ربما يستطيع الموت تغييب الجسد لكن الفكر والمنهج يبقيان حاضرين أبد الدهر وعليه فإن التاريخ سيبقى يذكر نهج وأفكار بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم الذي غيب الموت جسده أمس وستظل كلماته ومواقفه خالدة في وجدان كل السوريين الذين احبوه وعرفوه رجلا وطنيا وقف بصلابة مدافعاً عن حقوق سورية في جميع المحافل وداعما لكل القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لم يعرف البطريرك حبيب بن أسعد هزيم الذي ولد عام 1920 في مدينة محردة التابعة لمحافظة حماة الحياد في كل ما يمس الوطن أو وحدة أبنائه فعرف دائما بمواقفه الوطنية ووقوفه إلى جانب وطنه وبشكل خاص خلال الأزمة الحالية التي يمر بها.
وكانت سورية دائما في قلب البطريرك هزيم الذي درس الادب في لبنان وانضم الى خدمة الاسقفية الارثوذكسية المحلية كمساعد للكاهن في القداس الالهي قبل أن يصبح شماسا عام 1945 أينما ذهب حيث كانت سورية في كل مرة تحضر نموذجا حياً يقدمه على التعايش والوئام والمحبة والسلام الذي يعيشه أبناؤها منذ بدء التاريخ.
وعلى هذا المبدأ تركزت مواقف البطريرك هزيم الذي انتخب في الثاني من تموز من عام 1979 خليفة للرسولين بطرس وبولس على كرسي أنطاكية خلال الازمة الحالية دائما على دعوة أبناء سورية كافة الى الوحدة والاتفاق وانتهاج مبدأ الحوار وتأكيد الروح الوطنية ورفض التدخل الخارجي لتبقى البلاد كما يؤكد مهد الانبياء والديانات.
ورفض التدخل الخارجي في كل ما يخص الشؤون الداخلية السورية جعل البطريرك هزيم يطالب الأمم المتحدة دائما بفهم وابداء الاحترام لسورية والعمل من اجل التوصل الى السلام والاستقرار الذي تحاول بعض الدول زعزعته وضربه.
ومن هنا لم تمر محاولات الدول الاستعمارية لتخويف المسيحيين وتبرير التدخل الخارجي ضد وطنهم على البطريرك هزيم الذي وقف بصلابة ضد التيار الأجنبي مؤكدا دائما أن جميع أبناء الشعب السوري يعيشون بأمان ومحبة وأن مسيحيي سورية يخافون فقط من الدعوات الدولية لحمايتهم.
وقد عمل البطريرك هزيم على توظيف كل امكانياته لمصلحة العدالة والاستقرار والمسيحيين في الشرق الذي حرص على توحيدهم خاصة أن لديهم كما كان يعتبر الهواجس نفسها في هذه الفترة المصيرية من تاريخ العالم والمنطقة.
دعوات البطريرك هزيم لوحدة الكنائس أكدت دائما أنها لا تعني بالضرورة إلغاء خصوصيات الآخر بل الانفتاح عليه واحترامه وفهم خصائصه وتمايزه إضافة إلى الاتفاق وفهم الاختلاف.
ولم تتحرك بوصلة البطريرك هزيم عن القدس المحتلة فكانت قضيته التي يحملها في كل زياراته قبل أن يكون من الحاضرين لكل الاجتماعات المتعلقة بدعمها حيث مازالت كلماته تشهد.. “أنا أعتز بأن أكون من المدافعين عن القدس”.
ووصف الراحل برجل العلم والاقتدار والحكمة والروح والعالم اللاهوتي والمؤرخ والأديب حيث عرف بالمواقف الشجاعة وعظاته المتدفقة بالحكمة والروحانية والرجولة ودعي ببطريرك العرب كما دعي سلفه البطريرك الياس الرابع حينما شارك في المؤتمر الإسلامي في الطائف.
وألف عدة كتب باللغة العربية والفرنسية وكتب الكثير من المحاضرات في مختلف المواضيع الكنسية والفلسفة له عدة ترجمات ومقالات عديدة ولعب دورا في المؤتمرات الكنسية والعالمية.
وأصدر كتب التعليم القويم 3 أجزاء والقيامة والإنسان المعاصر بالفرنسية والإيطالية والإنكليزية و أؤمن وفتح كلامك ينير وسلسلة الله معنا 4 أجزاء في المسألة اللبنانية والمصير المسيحي وترجم كوربون جان كنيسة المشرق العربي ودي ديتريخ سوزان.. القصد الإلهي.
والبطريرك هزيم هو أحد روءساء مجلس الكنائس العالمي ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط حامل شهادة فخرية من عدة معاهد لاهوتية من باريس ونيويورك وأثينا وشهادات دراسات عليا بمختلف الاختصاصات العلمية واللاهوتية والأدبية والعلوم الإنسانية والآداب والموسيقا العربية والعالمية ويجيد اللغات الفرنسية والإنكليزية كالعربية وله إلمام بالروسية واليونانية السريانية.
بقي أن نشير إلى أن البطريرك هزيم كان أول من أعطى البرنامج الديني الأرثوذكسي في راديو بيروت كما جعل برامج مدرسة البلمند مطابقة لبرامج الدولة فاصبح الطالب يتخرج حاملا شهادات رسمية وأسس المعهد اللاهوتي والمدرسة الثانوية في البلمند وكان أحد مؤسسي حركة الشبيبة الارثوذكسية في سورية ولبنان في عام 1942 التي عن طريقها تمت المساعدة لتنظيم وتجديد الحياة الكنسية في بطريركية انطاكية وفى عام 1953 ساعد البطريرك هزيم في تأسيس رابطة الشبيبة الارثوذكسية العالمية والمدرسة اللاهوتية واصبح في سنة 1961 عضوا في مجمع الاساقفة المقدس وتم انتخابه سنة 1970 ميتروبوليت على محافظة اللاذقية إضافة إلى اهتمامه بربط إنطاكية المقيمة بإنطاكية المغتربة وسعيه الدائم لتنظيم أمور الكنيسة عبر تأسيس المجلس الأرثوذكسي للإنماء ومركز الدراسات الأرثوذكسي ومؤسسات أخرى على اصعدة العمران والنهضة الروحية في أبرشيتي اللاذقية ودمشق مقر الكرسي البطريركي.
جثمان غبطة البطريرك هزيم سيوارى الثرى يوم الأثنين القادم في مدافن البطاركة بدمشق
أعلنت بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس بدمشق في بيان لها تلقت سانا نسخة منه برنامج التشييع الرسمي لغبطة البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم الذي غيبه الموت أمس في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي في بيروت.
وأوضحت البطريركية أن خدمة جناز رؤساء الكهنة تقام يوم الأثنين القادم الساعة العاشرة صباحا في الكاتدرائية المريمية في دمشق يليها خدمة الجناز في الكاتدرائية نفسها الساعة الثانية من بعد الظهر حيث يوارى الثرى في مدافن البطاركة.
وبينت البطريركية أن التعازي تقبل في الدار البطريركية بعد الدفن لغاية الثامنة مساء وفي قاعات الصليب المقدس في دمشق يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين من الساعة الثالثة وحتى السابعة مساء. وأشارت البطريركية إلى أن جثمان البطريرك هزيم سينقل إلى دمشق يوم الأحد القادم بعد أن تقام لغبطته خدمة الجناز في كنيسة القديس نيقولاس بالأشرفية في بيروت الساعة 12 ظهرا حيث يسجى جثمانه في الكاتدرائية المريمية بدمشق للتبرك منه حتى الساعة السابعة من مساء اليوم نفسه.
ولفتت البطريركية إلى أن جثمان البطريرك هزيم سيسجى غدا في كنيسة القديس نيقولاس في بيروت للتبرك منه ابتداء من الساعة 12 ولغاية السابعة مساء وأيام الجمعة والسبت القادمين ابتداء من الساعة 11 لغاية الساعة السادسة مساء فيما يتقبل آباء المجمع المقدس التعازي بغبطته في دير سيدة البلمند البطريركي يوم الجمعة القادم ابتداء من الساعة 12 ولغاية الساعة السادسة مساء ويوم السبت الذي يليه من الساعة 11 ولغاية الساعة السادسة مساء في كنيسة القديس نيقولاس في الأشرفية.
سيريان تلغراف