تسعة أيام من الحصار اضطر بعدها الضحايا إلى تبليل أقمطة الفتيات بالمطر وعصرها من أجل الشرب ، وضرب الأطفال من أجل البكاء لتحويل دموعهم إلى رشفات من الماء !؟
بعد أربعة أيام من مجزرة “عقرب” ، أو ما يمكن تسميته بـ”كربلاء عقرب” ، وخلافا للرواية القذرة التي عممتها “هيئة التنسيق الوطني” من خلال مسؤولها الإعلامي و “مرجعها الحقوقي” القذر رامي عبد الرحمن ، والتي أنكرت حتى حق هؤلاء في أن يكونوا ضحايا لعصابات “الفاروق” الإجرامية ، دخلت “القناة الرابعة” البريطانية ، ممثلة بمراسلها أليكس تومسون ، بلدة “عقرب” في ريف حماة وأجرت تحقيقا ـ بثته مساء أمس ـ حول المجزرة التي وقعت في الحادي عشر من الشهر الجاري ، والتي زعم نصاب المرصد السوري لحقوق الإنسان وبقية الوهابيين من حلفائه في المجموعات المسلحة ، أن السلطة قتلتهم يوم الثلاثاء الماضي (11/12) بالقصف المدفعي والجوي ، قبل أن تتبنى هذه الرواية “هيئة التنسيق الوطني” بزعامة حسن عبد العظيم ـ المرشد السياسي لـ”لواء الإسلام” وقائده زهران علوش !
القناة البريطانية، ومراسلها، اللذان لا يخفيان عداءهما للنظام السوري منذ سنوات ، وخصوصا إبان الأزمة الراهنة ، قابلا ثلاثة شهود (الفتى علي الحسين / 16 عاما ، حياة يوسف التي لا يزال مصير زوجها مجهولا وساق ابنها البالغ 18 عاما والذي كسر المسلحون ساقه ولم يعالجوه طيلة فترة الحصار ، ومادلين حسين) وفق معايير التحقيق الاستقصائي : وهو أن لا يعرف أي منهم أن الآخرين سيقدمان شهادات للمحقق ، والجميع لم يكان يعرف بوصول القناة إلى المنطقة ، الذي كان وصولها مفاجئا ، كما يقول تومسون . هذا فضلا عن إجراء المقابلات في أماكن منفصلة بغياب تواجد ممثلين عن الحكومة .
ويقول تومسون كانت إجابات الثلاثة متطابقة تماما في جميع التفاصيل . فقد أجمع الثلاثة على أن مسلحين ملتحين وصلوا في الثاني من الشهر الجاري إلى القرية في أربع أو خمس سيارات من جهة بلدة “الحولة” التي تقع في المنطقة . لكن مادلين تضيف “لم يكونوا يلبسون مثل السوريين العاديين (…) وعربيتهم لم تكن سورية ، بحيث لم نكن نفهم ما يقولونه”، في إشارة إلى أن ملابسهم غير مألوفة في المنطقة ، ولهجتهم ليست سورية . ونشير هنا إلى أن المنطقة تعج بمئات المسلحين الأجانب (تركمان، شيشان، باكستانيين ، مغاربة ..إلخ) الذين يقاتلون في صفوف عصابات “الفاروق” وبقية عصابات “الجيش الحر” الأخرى .
بدأت الواقعة في الثاني من الشهر الجاري حين وصل المسلحون إلى القرية وعمدوا إلى جمع حوالي خمسمئة من أبناء القرية ، رجالا ونساء وأطفالا ، ينتمون إلى الطائفة العلوية ، وضع بعضهم في منزل من طابقين (يظهر باللون الأحمر في الشريط المرفق جانبا) يملكه رجل أعمال محلي يدعى “أبو اسماعيل” كرهائن . وهو المنزل الذي زعمت مواقع المتردين ومرصد رامي زرقاء اليمامة أن السلطة قصفته جوا وبالمدفعية . وكان مطلبهم هو أن يأخذوا النساء والأطفال إلى معسكر للمسلحين في “الحولة” يستخدمه “الجيش الحر” لاستخدامهم دروعا بشرية لمنع السلطة من قصف المعسكر، على أن يقتلوا الباقين من الرجال ، كما كانت نساؤهم وأولادهم يعتقدون. علما بأن منطقة “الحولة” يسيطر عليها المسلحون منذ فترة طويلة .
حاول المسلحون إدخال الطمأنينية المخادعة في قلوب الضحايا، من خلال محاولة إقناعهم بانهم لن يؤذوهم “فنحن من الحولة ومن الرستن ، إخوانكم في الإسلام ، ولن نؤذيكم” ، لكأنما كانوا يريدون اختطافهم لمشاهدة عرس أو فيلم كوميدي مسلّ ، وليس لاتخاذهم دروعا بشرية !
لكن الجميع أصروا على البقاء معا أو الرحيل معا ، فإما أن يموتوا معا أو يعيشوا معا .
التحول الدرامتيكي حصل عصر الإثنين الماضي حين جاء ثلاثة لممارسة الوساطة ، وهم الضابط المتقاعد من الجيش “حامد عز الدين” و إمام البلدة “السني”، حسب تعبير الصحفي ، الشيخ سعيد هواش ، ورئيس البلدية / المختار “الهشاب” . لكن المفاوضات ، التي امتدت حتى الثامنة مساء ، انتهت إلى طريق مسدود .
في تلك المرحلة بدأ المسلحون إطلاق النار من النوافذ والصراخ بالرهائن إن المبنى مفخخ، فيما يبدو أنه محاولة منهم لمنعهم من الفرار إلى خارجه. وقد استمر إطلاق النار حتى منتصف الليل وسط بكاء وعويل الرهائن والفوضى التي دبت في داخل المبنى . وبعد ذلك جرى إبرام نوع من”الصفقة”، حيث حضرت ثلاث سيارات نقلت حوالي 70 من الرهائن إلى مكان آمن على بعد حوالي ميل من المنطقة. لكن سيارة رابعة أخذت رهينتين إلى “الحولة” (امرأة وطفل) حيث يقع مشفى ميداني للمسلحين، لمعالجتمها من جراح أصيبا بها أثناء إطلاق النار. والواقع ليس هذان سوى السيدة ” أم أيهم” و”الطفل” اللذين أجبرهما المسلحون لاحقا على تسجيل إفادات كاذبة مثيرة للسخرية أصبحت هي “الرواية المتداولة حول العالم”( أي الرواية التي روجها الفاجر رامي عبد الرحمن وإعلام”هيئة التنسيق”، وبعدهما بقية وسائل الإعلام الأخرى). أما الباقون (حوالي مئتين)فقد اختفوا. وهم الذي قتلوا على الأرجح.
وبحسب ما رواه التحقيق، فإن الرهائن ، وعلى امتداد تسعة أيام ، حرموا من الطعام والماء. وفي مرحلة من المراحل وصل الأمر بالنسوة إلى وضع أقمطة (إشاربات) الفتيات تحت المطر من خلال النوافذ من أجل عصرها وشرب ما علق بها ، بينما قامت نسوة أخريات بضرب الأطفال فقط من أجل أن يبكوا ويرتشف العطشى دموعهم! والحال إننا أمام مشهد كربلائي بامتياز، يستعيد مشهد جنود يزيد وهم يمنعون الماء عن الطفل المحموم “عبد الله بن الحسين”، قبل أن يقتل بسهم في رقبته!
تحقيق القناة البريطانية يختتمه أليكس تومسون بتسجيل ملاحظات لفتت انتباهه :
أولا ـ الغريب ، كما يقول، هو أن المتمردين ( ومعهم مرصد زرقاء اليمامة الرحماني في لندن) يقولون إن المبنى الذي احتجز فيه الرهائن “دمرته السلطة بالكامل” بالمدفعية والطائرات يوم الثلاثاء الماضي ، علما بأن المسلحين أرغموا “أم أيهم” على القول إن أزواجهم فجروا قوارير الغاز في المبنى!!. ومع ذلك رأينا المبنى وصورناه ، وقد أكد لنا الرهائن المحررون وبقية سكان القرية الذين قابلهم أنهم كانوا فيه. وهو في الواقع سليم . ( هذه الملاحظة نضعها برسم النصاب عبد الرحمن الذي روج لخبرية تدمير المبنى. فهو ـ ورغم أنه يرى سوريا وحتى إصابات الجرحى وعددهم من لندن كما زرقاء اليمامة ـ لم ير المبنى!!) .
ثانيا ـ هناك ملاحظة أخرى غريبة، والكلام للصحفي البريطاني، فقد راجعت مواقع المتمردين (يركز الصحفي على موقع “زمان الوصل”، الذي يضطلع بالترويج لأكاذيب المسلحين مع شريكه موقع “كلنا شركاء”) وأشرطة الفيديو الخاصة بهم على موقع “يوتيوب”، ابتداء من الثاني من هذا الشهر، ولكني لم أعثر على أي إشارة إلى “عقرب”! فهل من المعقول أن يتجاهلوا قيام السلطة ـ حسب روايتهم ـ بما قامت به ، بحيث يمكن أن يقلب الدعاية لصالحهم تماما !؟
ثالثا ـ إن المتمردين ، وحين تقع مجزرة من قبل السلطة، سرعان ما يضعون الجثث على موقع يوتيوب ويملأون الدنيا ضجيجا حولها . والسؤال الآن : إذا كانت الحكومة اقترفت مذبحة فعلا بحق ما يصل إلى 250 مواطنا من”طائفة الرئيس”، لماذا لم يقم المتمردون بوضع أشرطة لهذه الجثث على الشبكة !!؟ (سؤال آخر موجه أيضا للفاجر المذكور أعلاه).
تبقى الإشارة أخيرا إلى أن المبنى والمنطقة كلها لا تزال محتلة ومحاصرة من قبل المسلحين كما يظهر في نهاية الشريط، بحيث أن الصحفي لم يستطع أن يدخل الحي، واكتفى بتصوير المبنى الذي احتجز فيه الرهائن عن بعد .
سيريان تلغراف
المرفقات :