهدها الوالي نفسه عبر الحدود والأسلاك .. وتصل الى عيون السلطان أردوغان ..
ان هناك عبارة أخرى أريد أن أكتشفها أيضا .. تتمدد من صدري بطول نهر النيل .. وفيها حرارة وعصف .. انها عبارة بطعم النار.. وعذوبة تقهر البحر .. انها الفلك التي يجب علينا الصعود اليها .. وهي العبارة الأقصر لكنها بطول نهر النيل .. ولكن العبارة المفقودة التي كنت أبحث عنها والمعادلة الاينشتانية هي .. الوطن = الشعب = الجيش .. ويمكن اختصارها بشكلها البسيط المتحدي الذي يقوله ابن الشارع:
شبيحة للأبد .. لأجل عيونك يابلد
نارام سرجون