أنهت الإدارة الأميركية العام 2012 بفضيحة كبرى على صعيد سياستها الخارجية وخصوصاً تلك المتعلّقة بسوريا، وذلك بوصول المساعدات الأميركية التي بلغت قيمتها 25 مليون دولار أميركي الى «جبهة النصرة» الإسلامية المتطرّفة التي تُعتبر من أكثر التنظيمات المسلّحة في سوريا فاعلية، من دون سائر المعارضات السورية، بعد أن صنّفتها في تشرين الثاني الفائت تنظيماً ارهابياً أجنبياً بسبب صلاتها بتنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين، ووضعتها على لائحة الإرهاب.
حتى أنّ المبادرة الأخيرة التي حملها الموفد الأممي- العربي الأخضر الإبراهيمي الى سوريا، تضمّنت بنداً يتعلّق بوقف إطلاق النار بضمانة تركية، قطرية وسعودية من دون أن يشمل تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي، على ما ورد فيها.
ويرى مصدر ديبلوماسي مطلع أنّ ما حصل هو موضع نقاش داخل الإدارة الأميركية لا سيما وأنّه يُشكّل خطأ جسيماً قامت به وزارة الخارجية الأميركية التي أعلنت عن تخصيصها مبلغ 25 مليون دولار لدعم مقاتلي المعارضة السورية، ويتمثّل هذا الخطأ في تمويلها لجبهة النصرة التي وضعتها على لائحة الإرهاب، من دون أن تقصد ذلك بالطبع. غير أنّ هذا الخطأ يدلّ برأيه على أمور عدّة يجدر التوقّف عندها هي:
1- ضعضعة الإدارة الأميركية وعدم قدرتها على السيطرة على المعارضة السورية في الداخل، ولا على الساحة السورية، ما يدلّ بالتالي على ضعف هذه المعارضة التي تتكلّ عليها الولايات المتحدة.
2- تورّط الولايات المتحدة العلني بأنّها تساعد وتدعم مقاتلي المعارضة السورية بعد أن كانت تنفي هذا الأمر منذ بدء الثورة في سوريا، وما إعلانها عن المخصّصات سوى دليل قاطع على تدخّلها في الشؤون الداخلية في سوريا، هذا الأمر الذي حذّرت منه روسيا مراراً في مواقفها المتعلّقة بإيجاد الحلّ للأزمة السورية.
3- تعرّض الولايات المتحدة في المقابل للخيانة إمّا من قبل المعارضة السورية، أو من قبل الذين تعتمد عليهم في الداخل لإيصال مساعداتها للمعارضة، ما جعل المساعدات تصل لجبهة النصرة.
4- فعالية «جبهة النصرة على الأرض وقدرتها على الاستفادة من المساعدات بطريقة ما والحؤول دون وصولها لمقاتلي المعارضة السورية.
5- عدم قدرة الولايات المتحدة والدول الحليفة لها من حسم الأمور على الأرض السورية رغم المساعدات المالية والعسكرية التي تُغدق بها على المعارضة السورية في الداخل والخارج، والتي تُقدّر بالملايين.
ومن هنا يجد المصدر نفسه أنّ تصاعد نفوذ «جبهة النصرة» يزداد، وهذا ما كانت تخشى منه الولايات المتحدة والدول الأخرى، وتعتبره مشكلة لها ولمستقبل سوريا، على اعتبار أنّ هذه الجبهة هي من التنظيمات المتطرّفة التي تعمل على محاربتها منذ أحداث 11 أيلول 2001 الإرهابية، وقد أتى الدعم الأخير ليضاعف من نفوذها على الأرض وبين الجماعات المسلّحة.
في المقابل، يتخوّف المصدر من أن تكون الولايات المتحدة قد وقعت بهذا الخطأ عن قصد، أو أوحت بوقوعها به لتغيير ما في أسس اللعبة التي تمارسها في دول الشرق الأوسط. فالأخوان المسلمون يحكمون حالياً في مصر، ولا نجد أي اعتراض على حكمهم هذا من قبل الولايات المتحدة، فهل تريد أن تحكم القوى الإسلامية المتشدّدة سوريا، على اعتبار أنّها قد تكون الوحيدة القادرة على إسقاط نظام الرئيس بشّار الأسد؟!
ويُعقّب بأنّ التصنيف الرسمي لـ«جبهة النصرة» بالإرهاب الذي وقّعته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في العشرين من تشرين الثاني الماضي، إضافة الى الرسالة السياسية التي بعثها الى السوريين، يمنع المواطنين والفئات الأميركية من التعامل مع «جبهة النصرة». والأهم من ذلك، فإنّ القانون الأميركي يعاقب ويقاطع أي تنظيم آخر يتلقى المساعدات الأميركية إذا تعامل مع «جبهة النصرة»، غير أنّ بعض الفئات الناشطة في المعارضة المسلّحة، والتي تنسّق بعض عملياتها العسكرية مع الجبهة انتقدت هذه الخطوة الأميركية حتى قبل الإعلان رسمياً عنها، خصوصاً وأنّ الولايات المتحدة تعلم بوجود مثل هذا التنسيق. ولعلّ هذا الأمر ما يبعث على الشكوك، بحسب المصدر، من أنّ الخطأ الذي حصل وشكّل فضيحة للإدارة الأميركية قد يكون مقصوداً.
فالولايات المتحدة عندما أدرجت «جبهة النصرة» المتشدّدة رسمياً على لائحة المنظمات الإرهابية، معلنة عن اعتقادها بأنّ هذه المنظمة التي تنشط في إطار المعارضة السورية المسلّحة ترتبط بتنظيم «القاعدة»، أرادت، بحسب المصدر نفسه، التبرؤ منها على اعتبار أنّها تابعة لـ «القاعدة» التي تقوم هي بمكافحة إرهابها على الصعيد الدولي ككلّ، وليس فقط في الولايات المتحدة أو في الدول الأوروبية. كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مالية على اثنين من أعضاء «جبهة النصرة» هما ميسر علي موسى عبدالله الجهوري، وأنس حسن خطاب. غير أنّ الجميع يعلم من يغذّي «القاعدة»، ومن كان وراء ظاهرة زعيمها أسامة بن لادن.
وتجدر الإشارة الى أنّ «جبهة النصرة» لا تضمّ عدداً كبيراً من المقاتلين، إلا أن مقاتليها أكثر فاعلية بسبب خبرتهم القتالية في العراق. ويعتقد أن معظم أعضاء الجبهة هم من السوريين الذين قاتلوا في العراق خلال الوجود العسكري هناك، إضافة الى مقاتلين عراقيين وليبيين.
سيريان تلغراف