عشية إنقضاء العام 2012 تغيرت أحوال مدينة حمص كثيرا، لم تعد احيائها بمثابة قلاعٍ تحتمي بها ميليشيا الجيش السوري الحر، سقطت أسطورة بابا عمرو في غضون 27 يوما، كُسرت الهالة التي بنتها كتائب الفاروق لنفسها، وأصاب قائدها عبد الرزاق طلاس فيها مقتلاً بعد خروجه في “فيلم فيديو جنسي” نشرته وسائل التواصل الإجتماعي، وإكتملت هزائم المعارضة المسلحة بعد الإنسحاب التكتيكي الذي نفذه مقاتلوها من حي دير بعلبة في اليومين الماضيين.
بألم وحسرة يعبر أحد قياديي المجموعات المسلحة لعربي برس عن الأحوال التي آلت إليها الأوضاع في “عاصمة الثورة السورية” قائلاً ” دول العالم التي تظاهرت بتقديم الدعم لنا، تواطئت على حمص، وأحيائها، الجميع يعلم أن أول كتيبة عسكرية شكلت في حمص، وأولى الحواجز نسفت في حمص، وأول دبابة إحترقت في حمص، لكن حلب سرقت قلوبهم، بعد سقوط حي باباعمرو، تُرك مقاتلونا في ثالث اكبر المدن السورية يواجهون مصيرهم الأسود بمفردهم فكانت النتيجة سيطرة الجيش الأسدي على حمص، وإقترابه من إعادة بسط سيطرته على حلب، بإختصار العالم يتآمر علينا لإفشال ثورتنا”.
كلام القيادي العسكري يصبح أكثر إقناعا بعد عرضه لمقارنة بسيطة حول اوضاع مدينة حمص بين آواخر عامي 2011، و2012، فيشير “إلى انه في نهاية العام 2011 كان الجيش الحر قد فرض سيطرة كاملة على معظم أحياء المدينة بدءاً من حي عشيرة جنوبا وصولا إلى حي دير بعلبة شمالاً، بينما اليوم مالت الكفة العسكرية بإتجاه النظام الذي عاود السيطرة على معظم الأحياء بإستثناء حي الخالدية المحاصر من الجهات الأربع، مقاتلو الحي المذكور يواجهون الموت ببطئ، لا طعام، لا شراب، الذخيرة نفذت أو إقتربت من النفاذ، يستصرخون ضمائر قادة الألوية، والكتائب لكن ما من أحد يجيب”.
ابرز قادة ميليشيا الجيش الحر في حمص قتلوا أو جرحوا، ومن تبقى منهم فضل الإرتحال عن المدينة يقول المصدر العسكري لعربي برس، مشيرا إلى ان كل من ” أبو عمر الأنصاري، وأبو حمزة الأنصاري، وإدريس السويد، وعمر الوعر، وآخرون سقطوا في المعارك، بينما تفرغ الملازم اول عبد الرزاق طلاس لأداء الواجبات الإجتماعية بعد شريط الفيديو الذي ظهر فيه، وهو اليوم يتنقل بين بلدات ريف إدلب، أما العقيد قاسم سعد الدين فيظهر علينا فقط عبر القنوات التلفزيونية، ولا آثر له على ارض الواقع”.
سقوط حي دير بعلبة مثل صدمة كبيرة للمعارضين خصوصا بعد الأنباء التي تحدثت عن تخلي الثوار عن نجدة رفاقهم المحاصرين، وخروج بعض الأصوات المطالبة بضرورة تنحية العقيد فاتح حسون وقاسم سعد الدين وآخرين اثبتوا فشلا منقطع النظير في قيادة المعارك، وتوكيل شخصيات عسكرية سبق لها، وأن اثبتت كفاءتها في المعارك السابقة بقيادة الثوار في المرحلة القادمة، كلام يراه القيادي الحر فيه شيء من الصحة “لأن معظم الضباط المنشقين اصبح جهدهم يتركز على سحب البساط من تحت أقدام زملائهم، وكأن النظام قد سقط، ونحن غير عالمين بذلك”.
عوامل سقوط حي دير بعلبة بيد قوات النظام كثيرة بحسب محدثنا الذي يلفت إلى “ان الأخبار الكاذبة التي وصلت إلى مسامع المقاتلين المحاصرين ساهمت في إرتفاع عدد الضحايا، فهناك من عمد إلى القول أن جبهة النصرة أرسلت 3000 مقاتل لنجدة مقاتلي دير بعلبة ليتبين فيما بعد أن الجبهة ليست على علم بما يجري، هذه الأمور تسببت بوقوع الكارثة فكانت حصيلة اللحظات الأخيرة للمعركة فقط مئتين وعشرين شهيدا منهم عشرات الشهداء ممن عرفت اسمائهم والذين إنتظروا طويلا وصول الإمدادات، وهم : عرفان محمد كامل كنعان، عبد القادر محمود فاعور، ناصر محمد عبد القادر كنعان، فادي فرحان محمد ديب كنعان، رامز عبد الحسيب كنعان، عبد الحسيب راتب كنعان، عبد الرحمن أبو الحمد، عدنان محمد عصرها، عبد المنعم كنعان، عبد القادر شحادة، ناجي شحادة، عبد الجليل السليم، عبد الغفار السليم، احمد السليم، تامر السليم، عبد الكريم الناصر ابو غيداء، ابراهيم خالد الأطرش، مبارك الوهبان، محمد السليم، احمد السليم، زكريا عبد الباسط حمزة”.
التنافس بين الكتائب، والألوية المقاتلة في صفوف ميليشيا الجيش السوري الحر بحمص يختصر بالرواية التي يتداولها معارضو النظام في المدينة، وفحواها: أنه، وعلى مدى شهرين من عدم توفر العتاد بحجة عدم وجود طرقات سالكة من الناقل العتيد كتائب الفاروق, استطاعت مجموعة عمل من أبناء حمص ودمشق من فتح طريق إلى المدينتين (بالرشوة المالية حينا وبالانفاق في احيان اخرى) حيث قاموا بنقل أربعة حمولات ثلاثة منها إلى دمشق وواحدة الى حمص, بتمويل من الهيئة العامة للثورة السورية, وبإشراف من الأخ سعد الدين أبو الفاروق والأخ أسامة الحمصي والأخ أبو عبدو الكناكري, حيث خلافاً لعادة الناقل القديم( كتائب الفاروق) التي كانت تقبض عشرين الى ثلاثين الف دولار على كل حمولة للبضاعة, وتحتفظ بها أو ببعضها لكتائبها التي تنتشر على حد زعمها في كل سورية وتعد بعشرات الالوف, فإن مجموعة العمل تلك تكفلت بكلفة النقل على نفقة الهيئة العامة للثورة السورية, وأوصلت العتاد بدون أي نقص بشهادة مجلسي دمشق وحمص العسكريين وسلمت أصولاً لقيادات تلك المجالس، وقد حصلت عملية التسلم، والإستلام أصولاً بعلم العقيد فاتح حسون قائد الجبهة لكن القائد العام لكتائب الفاروق أبو السايح جنيدي لم يعجبه الوضع, وهدد امام العشرات إن لم يستلم هو البضائع المرسلة سيقوم بقطع طريقها عن حمص وقال أنه لن تصل طلقة إلى حمص إلا عن طريقه هو, وهدد بمهاجمة مستودعات الذخائر العائدة لكتائب الجيش الحر في جميع المناطق التي تتواجد فيها كتائبه”.
جواد الصايغ | عربي برس