تقول القاعدة أو المثل الشعبي أن المروج تعانق الهواء والسماء والريح بعد ذوبان الثلوج وانحسارها عنها ، لا يختلف الحال كثيراً فيما خص مروج الواقع السوري بعد إنكفاء حالة الغموض وانقشاع حالة الضباب وإتضاح الرؤيا وجلاء الحقيقة وتعرية ما تلطى تحت بساط الثلج الأحمر التآمري الذي غطى سوريا فيما امتدت أطرافه لتصل إلى أصقاع الأرض جميعها ، وما إختبأ بين الحروف من وهم الثورات وسراب الحريات المزعومة والديمقراطيات المنشودة التي تنطح لتزعم المناداة بها والمطالبة بتحقيقها تشي غيفارا القرن الواحد والعشرين ،، وحيد القرن القطري ،، هذا البساط الذي تضافرت عدة عوامل أدت في المحصلة إلى ذوبانه وتصفية مكوناته وتكريرها في عقل المواطن السوري ” في غالبيته ” والتخلص منه عبر مجاري صرفه الصحي ، وهو البساط الذي افترش في مرحلةٍ سابقة عقول أعداد أكبر من السوريين الذي ما لبثوا أن فتتوه ووضعوا جزيئاته تحت عدسات المجاهر في مخابر العقول فظهرت نجمة داؤوده جليةً وبانت أنيابه الأمريكية واضحة وتبدت لحى تكفرييه ووهابييه وسلفييه ، وتكشفت نواياه الإستعمارية الأوروبية واتضحت أدوار واطماع كل من جاور الأرض التي تمدد عليها سيما من ناحية الشمال الاردوغاني ، وسالت من حوافه وأطرافه قطرات سموم الحقد الأعرابي وأزكمت الأنوف روائح كفره الإسلامي.
انها حالة الحرب التي امتدت لنحو عامين واستهدفت البشر والحجر والكيان والمصير والحاضر والمستقبل والدور ، هي الحرب التي لم يعلن عنها أصحابها بعد فهل هم اليوم فاعلون . لا بد قبل الغوص في تفاصيل السؤال أن نذكر أن ذاك البساط الثوري الأحمر ما كان له أن يتفتت لولا تضافر عوامل عديدة كان أهمها عامل الزمن إذ لم يتوقع أيٌ ممن شارك في إنتاج و نسج البساط أن يدوم الأمر طويلاً بما يسمح لشمس الحقيقة أن تذيبه ، وكان عامل الوعي الذي تميز به معظم السوريين على خلاف انتماءاتهم ومستوياتهم الثقافية والإجتماعية ما أضاف لشمس الحقيقة المسافرة بين عقارب الساعات دفئاً وزخماً اضافيين ، وكان أخيراً لعامل القوة والمنعة والثبات والصمود الإلهي الذي قدمه جيش هذا الوطن الدور الأهم على الإطلاق.
فيما خص المراقبة والمتابعة ومحاولة قراءة ما فوق السطور وما بينها تفاجئ الأزمة السورية كل من له باعٌ طويل أو قصير في عالم السياسة أو العلوم العسكرية ،، كل يومٍ بجديد وبأكثر من جديد في بعض الأيام ، انها الأزمة التي كسرت كل قواعد المنطق ورمت في مكبات النفايات السورية الكثير من نظريات وأسس العلوم العسكرية ، بعبارةٍ أخرى هي معادلة الجيش الباسل والشعب الذي يؤازره الذين قادا سوريا إلى هذا الصمود التاريخي و فقأ عيون كل من تكالب عليها وجرهم إلى بوابات الحقيقة وأجبارهم على قراءة حروفها ومفرادتها ، الحقيقة التي يستسلم المنطق العسكري أمامها رافعاً يديه وساقيه وتركع في محرابها أدمغة جنرالات المدارس الحربية ووزارات دفاع الحلف الناتوي العدواني وفي مقدمتها إدارة البنتاغون التي تغزو الحيرة عقول افرادها وتعصف بها اسئلةٌ لا تجد لها اجوبة ،،، اسئلةٌ كان أولها و أهمها على الإطلاق ،، كيف لهذا الشعب ولهذا الجيش أن يصمدا في وجه هذا الحرب العالمية التي تشن عليهما منذ قرابة السنتين ؟؟.
هل تتحول حرب العصابات الإرهابية القواعدية إلى حربٍ معلنة وشاملة على الوطن السوري ؟؟. للإجابة على هذا السؤال يتوجب علينا المرور سريعاً على المفاصل التي شكلت مشهد الأيام القليلة الماضية .
المؤشرات على بدء عمل عسكري ضد الوطن السوري بشعبه وأرضه وجيشه عديدة وأهمها :
( 1 ) – النشاط المحموم لأجهزة الإستخبارات الغربية والأعرابية واستنفارها المطلق وتقديمها أعلى مستويات الدعم الاسخباراتي والعسكري والمعلوماتي لعصابات القتل والإرهاب الوافدة إلى سوريا من كل أصقاع الأرض ، وما مرد هذا النشاط وذاك الإستنفار سوى تزايد التقارير الوافدة عبر ضباطها وعملائها عن التقدم النوعي الذي يحرزه الجيش السوري مقابل هزائم بالجملة والمفرق في صفوف الإرهاب الإسلامي و ما يترتب عليها من تزايد أعداد الفاطسين من أشباه البشر في صفوف هذه العصابات ..
( 2 ) – الطفرة الكوميدية في الحديث عن الأسلحة الكيميائية السورية التي أصر معظم رموز الحلف المعادي على تسجيل مشاركتهم ببعض مشاهدها المسرحية الهزلية بدءًا بأوباما ووزيرة خارجيته وصولاً إلى عددٍ من وزراء خارجية الإتحاد الأروبي وإنتهاءً بأمين عام الناتو راسموسن ورفيقه في الأمم المتحدة بان كي مون ، هذا السباق الذي كان واضحاً لكل من لا زال يمن الله عليه بالبصر والبصيرة أن هدفه الرئيس هو محاولة لحرق المراحل عبر خلق عذر إنساني وأخلاقي ومحاولة الإنتقال أمام الرأي العام لشعوب العالم إلى مرحلة الحرب على سوريا بدعوى ” إيقاف المجازر التي قد يرتكبها الجيش السوري بإستخدامه للأسلحة الكيميائية ” ، علماً أن الصغير فكر قبل الكبير في إحتمالية إستغلال إستخدام العصابات الإرهابية لهذا السلاح وتوجيه أصابع الإتهام للقيادة السورية والجيش السوري الذي يعلم كل من يعلم مناقبيته وعقائديته وأخلاق جنوده البواسل أنه آخر الجيوش التي يمكن أن ترتكب هكذا فعل وأن مجرد التفكير بهكذا خطوة لن يخطر في بال قيادة هذا الجيش الوطني بإمتياز ، وأن هذا السلاح لن يصيب أويسقط إلا على رؤوس من يفكر بمهاجمة سورية عبر حربٍ كلاسيكية معلنة .. .
( 3 ) – الجهود المكثفة التي تبذلها كل من واشنطن وفرنسا وبريطانيا للضغط على باقي افرقاء الناتو للموافقة على رفع حظر تقديم أو إنتقال الأسلحة الثقيلة والمتوسطة لعصابات الكفر الوهابي على الأرض السورية ، والتصريحات المتتالية لرموز حكومات هذا الحلف التي يستشف منها إبداء الليونة والمرونة تجاه هكذا فكرة وصولاً إلى الموافقة عليها فيما كانت سابقاً من الأفكار المرفوضة والغير قابلة للنقاش.
( 4 ) – نوبة الهوس والسعير وحمى الإيدز الإعلامي التي اصابت كل عهرة وعاهرات الإعلام سيما فضائيات آل حمد وآل سعود وتوابعهما فبدأت حملة تضليل وكذب وإفتراء وتشويش ،،غير مسبوقة ، حاولت من خلالها تحقيق ما يتوق اصحابها و ملاكها لرؤيته وسماعه على أرض الواقع السوري لكنه بقي في عالم الفضاء يخدع به أصحابه كما يخدع به بعض البسطاء والسذج ولا ينطلي على غالبية الشعب السوري ، فكذبوا وكذبوا حتى صدقوا كذبهم ،، فمرةً تمت السيطرة على المطار وأخرى وصول الأصابع إلى ما فوق القصور وثالثة سقوط ألوية ومقار أمنية وقد نفاجأ غداً أو بعد غد بخبرٍ مفاده أن عصابات أحرارهم تتمركز في وزارة الدفاع فيما بعضها الآخر يدلي ببيانات من قاعة المؤتمرات الصحفية في وزارة الخارجية السورية.
( 5 ) – حالة الصدام الغير معلن بين الناتو من جهة وبين روسيا وإيران من جهة أخرى ، سيما بعد “فشل ” محادثات لافروف كلينتون والإتفاق على متابعة الملف السوري من خلال لقاءات على مستوى سفيري البلدين في مجلس الأمن ، فمقابل باتريورت الناتوي هناك اسكندر الروسي ، ومقابل حاملة الطائرات الأمريكية جورج واشنطن أو ايزنهاور هنالك بعض السفن الحربية الروسية التي ترسو في مرفأ طرطوس وتنقل على متنها ،، ما تنقل ، إضافةً إلى ما يشاع عن توجه حاملة الطائرات الروسية كوزنتسوف إلى شواطئ المتوسط في الوقت الذي بات واضحاً فيه أن الإدارة الأمريكية لن تصبر إلى ما لانهاية على عصابات الإرهاب في سوريا قبل أن تضطر للقبول بتفاهماتٍ مع روسيا تأخذ بالحسبان عملية انتقالية بوجود الأسد وفي ظله ، و يلغي هذا الأمر بأي حال من الأحوال مضي افرقاء آخرين كالأعراب بمواصلة ضخ السلاح والجهاديين إلى الأراضي السورية .
وقبل أن نصل إلى تشكيل صورة واضحة المعالم عن مفاصل الاسابيع أو الأشهر القليلة القادمة يتوجب علينا أن نتوقف أيضاً أمام الدلائل التي تناقض ما سبق ذكره من مؤشرات ، وهي الدلائل التي تنطق بحقيقة بسيطة مؤداها إستحالة تنفيذ ما سبق من خطة يتم اعدادها إلا في حالة الجنون المطبق ” وما نعتقده حتى اللحظة أن حالة التيه والتشتت والحيرة والضياع التي سيطرت على عقول أفراد فريق المعتدين دولاً وأشباه دول ، حكومات وملكيات مغتصبة للسلطات ، جيوشاً ،، وعصابات ، أنها جميعها لم تصل بعد إلى حد الجنون التام ،،، وعساها لا تصل .. وهنا لا بد لنا من ملاحظة ما يلي :
أولاً – التقدم الميداني للجيش السوري في ريف دمشق سيما في ” دوما وداريا ومضايا ” وسيطرته على الوضع في دمشق العاصمة واحيائها التي ترتمي على أطرافها ، وإحرازه للمزيد من الإنتصارات والإنجازات في حلب وريفها وادلب وريفها كما في ريف اللاذقية ، وتكبيده عصابات القتل خسائر فاقت كل التوقعات واصابتهم كما أسيادهم بالصدمة ووقعت على رؤوسهم وقع الصاعقة ، وما معركة المطار ،، أو “المعركة الرابعة أو الخامسة ” للسيطرة على دمشق سوى أكبر دليل على تمكن الجيش السوري من الإمساك بمفاصل الوضع الأمني في دمشق ومعظم مناطق ريفها.
ثانياً – المعلومات الموثوقة التي تؤكد إستغلال قيادة الجيش لعامل الزمن وتشكيلها لفرقة كاملة سوف يوكل إليها مساندة رفاق السلاح من تشكيلات الحرس الجمهوري في مواجهة حرب العصابات والشوارع ، هذه الفرقة بات افرادها على أتم الجاهزية بعد أن تلقى افرادها تدريباتٍ مكثفة طوال نحو عام على هذا النوع من المواجهات والحروب و بعد أن كان ضباطها قد تلقوا دوراتٍ مكثفة في روسيا وبإشراف وزارة الحرب الروسية ، ما سيكون له بالغ الأثر في حسم معارك الاسابيع القادمة.
ثالثاً – المعلومات المؤكدة التي تفيد بتسليم روسيا للقيادة السورية كميات هائلة من الذخائر والعتاد ” على سبيل الإحتياط وتحسباً لما قد تحمله الأشهر القادمة من تطورات ، ” هذه الذخائر التي يفترض أنها تكفيه لمواصلة حرب الدفاع عن سوريا لسنواتٍ طوال.
رابعاً – الثمن الباهظ الذي يؤرق أطراف العدوان للحرب المزمعة على سوريا وجيشها الذي سيظهر حينئذٍ للعالم قدراتٍ لا سابق معرفة أو علم لهم بها ، و التداعيات المنطقية المحتملة على المنطقة وإحتمالات توسيع الحرب وامتداداتها واستطالاتها وتطورها إلى حربٍ إقليمية شاملة .. واسعة النطاق سيترتب على الجيش السوري من خلالها إعلان ما لم يعلنه بعد بحكم أن حربه الآن على أرضه وفي شوارعه ومدنه فيما سيكون للصواريخ القريبة والبعيدة المدى في أية حرب قد تشن على سوريا مركز الصدارة كلغة يخاطب الجيش السوري من خلالها أعداء الوطن.
إن ما قد يبدو للمتابع دلائل ومؤشرات على قرب شن حربٍ شاملة على الوطن السوري ما هو سوى طرح افرقاء العدوان لما تبقى في جعبتهم من أوراق ضغط في محاولةٍ يائسة وبائسة منهم للمضي إلى أبعد حدود الحرب النفسية التي تستهدف المواطن والجندي السوري في آنٍ معاً وتحسين شروط التفاوض على ماهية الحل وشكله وعلى احداثيات المرحلة المقبلة ، أعيد ما كتبت في سياق هذه المقالة ، وأقول أن حربهم بالوكالة عبر أدواتهم قد شنت منذ نحو سنتين ولاتزال مستمرة فلا حاجة لهم لإعلان الحرب وزج امكاناتهم وجيوشهم حيث يتكفل أصحاب اللحى بكامل المهمة ، لن يكون هناك حربٌ معلنة وشاملة على سوريا إلا في حالة فقدان الناتويين لعقولهم وإصابتهم بنوبة جنون مطبق ، وكل الدلائل تشير إلى أن عقولهم الخبيثة لا زالت تعمل بشكل نجس وقذر كما عادتها وبتخطيط يتنافى مع حالة الجنون وحالة من قارب على فقدان صوابه ، دعونا نتذكر هذه الحقيقة فلا تأخذنا افكارنا بعيداً فنقوم على اساسها بردود أفعال و خطوات لها علاقة بالحاضر أو المستقبل البعيد أو القريب ونبني على ما يراد ادخاله عنوةً إلى عقولنا من فكرة الهزيمة التي تقترب ، وزرعه في نفوسنا من اليأسٍ والإحباط.
كلمة أخيرة آمل أن تدخل إلى النفوس مزيداً من الأمل والثقة بالنفس والجيش والقيادة ،،، يطلقون أيها الأحبة وصف المارد على من يراد إظهار قوته وشدة بأسه ، ولقب الفارس المقدام للدلالة على نبل وشهامة وشجاعة المقاتل ، والجندي المغوار على من يراد تأكيد أنه لا يهاب في ساحات القتال خصماً ولا عدواً ، ويقال فدائي على كل من أعلن إستعداده لإفتداء تراب وطنه بالدم والجسد والروح .. . لا تجزعوا أيها الأحبة فنحن ننتمي لوطن يدافع عنه جيش من المردة والفرسان والمغاوير والفدائيين . المجد لسوريا ،، والعزة لجيشها ،، وكل الشموخ والكبرياء لشعبها العظيم ،،، وكل القداسة لترابها الطاهر.
نمير سعد
(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)