لا تستطيع وأنت تراقب المشهد السوري إلا أن تقف طويلاً عند مفارقة غريبة أفرزها تفاعل الحدث السوري على الساحة الإقليمية والدولية. ففي الوقت الذي أعلنت فيه معظم الدول الغربية اعترافها بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة كممثل شرعي للشعب السوري، فإن نفس هذه الدول وبطريقة غير مباشرة حرصت بشكل متزامن على ما يمكن تسميته بـ “الاعتراف السلبي” بجبهة النصرة حيث كثرت في الآونة الأخيرة تصريحات المسؤولين الغربيين التي تتحدث عن الجبهة كأقوى فصيل مسلح في سورية، وما قيام الولايات المتحدة بوضع جبهة النصرة على لائحة التنظيمات الإرهابية إلا ذروة هذا الاعتراف السلبي الذي يقابل الاعتراف بائتلاف المعارضة.
فما هي دلالة هذه المفارقة ؟ ولماذا تضفي الدول الغربية على الائتلاف صفة التمثيل الشرعي للشعب السوري بينما تعترف في نفس الوقت أن القوة والسيطرة العسكرية تتمتع بها جبهة النصرة وليس الجيش الحر الذي ينسق مع الائتلاف ؟
وكي تكتمل المفارقة وتبلغ أقصى مدى لها، كان لا بدَّ أن يخرج علينا الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف المعارض مدافعاً عن جبهة النصرة ورافضاً وضعها على لائحة الإرهاب، فهل هذا الدفاع هو موقف حقيقي ويعبر عن قناعة صادقة أم فرضته وقائع الأرض التي تتحدث عن سيطرة جبهة النصرة وقوتها مما اضطر الخطيب إلى طلب ود الجبهة ومحاولة التقرب منها عبر هذا الموقف المفاجئ والذي يناقض كل أدبيات المعارضة التي كانت حتى وقت قريب تعتبر جبهة النصرة تنظيماً عميلاً للنظام السوري.
لقد اهتم بعض الباحثين القريبين من تنظيم القاعدة، الذي تتبع له جبهة النصرة، بهذا الموضوع وحاولوا قراءته على ضوء التطورات الكثيرة التي يحفل بها المشهد السوري.
حيث رأى أبو الحارث المقدسي في دراسة طويلة جاءت تحت عنوان “قراءة حول ما يدور من أحداث في المنطقة” وهي منشورة في معظم المواقع القريبة من تنظيم القاعدة، أن قيام معاذ الخطيب رئيس الائتلاف “المصطنع” كما وصفه، بالدفاع عن جبهة النصرة ما هو إلا “حيلة” لن تنطلي على “المجاهدين” كما قال.
وأضاف المقدسي أن معاذ الخطيب لا يستطيع أن يعبر عن رأيه الحقيقي حيال هذا الموضوع لسببين: الأول أن النظام لم يسقط وبالتالي لا يريد معاذ الخطيب أن يفتح الحرب على نفسه وائتلافه من قبل جبهة النصرة وبقية المجاهدين. والثاني أن الخطيب يريد أن يكون موقفه هذا مدخلاً له ولإئتلافه إلى سورية، فكيف له أن يدخل وهو يدعم الموقف الأميركي؟ يجيب المقدسي: هو يريد وضع قدمه أولاً في الداخل ومن ثم ترتيب أوراقه مع مؤيديه ومن ثم استدعاء الغرب بشكل رسمي كونه الممثل الوحيد للشعب باعتراف دولي لقتال المجاهدين بحجة محاربة الإرهاب، عندها سيأتي الغرب بعدته وعتاده كمخلص للشعب من الإرهاب بطلب رسمي حكومي، ويتابع المقدسي قائلاً: “فالحذر الحذر من كرزاي الخطيب يا إخوة العقيدة ورفقة السلاح”.
ولكن لماذا اعترف الغرب بالائتلاف المعارض ؟
يجيب المقدسي بالقول أن: “اختراع هذا الائتلاف جرى ليكون بمثابة مدخل للصليبيين الجدد إلى بلاد الشام، فاعترافهم به كممثل وحيد للشعب السوري يعني أن هذا الاختراع سيقوم بعد سقوط النظام بدور الصحوة على غرار صحوات العراق وسيعمل على دعوة الغرب للدخول إلى سورية لمحاربة التطرف”. ويضيف المقدسي ” وبالتالي فإن إضفاء الشرعية على هذا الائتلاف سيكون مقابله دخول الصليبيين إلى شام الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوى من مجلس الكرزايات الجديد”.
ويقول المقدسي حول نفس الفكرة: من يراقب تصريحات مسؤولي الغرب، يلحظ التحضير الواضح لدخول سورية تحت أي حجة كانت بعد سقوط النظام، سواءً ببعبع الإرهاب أو السلاح الكيماوي وإلى ما هنالك من ترهات وذرائع قد يخرجون بها علينا” بحسب قوله، ويستطرد للقول أن” أميركا لن تدعم الثورة السورية بالسلاح لكي لا يستخدم ضدها إن تدخلت مباشرة في الشأن السوري بعد سقوط الطاغية أو ضد حلفائها الكرزايات إن لم تتدخل، ولن تدعم الثورة بالسلاح لأن من مصلحتها إطالة عمر النظام أكثر عله يخلصها من أكبر قدر ممكن من المجاهدين”.
عبدالله علي | عربي برس