Site icon سيريان تلغراف

عن مسارات الأزمة السورية .. وبعيداً عن المورفين .. بقلم نمير سعد

توجه إلي أحد القراء في معرض تعليقه على ما كتبت منذ أيام عن الأزمة السورية ومساراتها المحتملة بسؤال تلقائي ومباشر طالبني من خلاله أن أكون واضحاً ودقيقاً وبعيداً عما سماه إبر المورفين التخديرية التي يستعملها بعض الكتاب و التي تتخذ أشكالاً عديدة ليس أقلها الوعد بالنصر القادم والتبشير بأعراسه والتأكيد على حتميته ، وأحياناً تحديد فترات زمنية لحلوله وميعاده . أقول بدايةً انني ومنذ أكثر من عام توقعت في إحدى مقالاتي أن أكثر الإحتمالات حظاً فيما خص مسار الأزمة السورية هي حالة المراوحة في المكان مع ما تحمله في جنباتها من إزدياد الوضع سوءًا وتعقيداً وتأزماً بحكم أن عامل الزمن ليس في صالح الوطن ومقدرات الوطن وجيش الوطن سيما في ظل الحصار الغير مسبوق عالمياً على سوريا إقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً ، أذكر أيضاً انني كتبت آنذاك انني وببالغ الأسف والحزن والأسى ادعي انني شاهدت قطار ربيع الوغد يتخذ من العاصمة دمشق وجهةً له قبل وصوله بفترة غير قصيرة ،، سيما بعد بدء شرارة محركاته القذرة من العاصمة تونس و توضحت لي ملامح طاقمه من أصحاب القلنسوات وخدمهم ممن غطت العباءات أجسادهم النتنة ولفت “الغترات والعقالات ” رؤوسهم الفارغة ، وركابه من القطعان الثورية التي تعمل أعضاء أجسادها جميعاً عدا العقول ،، تلك التي إستأجرها طاقم القطار بموجب عقودٍ غير محددة الأجل.

تعليق القارئ على ما كتبت كان مغلفاً بعبارات المرارة والضبابية في قراءة مفردات المشهد السوري وتوقع تفاصيل حلقاته الأخيرة وخواتمه ،، سائلاً بشكل مباشر ،،أي الإحتمالات أوفر حظاً حسب اعتقادي . وأنا اليوم إذ أحاول أن أجيب هذا السائل كما غيره عما يتنازع فكره من تساؤلات مصيرية أبدأ أنا الآخر أولاً بتوجيه تساؤل مشروع فأقول : هل يستطيع أحدنا أن ينسلخ عن جلده أو ” ينشق عن ذاته ” أو أن يصم أذنيه عن صرخات الحقيقة التي تضج بها أروقة دماغه ، أن يغلق عينيه رافضاً رؤية تفاصيل المشهد الذي ترانه ليغوص ومعه دماغه وأذنيه وعينيه في عالم يحلو للبعض أن يسميه ” إفتراضي ” يبنيه على ما يرتجي قلبه وتشتهي نفسه وتتطلع إليه روحه ، مشفوعاً بما يقرأه من مفردات الواقع والقادم من ايامه بناءً على آخر التطورات الميدانية فيشكل لوحة تفاصيلها واقعٌ يختلف في نظر البعض عن ” الواقع ” قليلاً أو كثيراً ،، ألوانها أزهى وأبهى وأنقى من لوحة الواقع التي رسمها ابطال ربيع الوغد وشخوص فيلمه الهيتشكوكي والتي يتزاوج فيها لونان لا ثالث لهما ،، سواد الحداد والحزن والدخان وما يسبقه من الأحمر القاني لنزف جراح الأجساد والأرواح.

أقول أيضاً ، إن كان الهدف نبيل والمصلحة عليا والنية صادقة ،فله ” أي لمن يكتب ” أن يفعل ومسوغات وموجبات ومبررات فعله هي أكثر من أخلاقية وتستحق الإحترام والتقدير لأنه حينئذٍ يعلن نفسه متطوعاً في حرب الدفاع عن المبادئ والمثل والقيم والمقدسات من خلال حرب الدفاع عن الوطن ، وهو حين يشهر قلمه أو ريشته سلاحاً ومخزون عقله ذخيرةً لا تنضب ، يمد يديه لمن نال منه الإعياء والتعب والوهن ليعينه على الوقوف من جديد بثبات وتحدٍ ،، متطوعاً في معركة الوطن ، ويبلسم الجراحات التي اصابت نفوس البعض ويحارب الأفاعي والعقارب التي تنفث سموم اليأس والإحباط في أرواح الآخرين . إنه من هذا المنطلق لا يجافي الحقيقة ولا يخدع أحداً و لا يهزأ من عقول الآخرين ولا هو يعطيهم حقناً من المورفين أو غيره من المهدئات … . يجب على من لا يعلم بعد أو لا يريد له الآخرون أن يعلم ،، أن يفتح عينيه وأذنيه جيداً وقبل هذا وذاك أن يبقي نوافذ عقله مشرعةً تجاه حقيقة بسيطة تقول .. أن الجزء الأكثر ذكاءً وخبثاً ودهاءً وفعالية وأهمية وتأثيراً في هذه الحرب الكونية على الوطن السوري هو جانبها الإعلامي والدعائي الذي يعزف على وتر الحالة النفسية للمواطن في الشارع كما للجندي في ساحات القتال ، والتاريخ علمنا واعطانا من الدروس الكثير عن أثر الحرب النفسية على نتائج أية معركة أو مواجهة عسكرية ، ولهذا أقول أيضاً أن الفخر كل الفخر لمن يتطوع جندياً في ساحات معركة الإعلام ويجند قلمه وعقله في وجه المئات من أوكار الدعارة الإعلامية الصهيوأعرابية وازلامها ومفكريها وعباقرتها ومنظريها ومعدي برامجها ومقدميها وضيوفها من ” المحللين السياسيين ” المشترين في سوق نخاسة الكلمة ، و كذا مئات الصحف اليهودية الإنتماء الأعرابية اللغة والتمويل التي تدفع لأجرائها من الكتبة المرتزقة ممن يبيع الكلمة والموقف والهوية والكرامة بحفنة من الدولارات أو الريالات أو الدنانير ،، أو بأحلامٍ وردية تتراقص فيها بعضٌ من الكراسي لمواقع مستقبلية مختلفة.

سأختصر وأقول إن كان علي أن احدد ما أؤمن به بخصوص مسار الأزمة السورية توجب علي أن أقوم بذلك من خلال تحديد موقفي من الإحتمالات التالية التي يسعى كل طرف إلى ترجيحه احدها وتغليبه على باقي الإحتمالات :

أولاً – إنهيار الدولة السورية جيشاً ومؤسسات وإنتشار حالة الفوضى بشكل لم تعرفه المنطقة من قبل قط لا في ليبيا ولا في العراق بشكلٍ تزداد فيه فرص توقعات من يعزفون على وتر الحرب الأهلية الطائفية : ردة الفعل التلقائية على هكذا توقعات هي الرفض المطلق لجزئها الأول لأسبابٍ سبق لي أن شرحتها في مقالاتٍ سابقة وهي تنحصر بإختصار في تركيبة الجيش السوري المبهمة ” على ما يبدو ” لكثير من مروجي هكذا سيناريو هذه التركيبة العقائدية بإمتياز والتي يعرفها تماماً من كان قريباً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من المؤسسة العسكرية السورية ، يضاف إلى عوامل ونقاط الإستناد في رفض هذا السيناريو القوة الهائلة ” الغير معروفة الحدود ” التي لا زال هذا الجيش يمتلكها ويتحكم بها بإعتراف الأعداء قبل الحلفاء ، ويضاف إليها أيضاً ذاك الزخم الشعبي الهائل و الدعم بلا حدود الذي لا زال الجيش يحظى به من أغلبية أبناء الوطن ، وأما عن الجزء الثاني من هذا الإحتمال المتعلق بحالة الفوضى والحرب الأهلية الطائفية فهو وارد ومنطقي بكل تأكيد لو صحت التوقعات فيما يخص جزئه الأول ،،، الغير وارد في المدى المنظور على الإطلاق.

ثانياً – الحرب الشاملة على سوريا ناتوياً : هنا أعود بشكل مقتضب للقول والتأكيد أن حرباً كلاسيكية شاملة على الوطن هو أمرٌ جد مستبعد لأسبابٍ عديدة ليس أقلها عدم قدرة الغرب والشرق على تحمل الإستنزاف المادي لهكذا حرب ” مجهولة التكاليف ” ولا قدرته على المغامرة بتداعياتها المحتملة ” المجهولة الإمتداد ” ، وما حاجة الغرب للحسم والحرب تشن على سوريا منذ نحو عامين بأيادٍ أعرابية وإسلامية ، ويسبق هذا وذاك ما بات مؤكداً بشكلٍ مطلق من أن روسيا ومعها الصين وإيران لن تسمح بتغيير المعادلة ونقل سوريا المستقبل إلى الضفة الغربية الأعرابية الإخونجية ، مع ما يمثله ذلك من تهديد حقيقي للأمن القومي الروسي والإيراني كما للمصالح الإقتصادية والجيوسياسية لهذه البلدان مجتمعة ، ومهما ذهبت التصريحات والتهديدات والإجراءات الميدانية بعيداً ” كنشر بطاريات صواريخ الباتريورت على الحدود السورية ” فهي لن تعدو كونها أوراق ضغط وإبتزاز يراد منها تحسين شروط التفاوض اليوم أو غداً أو بعد غد . بإختصار شديد فإن حرباً ناتوية على سوريا قد تكون الحرب الأغلى والأكثر تكلفة مادياً وبشرياً وإقتصادياً في تاريخ حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وهذه معلومة يدركها من أمضى حياته في المؤسسة العسكرية من جنرالات الغرب والشرق ويفهمها جيداً من يعمل في أروقة السياسة أو يغرق ذهنه في مستنقعاتها ، لذلك أقول دعونا نبتعد عن التخبط في التفكير واعمال العقل واشغاله في الإحتمالات والسيناريوهات الغير واردة أو شبه المستحيلة ولنثبت أقدامنا على أرض الواقع نقرأ مفرداته التي تترجمها تفاصيل الأحداث والتطورات اليومية على الأرض السورية كما خارجها ، سيما نتائج المواجهات العسكرية وتمكن الجيش السوري من افشال وصد الهجمات المتتالية والمحاولات المتعاقبة للعصابات الإرهابية المسلحة لإحكام سيطرتها على منطقة محددة لفترة طويلة ، و هزائمها المتلاحقة التي باتت علامة فارقة ومسجلة في تاريخها الجهادي الإرهابي.

ثالثاً – حسم المعركة من قبل الجيش السوري بشكل سريع وصاعق ونهائي والقضاء على عصابات الإرهاب إلى غير رجعة : يتحتم علي هنا أن أكون واقعياً أكثر من أي وقتٍ مضى و لا ضير إن عدت أولاً مرةً أخرى إلى مفرداتي التي كتبتها واعدتها في أكثر من مقال على مدى نحو عامين لأردد اليوم أن المعركة قد تطول لأسبابٍ تتعلق بطبيعة العدو والخصم وبطبيعة الأهداف ،، فنحن اليوم نقرأ يومياً سطوراً جديدة من النسخةً الجديدة لكتاب باتريك سيل ” الصراع على سوريا ” لكنها نسخة قذرة تفوح منها روائح النفط و الغاز ويقطع رؤوس مفرداتها الغزاة الجدد ” للفتح الإسلامي بحلته الوهابية القواعدية ” ، وما يسند ويدعم فكرة طول عمر الحرب وبالتالي الأزمة هو حتمية إستمرار تدفق الدعم المالي والعسكري و شلالات القطعان الجهادية من شتى أصقاع الأرض للنيل من سوريا أسداً وشعباً وجيشاً ومقدرات ، إضافةً إلى أن معظم الأدوات أعرابية وكلها تقريباً ،، إخونجية ووهابية ويعرف من يعرف أولئك وهؤلاء أن شخصنة الخلاف مع الرئيس الأسد كان عاملاً مهماً في حمى تكالبهم على الوطن السوري ، يضاف إلى هذا أنهم قوم لا كباقي أقوام الأرض فالنذالة منبتهم والحقد ديدنهم والبغض عقيدتهم والعمالة دربهم والخيانة طبعهم و العهر مسلكهم ، وأخيراً ،، داحس والغبراء كما البسوس في الحروب ،،، مثلهم ومجدهم وفخرهم وعزهم وقدوتهم . لكن ما يؤسس في المقابل لأفكارٍ تقول أن الحسم قد يكون قريب هو ذاك الصمود الأسطوري دون أية مبالغة لذلك الجيش الجبار ، الصمود الذي أبهر ولا زال ،، الكون بأسره وتحقيق بواسل ذلك الجيش لما لم يعرف له تاريخ المنطقة مثيلاً من البطولات.

رابعاً – قرب إنفراج الأزمة عبر تفاهمات إقليمية ودولية : هنالك اليوم ما يكفي من المؤشرات التي تشي بفرصة تسوية للأزمة السورية تنهي الصراع عبر تنازلات تقدمها كل الأطراف الرابح الأكبر فيها ومن خلالها هو الوطن السوري شعباً و قيادةً وجيشاً وإقتصاداً و تاريخاً وحضارة . يعتقد كثيرون في هذا الخصوص وأنا احدهم أن أقل ما يمكن أن يقال عن مقابلة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وبغض النظر عن مستوى التنسيق مع الرئاسة قبل الخوض فيها أنها لم تأت وليدة الصدفة المحضة ولا كان توقيتها بعيداً عن خيوط أخرى تتشابك معها وتتلاقى وتشترك في تشكيل لوحة عنوانها محاولة الوصول إلى “” “تسوية تاريخية ” إن تجاوبت معها القيادة السورية وقدمت بعض التنازلات فهي لا ولن تقوم بذلك من منطلق الضعف وانما إنقاذاً للوطن من جحيم ما بعد الجحيم ومن باب إعطاء الحل السلمي المبني على الحوار فرصة أخيرة قبل الخوض فيها وبدئها بشكل حاسم ،،،” معركة الحسم وقصم الظهور “،، فيما لو رفضتها أطراف المعارضة التي ستقبل القيادة السورية الجلوس إلى طاولة الحوار معها ، ولن تكون في مطلق الأحوال تنازلات عن الثوابت والمبادئ الأساسية التي حوربت سوريا كي تتخلى عنها ، ولن تكون أخيراً على حساب تضحيات شعب الوطن وجيش الوطن وأرواح ودماء من إستشهدوا في سبيل الوطن وعزته وكرامته . أعتقد أيضاً أن تولي جون كيري لوزارة الخارجية الأمريكية في الإدارة الجديدة لأوباما قد يكون مؤشراً إيجابياً على أن هكذا تفاهمات وتسويات قد تجد لها طريقاً على أرض الواقع ، كيري المعروف بعلاقته الجيدة بالرئيس الأسد في فترة ما قبل الأحداث ونظرته الإيجابية له كرئيسٍ عربي إصلاحي يختلف كل الإختلاف عن الأمعات الأعرابية العفنة ، هل لنا أن ننتظر منه جديد فيما يتعلق بطريقة تعاطيه مع الملف السوري أم أن السياسة العامة للولايات المتحدة ستكمل في نفس ألإتجاه والنهج والطريق ، هذا ما ستنبئنا عنه قادمات الاسابيع والأشهر دون أدنى شك.

كان هناك أيضاً الرسائل المتتالية التي صدرت عن الحلف الداعم بقوة للقيادة السورية بأن لا تغيير ولا تبديل في تموضع وكينونة وطبيعة ومواقف وثوابت هذا الحلف تجاه التعامل مع الأزمة السورية بعد أن بات واضحاً أن استهداف سوريا هو استهداف للأمن القومي لتلك الدول وخسارة المعركة في سورية يعني إنتقالها لاحقاً إلى حدود وجبهات دول ذلك الحلف ، وإذا لاحظنا وصول أعضاء الحلف التآمري إلى حالة من اليأس من تحقيق أية انجازات على الأرض عبر مجاهديهم في سوريا سيما بعد أن بات خبراً يومياً إنسحاباتهم التكتيكية وسقوط العشرات والمئات منهم بين قتيل ومعتقل ، يكون هذا عامل يضاف إلى تلك المؤشرات لتدفع المرء للتفكير بشكل إيجابي وملاحظة تباشير تسوية تكسر قواعد العته التي تقول أن لا تسويات ولا اتفاقات بوجود الأسد وتجبر اصحابها على التراجع عنها مرغمين صاغرين و تبقى فيها الأسود شامخة الرأس ومرابضة في عرينها وترسخ في تاريخ سوريا والمنطقة والعالم تجربة جيشٍ حارب على كل الجبهات و سقى التراب السوري بدماء ابطاله وإنتصر ، لكنها أيضاً تحقن الدماء وتجنب الوطن وابناؤه مزيداً من النزف وتوقف محركات قطار الموت الذي أتانا متنكراً بأزهار الحرية وورود الديمقراطية.

للسوريين الذين تسكنهم سوريا أقول : آمنوا بالأرض التي تنتمون إليها وتذكروا أن الأرض يحميها إثنان رب الأرض وجند الرب ، وما ابطال الجيش السوري سوى جندٌ مرسلون ، .. أجل ،، إن كان لله هذه الأيام من كلمة واضحة على هذه الأرض المباركة فهي تلك الشيفرة اللامتناهية التعقيد والمغرقة في السرية .. التي يلتقطها بواسل جيشنا ،، جنود الله على الأرض السورية .. فيدوسون أعداء الله بنعالهم الطاهرة ويقلدونهم وسام على شكل قبلة من حذاءٍ عسكري لجبين كل منهم ، قبلة لا حياة لهم بعدها ولا قيامة …. . العزة لسوريا والمجد والفخار لأبطال جيشها الأبي.

نمير سعد | الخبر برس

Exit mobile version