Site icon سيريان تلغراف

“غزوة” طرطوس والساحل .. إرهاصات وتهديدات .. بقلم عبدالله علي

لم ينس أحد من أبناء مدينة طرطوس، الدعوة التي أطلقها الشيخ عدنان العرعور، العام الماضي، إلى مناصريه لاستهداف مدينتهم بالسيارات المفخخة انتقاماً منها على تأييد النظام ومدّه بالشبيحة كما قال. وما زال أبناء المدينة يربطون بين دعوة العرعور هذه وبين تكثيف الإجراءات الأمنية في مداخل طرطوس التي شهدت إقامة حواجز عسكرية لأول مرة آنذاك منذ بداية الأزمة.

ورغم ذلك بقيت طرطوس آمنة، وقد حضنت خلال الأشهر التي أعقبت تهديدات العرعور عشرات آلاف الوافدين إليها من المناطق السورية الساخنة ولاسيما حمص وحماة، والتفجير الوحيد الذي شهدته هو تفجُّر سكاني تلاه تفجُّر في الأسعار وتكاليف المعيشة.

بعد وصول نار الاشتباكات إلى مدينة حلب واشتدادها بين الجيش السوري من جهة وميليشيات الجيش الحر ومقاتلي جبهة النصرة ومختلف العصابات الطفيليلة الأخرى من جهة ثانية، صدرت عدة تحذيرات من ناشطين وإعلاميين تنبه أهالي طرطوس من مخططات يجري الإعداد لها لزرع الفوضى والموت في مدينتهم وطالما كتب الإعلامي رفيق لطف عن ضرورة أخذ الحيطة والحذر من بعض الوافدين من حلب إلى طرطوس وطالب بتفتيشهم بدقة خوفاً من أن يكونوا أدوات لتنفيذ مخطط استهداف المدينة. لكن المدينة أبقت ذراعيها مفتوحين واستقبلت آلاف العائلات الحلبية الهاربة من جحيم القتال والدمار، وشقت سيارات الوافدين طريقهم من حلب الحمدانية إلى طرطوس العمرية مروراً بالشيخ بدر مسقط رأس المجاهد الشيخ صالح العلي.

وفي آب الماضي طالبت صفحة على الفيسبوك تدعى ” ملايين لنصرة الشيخ عدنان محمد العرعور” بنقل المعركة إلى الساحل السوري لطرد العلويين من مناطقهم، وقالت الصفحة أن “الأمّة الإسلامية تريد نقل المعارك للأحياء والبلدات النصيريّة.. ليقطع دابر الشبّيحة في أوكارهم..”، وأضافت أن الهجوم يجب أن يبدأ من مختلف الجهات السورية (حمص، وحماة، وإدلب) باتجاه سهل الغاب واللاذقية وطرطوس، والهدف المباشر يختصره كلام الصفحة بأنه “لو طردنا النصيريين من كل سوريا ….. فلا نصر لنا إلا بطردهم من كل الساحل”.

كما نشر منتدى الجيش الحر دعوة لكل المقاتلين “في درعا ودمشق وريفها وحمص و حماة وادلب وريف حلب ودير الزور بأن ينطلقوا في خطط مدروسة وتنسيق جيد إلى الشريط الممتد من العريضة وتلكلخ جنوبا إلى حمص وحماة وادلب وريف اللاذقية شمالاً, والتسلل الى طرطوس وبانياس وجبلة واللاذقية .. كي تبدأ حرب المطرقة والسندان ضد هذه الطائفة المجرمة, حرب عصابات (مجموعات – تسلل – إغارة – كمائن – انسحاب ….) ضد القرى النصيرية مفاجئة وسريعة و شاملة تشتت قواهم و لا ترحمهم” بحسب ما ورد في الدعوة.

وفي أوائل شهر تشرين الثاني، نشرت قناة سكاي نيوز تقريراً ميدانياً من مراسلها على الحدود السورية – التركية كشف فيه أن ميليشيات الجيش الحر تتدرب بأسلحة حديثة للهجوم على الساحل السوري.

وقال التقرير إنه “وسط الأشجار الكثيفة في منطقة وادي التركمان المحاذية لمدينة اللاذقية والقريبة من “جبل العلويين” غرب سوريا، يتدرب مقاتلو المعارضة السورية على استخدام أنواع حديثة من الأسلحة في إطار تدريبات محترفة استعدادا لمعركة حاسمة على الساحل السوري الأكثر ولاء لنظام الرئيس بشار الأسد”.

وبحسب هذا التقرير “يتحدث الجميع في هذا المعسكر عن معركة الساحل السوري المقبلة والتي ستكون أشد ضراوة من بقية المناطق السورية الأخرى وفق التوقعات”.

وفي هذا السياق كتب موقع شام لايف بتاريخ 2-12 أن ” فتح جبهة الساحل، وبقوة ،وعبر تخطيط محكم، هو العامل الاهم في تسريع الحسم النهائي، والانهيار التام لما تبقى من النظام”. ورأى الموقع أن فتح جبهة الساحل يضع النظام بين خيارات صعبة ” فتح جبهة الساحل عبر ثوار حماه، وحمص، وريف ادلب، واللاذقية، قد يكون له وقع الصاعقة على النظام وقياداته العسكرية، التي تصبح مخيرة بين: قاعدتها الخلفية، وموئلها في الساحل، وحربها في دمشق، مما يحقق مزيدا من الانهيارا في المعنويات، حيث تصبح الاولوية هي الدفاع عن البيت، ومكان المبيت، وساحته الخلفية”.

ويبدو أن ما سبق ليس مجرد إرهاصات تستثيرها انفعالات مؤقته تفرضها التطورات الميدانية وتداعياتها الدموية، لأن جميع المؤشرات تدل على أن خلف الأكمة شيءٌ ما يجري الإعداد له والتحضير لتنفيذه، وقد تكون الأحداث التي شهدتها حماة مؤخراً البداية الحقيقية أو محاولة الشروع في تنفيذ ذلك المخطط لاستهداف المدن الساحلية، لذلا علينا ألا نستغرب أن ترد العبارة التالية على لسان الخبير الاستراتيجي “صفوت الزيات” في جوابه عن سؤال المذيع له حول تطورات حماة حيث قال أن “معركة الساحل قادمة لمنع تقسيم سوريا” وقد انتشر كلام الزيات كالنار في الهشيم على ضفحات الفيسبوك والتويتر واليوتيوب ومختلف المواقع الالكترونية وتلقفته صفحات الثورة بحماسة كبيرة لا تخلو من الدلالات.

وقد اعتبر المحلل السياسي وفيق السامرائي في مقالة بعنوان “كمين دمشق ومعركة الساحل” أن السلطة أعدت كميناً محكماً لجذب لجيش الحر إلى قتالها في دمشق في محاولةٍ منها لتحييد المنطقة الساحلية، وقال السامرائي: “يبدو أن نشاطات ومناورات وتحركات السلطة أصبحت واضحة أمام الثوار، فيما يتعلق بمرحلة ما بعد معركة دمشق، ومحاولات التحضير المستمر لقبول معركة فاصلة في منطقة الساحل، حيث بدأت السلطة بنقل قوات وتجهيزات وأسلحة، ومن المرجح نقل أسلحة كيماوية أيضا لتكون قوة ردع للمرحلة الحاسمة””. وأضاف أن “إدراك المعارضة لهذه المعطيات قد أسس لوضع خطط للمناورة بقوات وجهد، ووضع خطط لتحريك الوضع في المناطق الساحلية بين اللاذقية وطرطوس، لإرباك قدرة السلطة على إدارة الصراع وتشتيت جهدها العسكري، لتسهيل معركة دمشق الكبرى، فكلما اتسعت جبهات الصراع تعذرت قدرة تأمين السلطة لطرق الإمداد على اتجاهات مختلفة”.

وفي دعوة غريبة من نوعها قالت شبكة الساحل السوري الحر المعارضة بأنه: “بعد معركة تطهير حلب يجب تطهير محافظة طرطوس والابقاء على دمشق محاصره من قبل الجيش الحر”.

وفي تناسق واضح مع تحليل صفوت الزيات السابق، قالت الشبكة بأن “النظام يحضِّر طرطوس لتحقيق الحلم، حلم الشيطان في الجنه، حيث بدأ ببناء مطارين في طرطوس مطار للهيلوكبتر ما بين البريج والسوده قريبه من قاعدة الصواريخ في البريج ومطار اخر حربي في سهل المنطار قريب من الحدود البنانيه الشماليه” بحسب الشبكة.

وانتهت الشبكة إلى القول بأن: “تطهير الساحل يحاصر النظام في دمشق ويسهل القضاء عليه… معركة الساحل وحصار دمشق يجب ان يكون اولوية للجيش الحر”.

كل ما سبق، لا يمكن البناء عليه، لأنه ليس على أرض الواقع ما يشير إلى وجود تحضيرات حقيقية وفعلية من قبل ميليشيات الجيش الحر لتنفيذ هذه التهديدات، فالطرق بين مدن الساحل والمحافظات المحيطة بها آمنة ومسيطر عليها من قبل الجيش السوري وليس هناك أي تواجد لعناصر الجيش الحر وحواجزه هناك، كما أن تطورات الميدان تشير إلى صعوبة وصول ميليشيات الجيش الحر إلى عمق الساحل إن لم يكن ذلك مستحيلاً ففي حماة تلقى الجيش الحر صفعة قوية في مدينة حلفايا التي يمر منها أتوستراد طرطوس دمشق حلب وكذلك في مورك، وفي اللاذقية تقتصر الاشتباكات على الريف المحاذي للحدود التركية بينما ياقي مناطق المدينة والريف تشهد هدوءاً نموذجياً، وفي حمص فإن تقدم الجيش السوري وصل حتى حي دير بعلبة الذي كان يعتبر حصناً من حصون المسلحين حتى وقت قريب.

لذلك من حقنا أن نتساءل: إذاً من أي اتجاه ينوي الجيش الحر تنفيذ تهديداته وإعلان معركة الساحل؟

قد تكشف لنا تطورات الأيام والأسابيع القادمة حقيقة هذه التهديدات ومدى قدرة ميليشيا الجيش الحر على تنفيذها!!!

عبدالله علي | عربي برس

Exit mobile version