” أنصار الشريعة” اسم تردد كثيرا في الآونة الأخيرة و خاصة بعد موجة التغيرات السياسية التي اجتاحت الوطن العربي منذ 17 كانون الثاني 2010 وحتى الآن كتعبير تنظيمي لأتباع التيار السلفي الجهادي في أول ظهور علني لهذا التيار بعد سنوات من العمل السياسي- المسلح السري في البلدان العربية، مستفيدا من هامش الحرية العريض الذي وفرته التغيرات الطارئة حتى وصل الأمر به إلى المجاهرة بأفكاره الراديكالية المعادية للدولة بمفهومها الحديث والمنادية بالتغير الجذري للنموذج المجتمعي في البلدان التي ظهر فيها .
من صنعاء إلى بنغازي، ومن القاهرة إلى الدار البيضاء، تبنّت الجماعات الجهادية الجديدة نفس الاسم في الأشهر الأخيرة. هل كل ذلك مجرد صدفة؟ سؤال إنكاري تبادر إلى ذهن هارون ي. زيلين الباحث في معهد واشنطن ’ سؤال يطرح الكثير من الريبة و يفتح أفق التأويل’ هل كل ذلك مجرد صدفة؟
يحاول زيلين الإجابة عن سؤاله مؤكدا أن “اتجاها جديد يكتسح عالم الجهادية. فبدلاً من تبني أسماء متفردة، تفضل الجماعات على نحو متزايد أن تسمي نفسها “أنصار”. وفي العديد من الحالات تسمي نفسها “أنصار الشريعة” الإسلامية حيث تؤكد بذلك رغبتها في إقامة دول إسلامية. غير أنه برغم حقيقة أن تلك المجموعات تتشارك في الاسم والأيديولوجية إلا أنها تفتقر إلى هيكل قيادة موحد أو حتى قائد واحد مثل القيادة المركزية لـ تنظيم «القاعدة» (أو ما تبقى منه) والذي يُعتقد أن مقره في باكستان. وتحارب هذه التنظيمات في أراضي مختلفة باستخدامها وسائل متنوعة لكنها جميعاً تتحِد في الغاية، وهو النهج الذي يتناسب أكثر مع التقلبات التي تولدت عن الانتفاضات العربية.”
و أكد “زيلين “أن “أحد أبرز المنظرين الجهاديين العالميين وهو الشيخ أبو المنذر الشنقيطي قد وضع ختم موافقته على الموجة الجديدة لجماعات “أنصار الشريعة”.وكان الشنقيطي ذو الأصل الموريتاني قد نشر مقالة في منتصف جوان بعنوان “نحن أنصار الشريعة” داعياً فيها المسلمين إلى إقامة جماعاتهم الدعوية المسماة بـ “أنصار الشريعة” كلٌ في دولته ثم الاتحاد في كتلة واحدة”. ويضيف زيلين إلى “أن معظم جماعات “أنصار الشريعة” قد تم إنشاؤها بالفعل مسبقاً، وأبرز هذه التنظيمات تلك التي في اليمن وتونس وليبيا إلى جانب النسخ الأحدث في مصر والمغرب على مدى أقل.”
أنصار الشريعة في تونس
كان أول ظهور عملي لهذا التيار بعد الثورة في شهر ماي 2011 في ملتقي أنصار الشريعة الذي ضم اغلب الطيف الجهادي التونسي و الذي انتظم تحت شعار اسمعوا منا و لا تسمعوا عنا و أعقبه ندوة صحفية بجهة وادي الليل بحضور القيادات الجهادية الكريزماتية كسيف الله بن حسين(أبو عياض) ( مؤسس تجمع الجهاديين التونسيين في جلال أباد سنة 2000)تلميذ أبو قتادة الفلسطيني السجين حاليا في بريطانيا بتهمة تهديد الأمن القومي و أبو أيوب التونسي احد القيادات الشابة إلى جانب القيادة الشرعية ممثلتا في الشيخ الخطيب الإدريسي السجين السابق على خلفية أحداث الضاحية الجنوبية و قد رفض أصحاب الملتقي التقدم بطلب تأشيرة العمل القانوني معتبرين أنهم لن يطلبوا التأشيرة إلا من الله .
وقد شارك “أنصار الشريعة في تونس” في العديد من التحركات “العنيفة” بما في ذلك “يوم الغضب” الذي جاء عقب قرار قناة نسمة بث فيلم “برسيبوليس”، كما هاجموا مبنى السفارة الأمريكية و المدرسة الأمريكية في منطقة البحيرة احتجاجا على بث فيلم مسئ للإسلام و أدى هذا الهجوم إلى خسائر مادية و بشرية كبيرة . وقد قدم “أنصار الشريعة في تونس” أيضاً خدمات في العديد من المدن التونسية من المياه إلى الملابس إلى هدايا خاصة في شهر رمضان أثناء فترات انقطاع مياه الشرب التي اجتاحت البلاد.
و قد شابة في الآونة الأخيرة حالات التوتر العلاقة بين أنصار الشريعة و من خلفهم الطيف السلفي الجهادي الواسع و حركة النهضة الحاكمة ذات التوجهات الاخوانية فعلى خلاف ما تعيشه الظاهرة السلفية الجهادية في مصر من هجرة نحو العمل السياسي المنظم و التي حصدت نتائج كبيرة جعلت منها حليفا مركزيا مع الإخوان في السيطرة على مجلس الشعب فأنصار الشريعة في تونس لم يغير ” الربيع العربي ” الكثير في قناعاتهم في رفض المشاركة السياسية بشكل مباشر، بمعنى الانخراط في العمل السياسي والانتماء الحزبي والتسجيل في الانتخابات، فالحالة التونسية بطرحها الراديكالي ـ من دون لف أو دوران ـ وإصرارها على تطبيق الشريعة قد وضعت قيادات النهضة في حرج مع قواعدهم، وما كانوا ينادون به من شعارات قبل الوصول إلى سدّة الحكم. و كانت أحداث السفارة هي الكفيلة بإيقاع السلفيين و الإخوان ( النهضة ) على حد السواء في المحظور التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فكان المصير على شاكلة الذي “لا ظهرا أبقى، ولا طريقا قطع”.
فالنهضة لم تستطع تحمل ضغط ما يمكن أن يتصوّر من مزايدة أيديولوجية من قبل السلفيين “على خياراتها”، وتلك المزايدة الأيديولوجية لا شكّ توجهت منذ اللحظة الأولى إلى قطاع كبير من الجمهور تحسب له النهضة ألف حساب و هذا ما لوحظ على شبكات التواصل الاجتماعي، فالصفحات التي كانت تدين بالولاء للنهضة انبرت شتما و سبا فيها. وهنا ستستفحل المعضلة مابين خوف النهضة من المزايدة الأيديولوجية التي يمكن أن تفقدها قطاعات من الجماهير قد تعوّل عليها في استحقاقات قادمة، ومن بين مخاوفهم من إجراء تحالف مع السلفيين يضع قيودا في الفضاء العام ويرسم دوائر عزلة، حتى يصل الحدّ بإصدار قرار باعتقال زعيم أنصار الشريعة أبو عياض”.
أنصار الشريعة في ليبيا
“نريد تطبيق شرع الله”ذلك ما صرح به محمد علي الزهاوي قائد كتيبة أنصار الشريعة، كبرى الكتائب الإسلامية المسلحة في ليبيا لتلفزيون ” بي بي سي”و كانت جماعة أنصار الشريعة في بنغازي قد أعلنت عن نفسها للمرة الأولى في شهر فيفري 2012 وقد نظمت الجماعة أول مؤتمر سنوي لها في شهر جوان و قد حضره ما يقرب من ألف شخص من بينهم عدد من الميليشيات الأصغر .
هذا و اتهمت الجماعة بالهجوم على القنصلية الأمريكية ببنغازي في شهر سبتمبر الماضي التي أدى إلى مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين و أعلن آنذاك تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية في بيان أن الهجوم جاء انتقاما لمقتل الشيخ أبو يحيى الليبي أحد قادتها في غارة جوية بطائرة بدون طيار في جوان2012. إلا أن الجماعة قد نفت ذلك و قالت على لسان المتحدث باسمها هاني المنصوري ” الجماعة لم تشارك في الهجوم الذي استهدف مقر القنصلية الأميركية في خضم الاحتجاجات على فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة.””وأضاف المنصوري أن ما حدث في بنغازي هو خروج لمظاهرة سلمية أمام القنصلية الأميركية، التي فتحت أبوابها منذ أكثر من عام، غير أن إطلاق النار من داخل القنصلية أدى إلى تفاقم الوضع وجعله يأخذ منحى آخر.”
و في ذات السياق قالت شرطة مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) تركز في تحقيقاتها في ليبيا على دور أنصار الشريعة في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي وأن الخارجية الأميركية في انتظار وثائق مؤكدة عن دور أنصار الشريعة، تمهيدا لوضعها في قائمة الإرهاب الأميركية.
في الوقت نفسه، قالت مصادر أمريكية إن الخارجية الأميركية أبلغت ليبيا استعدادها للمساعدة في نزع سلاح الميليشيات التي تراها تهدد الديمقراطية الوليدة في ليبيا. ودون وضع اعتبار إذا كانت الميليشيات مع أو ضد الحكومة الليبية، تركز واشنطن على أهمية تأسيس شرطة أمنية قوية تسيطر على الأمن في كل البلاد.و أضافت ذات المصادران للولايات المتحدة خبرات كثيرة في هذا المجال، خاصة في نزع سلاح المنظمات الموالية للرئيس العراقي صدام حسين بعد غزو العراق. وإن شرطة عسكرية تابعة للقوات الأميركية المسلحة يمكن أن تساعد الليبيين في هذا المجال.
و نقلا عن مصادر ليبية مطلعة فقد تم ترحيل العديد من منتسبي “كتيبة أنصار الشريعة” المتواجدين في ليبيا والمتورطين في قضية الهجوم الذي استهدف القنصلية الأمريكية في بنغازي إلى مصر وتركيا تمهيداً لالتحاقهم بالجماعات المسلحة والمشاركة في القتال في سوريا .و حسب ذات المصادر فان عمليات ترحيل “أنصار الشريعة” نحو سوريا تأتي لتفادي حملة توقيف قد تطالهم بعد وصول فرق من رجال المارينز الأمريكيين، إلى الأراضي الليبية لمشاركة الحكومة الليبية في ملاحقة المتسببين في الحادثة، التي جاءت انتقاما من الفيلم المسيء للإسلام.و يبدوا أن السبب الحقيقي لترحيلهم إلى سوريا و حسب تصريحات قيادي اخواني رفيع المستوى يأتي تنفيذا لخطة التفاهم المشترك بين تونس و مصر و ليبيا للتخلص من السلفيين خاصة و أن اغلب الذين التحقوا بجبهة القتال في سورية كانوا صيدا سهلا للقوات المسلحة السورية العالية التدريب و التسليح .
و كانت الجماعة قد اتهمت بالهجوم على القنصلية التونسية في بنغازي في شهر جوان الماضي احتجاجا على نشر لوحات بمعرض العبدلية بالمرسى تسيء إلى المقدسات الإسلامية و طالبوا بملاحقة الفنانين المتورطين و إحالتهم على القضاء.غير انه و كالعادة نفى المتحدث الإعلامي باسم الجماعة في حديث له لوكالة أنباء الشرق الأوسط أي مسؤولية لأنصار الشريعة في الهجوم على القنصلية التونسية.
و في ذات سياق الاعتداء على البعثات الدبلوماسية الخارجية كانت الجماعة قد هددت بذبح سفير بورما خلال مظاهرة في شهر أوت الماضي خلال مظاهرة لمساندة المسلمين في بورما و ما يتعرضون له و قال أحد المتحدثين باسم أنصار الشريعة إن الجماعة ستذبح السفير البورمي إن لم تتوقف عمليات الإبادة ضد المسلمين” .
أنصار الشريعة في اليمن
كأخواتها السالف ذكرهم تعد ” أنصار الشريعة في اليمن ” جماعة سلفية جهادية تهدف لإقامة إمارات إسلامية في اليمن وباقي جزيرة العرب كما تعرف نفسها على ” الويكيبيديا”. يتزعمها ناصر الوحيشي وكنيته أبو بصير وتعد الجماعة من فروع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. استولت بعد معارك زنجبار على عدة مدن في اليمن وأقامت عدة ولايات إسلامية منها إمارة أبين وإمارة وقار وإمارة عزان.
غير الجماعة قد انخرطت بقوة في الصراع الدائر في سورية إلى جانب حليفتها ” جبهة نصرة الشام” الفرع السوري لتنظيم القاعدة و في هذا السياق كشف القيادي السابق في تنظيم القاعدة باليمن طارق الفضلي أن انسحاب عناصر “أنصار الشريعة” التابعين للتنظيم من مدينتي زنجبار وجعار بمحافظة أبين جنوب اليمن جاء بهدف المشاركة في الحرب ضد النظام السوري . وذلك عبر صفقة تم إبرامها حسب ما نقل عنه موقع “عدن الغد” و لم يستبعد الفضلي فرضية أن تكون هناك “صفقة إقليمية لنقل مسلحي القاعدة من الأراضي اليمنية إلى تركيا لإدخالهم الأراضي السورية، وهو ما يفسر الانسحاب المفاجئ للمسلحين من أبين، كما يفسر عدم ضربهم خلال انسحابهم سواء من القوات اليمنية أو السعودية.
أنصار الشريعة في المغرب
أعلنت وزارة الداخلية المغربية، في الأوانة، عن تفكيك خلية إرهابية تطلق على نفسها “أنصار الشريعة في المغرب الإسلامي”٬ كانت تخطط لتنفيذ “عمليات تخريبية” ضد أهداف ومواقع حيوية ومنشآت حساسة ومقرات الأجهزة الأمنية والمنتجعات السياحية في مجموعة من المدن المغربية.
و قد تأسس الفرع المغربي في منتصف شهر سبتمبر الماضي و قال القائمون عليه في البيان الأول والوحيد لهم حتى الآن أن “جماعتهم غير مرتبطة بالجماعات في اليمن أو تونس أو ليبيا أو مصر. والعبرة من وجود “أنصار الشريعة في المغرب” هي نشر كلمة الله وشريعته وتوفير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للمحرومين وتعرية انحطاط الغرب وتحرير المجتمع من قبضته.”
غير أن التسريبات الإعلامية تشير إلى أن خلية “أنصار الشريعة في المغرب الإسلامي” التي تم تفكيكها خططت لاستهداف مقر البرلمان في الرباط، والمؤسسات الأمنية، ومنتجعات سياحية خاصة في مدينة ورزازات والراشدية في الجنوب الشرقي المغربي، وربطت الخلية علاقات مع مصري شارك في حرب الشيشان، وسجل تحركات ما بين مصر وإسرائيل إلى جانب ، التخطيط لاستعمال سيارات مفخخة، مع الهجوم على ثكنات عسكرية للحصول على أسلحة، بالإضافة إلى اختطاف أشخاص لطلب فدية مالية كطريقة للتمويل المالي للمشروع الإرهابي.
و ذكرت الداخلية المغربية في بيان لها أن هذا التنظيم حامل لفكر القاعدة، وانه كان يسعى إلى الاقتراب من تنظيمها في منطقة الساحل، فان المعطيات المتوفرة تبين أن “أنصار الشريعة بالمغرب الإسلامي ” هو خلية لتنظيم قاعدة جديد تطغى عليه المحلية (أنصار شريعة مغربي ).
و رغم محدودية الانتشار الجغرافي و العددي للتنظيم المغربي الوليد إلا أن الباحث عبد الرحيم المنار اسليمي و رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات يعتقد بأن الخلية المعلن عن تفكيكها من طرف وزارة الداخلية والمسماة بـ”أنصار الشريعة بالمغرب الإسلامي “هي من اخطر التنظيمات في المغرب و يضيف قائلا أن هذه الحادثة ” تقدم مؤشرات على أننا سنكون أمام جيل جديد من القاعدة استفاد من رياح الربيع العربي ويعيد بناء صورته بطريقة جديدة تقطع مع المرحلة التي كان قد وقع فيها ضعف للتنظيم وخلاياه، وقد تكون خلايا مرحلة” أيمن الظواهري” اكبر واخطر من خلايا مرحلة “أسامة بلادن” في المنطقة المغاربية التي باتت مرشحة لتكون “مشتلا” كبيرا لهذه الخلايا لأنه لا احد يعرف اليوم ماهي النتائج التي سيقود إليها التدخل في شمال مالي؟ وأين ستنتشر أفول قاعدة بلاد المغرب الإسلامي بعد التدخل ؟.”
و أكد الأستاذ عبد الرحيم اسلمي انه و “بالرغم من أن أفراد الخلية المعلن عن تفكيكها لا تتجاوز الثمانية ، بمعنى أن أعداد أفرادها يظل محدودا ، فان بعض التقارير تقول أن السلفية بكل مكوناتها في المغرب تضم 17 عشر ألف سلفي يعد صنف السلفية الجهادية هو الأضعف داخلها ، ولكن يبدو أن مناخ النقاش حول القيم والحريات المفتوح في المغرب طيلة السنة الحالية يجعل السلفية الجهادية تتقوى ،وتعمد إلى محاولة العمل بنفس الأسلوب المتبع من طرف السلفيين الجهاديين في بعض الدول العربية لما استغلوا فرصة الربيع العربي وصعود التيارات الإسلامية المعتدلة إلى الحكم ، بعد أن كانت تشكل نوعا من التوازن مع التيارات المتطرفة،فتيارات السلفية الجهادية استغلت هذا المناخ وبدأت تقدم نفسها في بعض الدول العربية كإطار دعوي تربوي سياسي سلمي، ولكن تبين فيما بعد انه تيار يشتغل على واجهتين، واجهة العمل السلمي الدعوي وواجهة العمل الجهادي العنفي (حالة ليبيا كمثال).”
أحمد النظيف | عربي برس