ما يزيد عن 100 شاب تونسي قتلوا على الأراضي السورية حسب الأرقام الأولية التي بحوزتنا و التي جمعناها وفقا للتقارير الإعلامية الرسمية و غير الرسمية و أكثر من 50 معتقلا في السجون السورية و عشرات المفقودين و الذين يرجحوا أنهم قد لقوا حتفهم خلال المعارك الطاحنة بين الجيش السوري و الجماعات المسلحة و لم يتم التعرف على هويتهم بسبب التشوهات الخلقية أو بسبب عدم حملهم لأي وثائق تثبت انتمائهم القطري .
محرقة بكل ما تعنيه الكلمة من الدلالة , ذلك ما يعيشه الشباب التونسي المغرر به للتوجه إلى سورية , مصيرهم الموت و ثلاجات مستشفيات دمشق و حلب و ادلب فالخارجية التونسية لم تكلف نفسها حتى عناء الاتصال بالصليب الأحمر لربط الصلات مع الجهات السورية الرسمية من اجل جلب رفاتهم و بعضهم الأخر ملقى في السجون حتى إشعار أخر .
شباب يفنى برسم تجار الموت
دأبت الصحف المحلية و وكالات الأنباء العالمية و منذ سنة تقريبا على تلاوة أسماء القتلى من التونسيين في الساحة السورية حتى أصبح الأمر عادة يومية نصحوا عليها و ننام في موفى شهر جويلية الماضي قال الصحفي اللبناني رفيق نصر الله تأكيده أن 576 مسلحا أجنبيا إلى حد الآن قتلوا في سوريا من ضمنهم 41 تونسيا و97 ليبيا و54 سعوديا و9 مصريين و8 لبنانيين، إضافة إلى أعداد متفاوتة من المسلحين من بلدان أخرى مثل الجزائر وأفغانستان والمغرب واليمن وجنوب إفريقيا ومالي.
مروان عاشوري شاب تونسي ينتمي إلى حي شعبي (السيجومي )لقي حتفه في أول يوم في رمضان في المعارك الضارية التي شهدها حي الميدان بدمشق بين قوات حفظ النظام وجماعات مسلحة من بينها مجاميع مسلحة تنتمي إلى ما يعرف بجهة نصرة الشام فرع تنظيم القاعدة سوريا , شاب أخر يدعى محمد الجبالي من مدينة جرزونة بولاية بنزرت لقي حتفه مقاتلا إلى جانب ذات التنظيم كما تأكد مقتل ثلاثة تونسيين والقتلى هم مالك النقاش ووليد البار حسن وجاد الله محمد بحي الورشة في حمص حسب ما نشرته مصادر إعلامية رسمية .
بهاء العمدوني الذي يعرف باسم بهاء التونسي انتهى هو الأخر جثة هامدة داخل الأراضي السورية خلال مشاركته إلى جانب عناصر المجموعات المسلحة يذكر أن العمدوني من حي خالد بن الوليد بمدينة دوار هيشر التابعة لولاية منوبة وأنه العنصر الثاني الذي يقتل في سورية من مدينة دوار هيشر بعد مقتل خالد الشارني قبله بشهر.و في منتصف شهر جوان الماضي أكد مصدر عسكري بمحافظة إدلب حسب عدد من الصحف السورية مقتل مقاتل تونسي الجنسية من تنظيم القاعدة يدعى “الحبيب ولد عامر” وخمسة آخرين أثناء قيامهم بتحضير عبوة ناسفة انفجرت بهم في إحدى المزارع في قرية حربنوش، التابعة لمعرة مصرين.وقد اختص الضحية التونسي حسب نفس المصدر في المتفجرات وقد شارك بالكثير من عمليات التفجير الإرهابية في ادلب.كما ذكرت مصادر صحفية سورية رسمية ان الجيش السوري قام في منتصف ذات الشهر في دارة عزة بريف حلب بعمليات مداهمة ناجحة للمسلحين مما أسفر عن مقتل 20 مسلحا من بينهم تونسيان احدهما يدعى المرزوق بن عمر.
التونسي سيف الدين نايلة الملقب بـ”أبو قسورة المهاجر” قتل هو الأخر اثر مشاركته في معارك ضد الجيش السوري في محافظة ادلب السورية.ينتمي أبو قسورة تنظيم القاعدة وهو مطلوب دوليا كعنصر إرهابي خطير انشق عن الجيش الوطني التونسي أين تلقى تدريبات على استعمال السلاح وهاجر إلى ايطاليا خلسة لينتقل فيما بعد إلى أفغانستان ثمّ أوزباكستان ثم رحل فيما بعد إلى تونس ليعتقل بسجن المرناقية قبل أن يتمتع بالعفو التشريعي العام بعد الثورة ويتحول اثر ذلك إلى سوريا ويقاتل في صفوف الجيش السوري الحر ثم انتقل إلى جبهة النصرة الفرع السوري للقاعدة ضد القوات النظامية السورية.
و في السابع عشر من شهر أكتوبر الماضي أوردت مصادر إعلامية سورية أن القوات المسلحة و أثناء عملية صد هجوم على مركز أمني قامت بقتل عنصر من “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة في اشتباك مع الجيش السوري في دير الزور. وأفادت الأنباء أن الشخص التونسي الجنسية أسعد طالب الشرقاط قتل إثر هجوم شنه مع مجموعة من عناصر القاعدة على مفرزة الأمن العسكري في بلدة البوكمال.
و في الرابع من ديسمبر الجاري ذكرت مصادر رسمية سورية أن عمليات الجيش السوري المتواصلة بمختلف أرياف حلب أسفرت عن مقتل 5 تونسيين في منطقة السفيرة التابعة لمحافظة حلب حيث اندلع اشتباك مع مجموعة تطلق على نفسها اسم “الغرباء”، في ما قتل ما لا يقل عن 20 مسلحا، معظمهم سوري الجنسية كانوا يقاتلون ضمن نفس المجموعة, كما تم إلقاء القبض على 25 مسلحا أثناء قيامهم بسحب 12 جثة لمسلحين في منطقة الزهراء.
الطريق إلى دمشق يمر عبر مكاتب حركة النهضة
بدأت أولى تسريبات عن المعتقلين التونسيين في سورية منتصف شهر أفريل الماضي حين كشف مصدر ديبلوماسي ـ قنصلي من السفارة التونسية في لندن لـصحيفة “الحقيقة” السورية المعارضة أن الجيش السوري استطاع اعتقال ثلاثة عشر عنصرا في عدد من مراكز عناصر “القاعدة” في سوريا. وأشار إلى أن السلطات المعنية –التونسية – تمكنت من توثيق اثنين من أسماء هؤلاء المعتقلين ، وهما “وحيد فضيل” و” بوبكر بويطان”. و كشف المصدر أن تحقيقات أمنية أجريت مؤخرا في تونس أظهرت أن ما لا يقل عن خمسين مسلحا من التونسيين ذهبوا للقتال في سوريا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة.
وكان مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري تقدم بمذكرات رسمية لمجلس الأمن تضمنت أسماء المعتقلين ، مع وثائق تتعلق بطريقة دخولهم إلى الأراضي السورية وكيفية اعتقالهم، فضلا عن معلومات أخرى ذات صلة. ويتضح من القوائم أن قسما كبيرا من هؤلاء تونسيون ، اتضح أن 8 منهم سبق لهم أن اتهموا بالإرهاب في تونس بين 2006 و 2009 و بذلك قد تتمتعوا بالعفو التشريعي العام بعد 14 جانفي.
و في منتصف شهر ماي الماضي عرض التلفزيون السوري الرسمي “اعترافات ثلاثة إرهابيين أحدهم يحمل الجنسية الليبية والآخران يحملان الجنسية التونسية بتسللهم إلى سورية عبر الحدود التركية لتنفيذ هجمات إرهابية بالتنسيق بين تنظيم القاعدة وميليشيا ما يسمى الجيش الحر”ليتحدث التونسيان أسامة مختار هذلي من مواليد عام 1990 في الخزامة الغربية التابعة لسوسة مجدي بن العياشي العياري من مواليد عام 1985 عن الطريق إلى الجحيم السوري.
و في أواخر شهر أوت الماضي نشر التلفزيون الرسمي السوري اعترافات لشاب تونسي يدعى محمد على بلحاج أحمد من مواليد عام 1993يقر بانضمامه لمجموعة مسلحة تضم مقاتلين من تركمانستان وتونس وليبيا والكويت والسعودية وبتدريبهم وإرسالهم إلى سورية و الذي قال “عملت أنا والكثير من الشباب في فترة الانتخابات التونسية لمصلحة حزب النهضة وكنا نقوم بتوزيع قصاصات تتحدث عن اهتمامات الحزب وكنا نشارك في الحفلات التي كان يقيمها الحزب وفي التاسع من شهر ديسمبر 2011 من العام الجاري خرجت من تونس عبر معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس متجها إلى سورية “
و كانت أخر فصول المغامرات الفاشلة للشباب التونسي المغرر به على الأراضي السورية ما كشفت عنه في الأيام الأخيرة مصادر صحافية لبنانية نقلا عن مصادر قالت أنها موثوقة في العاصمة السورية أن “بعض القوى اللبنانية التي تتولى تسهيل دخول المقاتلين إلى سوريا أصيبت بنكسة جديدة عبر كمين أعدته الدولة السورية وربما بتنسيق مخابراتي، حيث أوقع المسئولون الامنيون السوريون في “الشرك”، غنيمة أصولية كبيرة من الطراز الأول وتعمل في بلاد المغرب العربي، وفتحت شهية واشنطن وبعض الدول الأوروبية لمعرفة أسماء هؤلاء وإذا كان بينهم مطلوبون لواشنطن، حتى إن المخابرات المركزية الأميركية طلبت من روسيا معلومات بهذا الشأن”.
وأكدت المعلومات أن “مسؤولا في تنظيم أصولي لبناني في الشمال هو الذي تولى فتح العلاقات مع المجموعة التونسية الليبية الأصولية وكان صلة الوصل بينهما، ويقدر عدد أفراد المجموعة بـ40 عنصرا، حتى أن المخابرات التونسية والليبية سهلت مهمة التواصل بين هؤلاء والقوة اللبنانية شرط انتقالهم إلى سوريا ووقف نشاطهم في ليبيا وتونس”.
اللافت و الغريب و غير المفسر في كل ما يجري لماذا تقف الحكومة التونسية موقف الحياد دون أن تحرك الأجهزة الأمنية ساكنا سؤال يمكن أن تجيب عنه بعض الأصوات التي اتهمت حركة النهضة الحاكمة بالتورط في تجنيد أو بمساعدة هؤلاء الشباب من أجل الالتحاق بالجماعات المسلحة المعارضة بسورية .
و قد كشفت صحيفة الحقيقة السورية المعارضة في المدة الماضية و نقلا عن مصدر ديبلوماسي تونسي في لندن أن “حركة النهضة” أنشأت مراكز للتطوع غير معلن عنها رسميا في العديد من مكاتبها في تونس ، لاسيما وجنوب شرق البلاد، من أجل تجنيد التونسيين للقتال في سوريا. وأكد المصدر أن الأمر”جرى بالتنسيق مع السفير القطري في تونس سعد بن ناصر الحميدي”.
و ما يزيد صدق الشكوك حول ضلوع حركة النهضة الإسلامية في خلق و دعم شبكات تجنيد الشباب التونسي للالتحاق بجبهات القتال المستعرة في سورية اللقاء السري الذي جمع زعيم النهضة راشد الغنوشي و قائد ما يسمى بالجيش السوري الحر العقيد المنشق رياض الأسعد في 17 نوفمبر الماضي في مطار استانبول و عدد من قادة ما يسمى “الجيش الحر” ممن يحملون رتبا مختلفة كانوا بدورهم في نفس المطار .
و كان الغنوشي عائدا من الخرطوم بعد مشاركته في مؤتمر الحركة الإسلامية في السودان. و ذكرت مصادر في حزب النهضة أن الحديث جرى حول الثورة السورية وضرورة اتساعها وقبولها بمختلف مكونات الشعب السوري والبحث عن نقاط التوافق والالتقاء بين جميع الأطراف المنخرطة في المقاومة من اجل وضع حدّ للمجازر التي يمارسها النظام القاتل في حق شعبه حسب تعبير ذات المصادر.
إلى جانب النشاط المحموح الذي تقوم به العشرات من الجمعيات المتواجدة على التراب التونسي و التي كونها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين السورية بالتعاون مع أطراف اخوانية تونسية هدفها الظاهر إغاثة و نصرة الشعب السوري أما أهدافها الخفية فتمد بين جمع التبرعات و الهبات المالية لفائدة العصابات المسلحة إلى تجنيد الشباب للتوجه إلى سورية من اجل الالتحاق بالجبهة و تقديم الدعم الطبي و اللوجستي إلى أفراد “الجيش الحر ” و جبهة النصرة ” و بقية المجاميع الجهادية المقاتلة في سورية و ذلك عن طريق الأراضي التركية .
على صعيد أخر ذكر موقع ” أفريك مانجر التونسي ” أن أحد المتطوعين للقتال في سوريا كشف أن المنظمة الحقوقية “حرية وإنصاف” تساعد على إرسال مقاتلين عبر وسطاء ل”الجهاد” ووصف هذه المنظمة ب”الشق الشيعي” لحزب النهضة الذي يترأس الحكم في تونس حاليا. وجاء في حوار نشره “المشهد التونسي” اليوم الأحد 7 أكتوبر مع مواطن تونسي تحول سوريا للقتال بعد مروره على غزة، أن منظمة حرية وإنصاف التي تترأسها إيمان الطريقي، هي من ساعدت على سفره للقتال.
وقال المتطوع التونسي مروان الصادقي في الحوار أن سفره جاء ” بترتيب من جمعيات عربية و بتنسيق مع ناشطين تونسيين منها منتمين لجمعية وهي منظمة حرية و إنصاف”، معتبرا أن هذه المنظمة تمثّل “الشق الشيعي” لحزب النهضة من دون أن يطلب منه الصحافي الذي حاوره توضيح هذه الملاحظة. وقال المتطوع التونسي إنه تمكن مع آخرين من العبور إلى غزة عبر الأنفاق في معبر رفح وتم معاملتهم كسياح من قبل أطراف من حماس الذين اكتفوا بتمكينهم من أخذ صور معهم ثم طلبوا منهم العودة إلى بلدانهم وخدمة القضية الفلسطينية من هناك.
وكشف أن “الشخص المنتمي لمنظمة “حرية و إنصاف” الذي يقوم بالوساطة مع “الشيخ ابو محمود” الذي يشتغل في وزارة الأوقاف الفلسطينية، طلب إخراجهم و إعادتهم إلى تونس”. ولم يذكر هذا المتطوع تفاصيل التنسيق مع ممثل حرية وإنصاف للتحول إلى سوريا ودورها في محطتهم الثانية، مكتفيا بالقول إن مجموعته قررت استمرار رحلتها إلى سوريا للقتال مع الجيش الحر ضد النظام السوري مرورا بتركيا. وتُعرف منظمة حرية وإنصاف بدفاعها الشرس عن الناشطين الإسلاميين حتى منهم المورطين في عمليات ضد أمن الدولة.
و في ذات السياق كانت “تانيت برس” قد نشرت صورا للمدون أيمن بن عمار الذي يعمل بتلفزيون الانترنت “تواصل تي في” ذات التوجهات النهضاوية و أحد أفراد مليشية رابطة حماية الثورة بالكرم – الذراع النهضاوي لتنفيذ المهام القتالية –و هو يعتدي بالعصي على النقابيين في الذكرى الستين للاحتفال باستشهاد الزعيم الوطني و النقابي فرحات حشاد.
ليتضح فيما بعد و من خلال البحث في حسابه الشخصي على الشبكة الاجتماعية أن أيمن بن عمار كان يقاتل في صفوف تنظيم ” جبهة نصر الشام” الفرع السوري لتنظيم القاعدة بسورية و قد نشر في شهر أوت الماضي صورا له في مدينة “حلب الجريحة” حسب تعبيره كان إحداها بتاريخ 16 أوت 2012 – أي اثر عودته إلى تونس – و هو يحمل بندقية رشاش من نوع كلاشنكوف .
اللافت في الأمر أن الحكومة التونسية لم تحاكم أيا من العائدين من جبهات القتال في سورية رغم و أن القانون الجنائي التونسي يعاقب بالسجن كل شخص ينتمي إلى تنظيم إرهابي أجنبي في الخارج.
و لكن أبلغ موقف عبرت عنه حكومة النهضة من كل ما يجري قول السيد رئيس الحكومة بأن “هذا ليس جديدا، الشباب التونسي تحول إلى كل مكان (للقتال) كالعراق وأفغانستان والصومال” بكل هذه اللامبالاة علق سيادته عن عملية القتل الممنهج التي تقف عليها القوى قوى الإسلام السياسي المتأمركة المنخرطة في مشروع تدمير سورية و التي لا تعدوا أن تكون إلا أداة في يد قوى الاستعمار المتكالبة على المنطقة العربية .
أسئلة بالجملة ستبقى برسم الحكومة و حركة النهضة و برسم كل من شارك في فصول هذه المهزلة الدامية و حقائق مرة ستكشف عنها القادمات من الأيام حول الهلوكست التي أوقد نيرانها تجار الموت و الظلاميون ليزجوا بشباب في أتون معركة ضد أخواتهم و أهلهم في سورية .
أحمد النظيف
(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)