Site icon سيريان تلغراف

العميد آدم قبيلي .. بطل أم خائن ؟

رغم أن العديد من المواقع العسكرية في ريف حلب قد تعرضت لهجمات ومحاولات اقتحام وسيطرة من قبل ميليشيات الجيش الحر ومقاتلي جبهة النصرة، إلا أن الهجوم على كلية المشاة والمجزرة الرهيبة التي وقعت جراءه بين صفوف “المجندين” ممن يؤدون خدمة العلم الإلزامية وتضارب الأنباء حول حقيقة ما حصل، أشعر السوريين بالصدمة والذهول وذلك في ظل غياب تام لأي رواية رسمية ووسط تقصير إعلامي مريب وانتشار كثيف للشائعات ومحاولة الكثير من الجهات الاصطياد في الماء العكر.

لا تختلف رواية المعارضة بخصوص كلية المشاة عن سائر رواياتها السابقة حول اقتحام بعض المواقع العسكرية، فهي تتحدث عن قيام لواء التوحيد بقيادة رئيس أركان اللواء العقيد يوسف جادر (الذي لقي مصرعه) بالهجوم على كلية المشاة والنجاح في السيطرة عليها وذلك بعد حصار دام حوالي أسبوعين.

وفي ظل غياب أي رواية رسمية تتحدث عن تفاصيل الهجوم الذي تعرضت له كلية المشاة، فقد سارع الكثير من النشطاء الموالون للنظام السوري إلى تسريب المعلومات التي تمكنوا من الحصول عليها بجهود شخصية أو ربما سربت إليهم قصداً، لمحاولة سد الفراغ الذي تركه غياب الرواية الرسمية.

وتتركز رواية النشطاء على أن سقوط الكلية كان بسبب وجود خيانة من داخلها، والمتهم الرئيسي بهذه الخيانة هو مدير الكلية العميد آدم قبيلي وكبار معاونيه مثل رئيس فرع التدريب العميد عبدالله خلف ورئيس فرع الدورات العميد علي زاهد وضابط أمن الكلية المقدم زين ديوب.

وتجمع معظم المعلومات التي تتداولها صفحات هؤلاء النشطاء على أن مدير الكلية العميد آدم قبيلي كان طوال آخر شهرين يرفع تقارير مطمئنة عن حالة الكلية وأمنها وأمانها إلى القيادة العسكرية، وأنه ساعة الهجوم على الكلية من قبل مسلحي الجيش الحر فرَّ بجلده بصحبة العميد عبدالله خلف رئيس فرع التدريب خارج الكلية، وأنه اتصل مع القيادة طالباً منها قصف الكلية بالطيران موهماً القيادة أن الكلية سقطت وأن جميع المتواجدين فيها هم من الجبش الحر.

الرواية الوحيدة التي تختلف عما سبق هي رواية “حسان عيشة” الذي تحدث عن فرار مدير الكلية قبل عشرة أيام من الهجوم عليها.

وإذا كانت معظم الروايات تتحدث عن خيانة العميد آدم قبيلي مدير الكلية وتحمله مسؤولية سقوط الكلية بيد ميليشيات الجيش الحر، فإن رواية وحيدة مما اطلعنا عليه لا تتهم قبيلي بالخيانة وإنما تعتبره وقع ضحية مكيدة نصبها له مدير فرع التدريب الذي كان على اتصال مع الجيش الحر بحسب الرواية التي سردها مدير شبكة شام الأسد الإخبارية.

وتؤكد معظم صفحات النشطاء الموالين على حقيقة أن العميد آدم قبيلي جرى اعتقاله من قبل الجيش السوري بتهمة الخيانة ومحاولة الانشقاق وهو موقوف في سجن حلب المركزي مع ضباط آخرين أهمهم العميد علي زاهد رئيس فرع الدورات بانتظار نقلهم إلى أحد السجون في العاصمة دمشق.

قد تكون أضعف الروايات تلك التي تحدثت عن هرب مدير الكلية قبل عشرة ايام من الهجوم، أولاً، لأن غياب أي ضابط دون مبرر لمدة عشرة أيام في ظل الظروف التي تمر بها البلاد لا بد وأن يثير حوله شبهة الانشقاق، وهذا يعرفه مدير الكلية جيداً لذلك لن يخاطر بالغياب ولاسيما في فترة الحصار الذي تتعرض له الكلية، وثانياً، كيف يمكن التوفيق بين حصار الكلية وبين تمكن مديرها من الخروج قبل عشرة أيام من الهجوم عليها؟ ويؤكد ذلك أنه لو كان غياب العميد المزعوم بهدف الانشقاق لكنا سمعنا تطبيل وتزمير صفحات المعارضة بهذا الحدث خاصةً وأن بعض الأنباء تحدثت أن لواء التوحيد رصد مبلغ خمسة ملايين ليرة لمن يقبض على العميد قبيلي.

أما الروايات التي تحدثت عن قيام العميد قبيلي برفع تقارير كاذبة عن حالة الكلية فقد تكون صحيحة ولسنا هنا بوارد نفي أو إثبات أن يكون العميد قد رفع مثل هذه التقارير، ولكن هل يعقل أن يكون أي مواطن سوري عادي على علم بحصار كلية المشاة وتجهل القيادة ذلك اعتماداً منها على تقارير كاذبة؟.

ولنفترض جدلاً أن القيادة تبنت تقارير مدير الكلية واعتمدت على صحتها، فكيف يستقيم بعد ذلك أن يقال أن قصف الكلية بالطيران جاء بناء على اتصال مدير الكلية نفسه بالقيادة؟ لاسيما وأننا قلنا أن القيادة صدقت التقارير السابقة المرفوعة من مدير الكلية والتي تتحدث عن أوضاعها المستقرة، فكيف نتخيل أن يكون وقع الاتصال عليها وهو يطالبها فجأةً بقصف الكلية بالطيران لسقوطها بيد المسلحين؟ في هذه الحالة إذا لم يخطر ببال القيادة أن مدير الكلية يتلاعب بها، فعلى الأقل سوف يكون عليها بشكل بديهي أن تشكك بسلامة تقديره للأمور. هذا بغض النظر عن قناعتنا بأن استخدام سلاح الطيران لا يكون بناء على اتصالات هاتفية واقتراح من هذا أو ذاك.

بقيت الرواية التي تتحدث عن أن مدير الكلية وقع ضحية مكيدة دبرها له رئيس فرع التدريب العميد عبدالله خلف، وهذه الرواية مستبعدة لأن العميد عبدالله خلف طالما كان معروفاً بعدم توازنه وكان مثار سخرية الطلاب والضباط ولا يأخذه أحد على محمل الجد، لذلك لا يمكننا تصديق هذه الرواية. ومع ذلك فهناك وقائع محيطة بالعميد عبدالله خلف تمنع مدير الكلية من الوثوق به والاطمئنان إلى مقترحاته الكيدية، ومن هذه الوقائع كما تنقلها تنسيقية ديرجمال أن العميد خلف لديه ابنان الأول سامر ضابط منشق وهو قائد سرية في الجيش الحر والثاني مصعب وقد لقي مصرعه في معركة الطيبة قبل عدة أسابيع.

رغم أننا نشكك بصحة هذه المعلومات ويكفي أن نشاهد أول مقطع فيديو للعميد عبدالله خلف في 13-12 حتى نتأكد أنه لم يكن ثمة تعامل مسبق بينه وبين الجيش الحر أولاً بسبب ارتباكه البادي للعيان ووضوح تصنعه في التفوه بكلام يرضي المتواجدين حوله من مقاتلي الجيش الحر، إضافة إلى أن مقطع الفيديو يدحض صحة المعلومات التي تحدثت عنها تنسيقية ديرجمال لأنها لو كانت صحيحة لكان من المفترض أن تكون الإشارة إلى ولديه أول ما يخرج من لسان العميد خلف وخاصة أن السؤال الوحيد الذي طرح عليه في الفيديو هو عن شعوره الحقيقي في هذه اللحظة، فلم يكن العميد خلف بحاجة إلى اختراع خطاب ممجوج بينما لديه وقائع تتعلق بولديه يمكنها أن تشكل حبل النجاة السريع له.

وبالعودة إلى العميد آدم قبيلي، مما يثير الاستغراب أنه رغم انتشار الشائعات عن خيانته إلا أنه لم يصدر أي تصريح عن أي مصدر رسمي أو عسكري ينفي ذلك، وهو ما جعل الكثيرين يعتقدون بصحة خيانته واعتبروها أمراً مثبتاً ولم تعد تحتاج إلى دليل.

ولذلك قد يتفاجأ الكثيرون بالرواية التي حصلنا عليها من مصادر معارضة وهي أن العقيد يوسف جادر قائد الهجوم على كلية المشاة أعطى مهلة لمن يريد الانشقاق قبل اقتحام الكلية، وأن مدير الكلية العميد آدم قد حاول الفرار مع بعض العناصر باتجاه السجن المركزي للتحصن به، وتذكر الرواية أن المجموعة التي كانت تصحب العميد آدم قبيلي قد تواجهت مع العقيد يوسف جادر ورفاقه بالقرب من مركز التدريب الجامعي، وأن العقيد جادر سقط قتيلا في المواجهات التي حصلت هناك.

هذه الرواية كما هو واضح تنسف جميع الروايات التي تحدثت عن خيانة العميد آدم قبيلي ورفعه تقارير كاذبة لتسهيل دخول المسلحين إلى الكلية، كما أن هذه الرواية تجعل من العميد قبيلي في حال صحتها بطلاً تمكن من قتل قائد الهجوم على كليته أي العقيد المنشق يوسف جادر المعروف بأبي فرات وهو رئيس أركان لواء التوحيد والمشرف على ما يسمى معركة الخنادق!!!. ومما يعزز من صحة هذه المعلومات أن العميد آدم قبيلي قد ورد اسمه بين المطلوبين للجيش الحر بتهمة تصفية جنود حاولوا الانشقاق وقمع مظاهرات في مدينة حلب وريفها وقد نشر موقع الجيش الحر أرقام هواتفه ووصفه بالشبيح مع تهديدات بالقضاء عليه مع عدد آخر من الضباط.

وهذا يعيدنا إلى السؤال الذي بدأنا به: هل العميد آدم قبيلي خائن أم بطل؟ يبدو أن كلتا الروايتين تجد ما يدعمها ويؤكد صحتها، ولكن شتان بين الاستسلام لهاتين الروايتين وبين البحث عن الحقيقة …

فهل نتوقع أن يخرج علينا مصدر رسمي يضع الأمور في نصابها ويوضح لنا حقيقة ما حصل في كلية المشاة ؟

سيريان تلغراف | عربي برس

Exit mobile version