بينما لا ينفك قادة وأعضاء الائتلاف السوري المعارض والمجلس الوطني السوري وباقي هيكليات المعارضين السوريين من شتى الدول الخليجية والغربية بالحديث ليل نهار عن العلمانية المنتظرة في سوريا، خرج زعيم «جبهة النصرة» الإسلامية المتشددة أبو محمد الجولاني ليبشّر أن “مرحلة ما بعد انهيار النظام السوري ستكون مرحلة «حكم المجاهدين»، موضحاً أن «مرحلة انهيار السلطة تترك فراغاً انتم خير من يملأه».
وافتتح الجولاني، كلمة مسجلة بثتها مؤسسة «المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي» التي تتولى عادة نشر أشرطة وبيانات الجبهة على «يوتيوب» أمس بعنوان «أهل الشام فديناكم بأرواحنا»، بالقول «يا شام كوني درة في جبهة قامت لتعلن دولة القرآن».
وأشار «الشيخ الفاتح أبي محمد الجولاني» كما قدمته المؤسسة، الذي لم يظهر في الشريط، إلى أن «جبهة النصرة» هي من تقف وراء تفجير وزارة الداخلية في دمشق مؤخراً، وشن هجمات على مواقع القوات السورية في حلب وإدلب وحماه ودرعا وحمص. وأعلن انه بعد «تطهير الأرياف المحيطة بالمدن الرئيسية، بدأ الزحف إلى بعض المدن، فمنها ما أوشك على أن يطهر ومنها ما هو في الطريق بإذن الله».
وقال «أجمع الدعم الأميركي والدولي المتواصل للمد بعمر هذا النظام بإعطاء المهل وإرسال المراقبين والسعي بالهدن»، مضيفاً «سقط النصيري الحقير، قوموا ارفعوا رايات عز، إنها بشرى النبي تسود في البلدان».
وفي محاولة لإضهار الخلاف الشكلي لجبهة النصرة مع واشنطن رغم انها صنيعة امريكية بامتياز اعتبر الجولاني أن «أميركا تنفس عن غيظها وتعبر عن فشل دورها في المنطقة، وذلك بوضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب جزاء لها على معونتها لهذا الشعب». وأشار إلى أن القرار الأميركي «يلقى غضباً شعبياً عارماً في الأوساط الإسلامية، وتنهال عليها بيانات الشجب والاستنكار من أكثر من مئة منظمة ومؤسسة وجماعة
وألمح الجولاني أكثر من مرة في كلمته إلى أن مرحلة ما بعد انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد ستكون مرحلة حكم «المجاهدين». وتوجه إلى «أهل الشام» قائلا «فديناكم بأرواحنا ودمائنا. قدمنا لكم دماءنا ذوداً عن دينكم وعرضكم ودمائكم، ولا زلنا ندفع بأنفسنا واحداً تلو الآخر ليعود لأهل الشام عزهم وخيرهم الذي فقد منهم إلى أن ينعموا تحت راية الحق، راية لا إلا الله وتبسط الشورى بينهم».
وقال «الحذر الحذر إخواني الأعزاء أن نحبط آمال المسلمين الذين وضعوا ثقتهم أمانة في أعناقنا جميعاً، وأذكر نفسي وإياكم بالدماء الطاهرة الزكية التي روت ارض الشام خلاصاً من الطاغــية بشــار من أن تذهب هدراً». وأضاف «ما بذلــت هذه الدمــاء لتخرج من ظلم النظــام النصــيري لتتيه في ظلمات النظام الغربي. فلا يقطــفن ثمار التضــحيات غير زارعيها».
وأسدى الجولاني سلسلة نصائح لمقاتلي «جبهة النصرة»، مشيداً بأخلاقهم وشجاعتهم، طالباً منهم «إعانة الناس وإدارة الأفران والمخابز وتوزيع الوقود وتوفير أسس المستوصفات وإعادة الإعمار ما استطعتم إلى ذلك سبيلا». كما طلب منهم «توفير الأمن للناس وإنشاء مراكز إصلاح ذات البين والفصل في النزاعات»، مشدداً على أن «مرحلة انهيار السلطة تترك فراغاً انتم خير من يملاه».
وقال «لسنا حزباً سياسياً بل جبهة تعنى بشــؤون المسلــمين عامة ورد حقوق المظلومين من الناس». ودعا عناصر الجبــهة إلى «الحــفاظ على طيب العلاقة مع الجماعات الأخرى وحسن معاملتهم وغــض الطرف عن أخطائهم هو الأساس في التعامــل مع الجماعــات الأخــرى ما لــم يبدلوا».
وكان قيادي في «جبهة النصرة»، يطلق على نفسه اسم «أبو عدنان»، قال في مقابلة مع مجلة «التايم» الأميركية، إن الجبهة لا تختلف إيديولوجياً عن باقي المجموعات السلفية، من قبيل «أحرار الشام» و«صقور الشام» و«لواء التوحيد» و«لواء الإسلام»، التي دخلت في مفاوضات معها من أجل تشكيل تحالف أصولي موسع، فـ«كلنا مسلمون سنة، لذلك لا يوجد اختلاف». لكنه لفت إلى أن الفرق يكمن في أن تنظيمه «يولي اهتماماً كبيراً للمقاتل، فنحن نعنى بالكيف وليس بالكمّ. لا نقبل المدخنين، والمرشحــون للالتحاق بصفوفنا يحتاجون إلى الانخراط في دورة دينية تستــمر عشــرة أيام، من أجل التأكد من فهمهم للدين، تعقبها دورة عسكرية تستمر من 15 إلى 20 يوماً».
وأكدت المجلة أن «النصرة» تضم الكثير من المقاتلين السابقين في العراق، لكن الأخيرة تصرّ أنها ليست المجموعة الوحيدة التي تبنت أسلوب العمليات الانتحارية، حيث أن «العديد من المجموعات التي تعمل تحت مظلة الجيش السوري الحر، استعانت بانتحــاريين، فجروا أنفــسهم طوعاً أو كرهاً (مثل المختطفين)، وهي تريد أيــضاً تأسيس دولة إسلاميــة، مع العلم أن المقاتلين العلمانيين يتحدثون كذلك بعبــارات طائفيــة قبيحة تحقّر الأقليات».
وسخر القيادي من «المقاتلين الأقل تطرفاً» الذين وصفهم بـ«مغسولي الدماغ»، وذلك إزاء تحفظاتهم على استهداف المدنيين، وتبني نسخة شديدة التطرف من الدين، وتأكيد بعضهم أنهم سيتصدون للتنظيم بعد إسقاط النظام، ولكن ليس الآن، كونهم في حاجة إليه، وقول البعض الآخر إن التنظيم سيغادر سوريا إلى جبهات أخرى في حال سقوط النظام.
سيريان تلغراف