في 7 ايار 2008 كان الطقس غائماً الى حدّ ما، والرؤية في بيروت غير واضحة، وانطلقت افواج من حزب الله وسيطرت على شوارع في بيروت.
وليد جنبلاط في منزله في كليمنصو، أخبار اشتباكات في الشويفات تصل اليه، والاشتباكات في كيفون، بيصور تصل اليه، وجهوزية سلاح في القماطية تصل اليه.
كانت أوامره بالدفاع عن النفس، وعدم حصول اي استفزازات، رغم أن الهجوم هو على الموحدين الدروز، وليس «جماعة» جنبلاط هي التي هاجمت.
الوزير جنبلاط في بيته في كليمنصو تتصل به من باريس شخصية فرنسية، تطلب منه أن يغادر منزله الى السفارة الفرنسية، ويقيم هناك لحين انتهاء المشاكل.
فيأتي جواب الوزير جنبلاط حاسماً «مستحيل، لن اخرج من المنزل».
كان اتصال وليد جنبلاط مع قيادة الجيش مقطوعاً، فالجيش تصله برقيات عن تحركات في بيروت، وهو لا يعرف ماذا يفعل، وليس لدى الجيش اوامر في هذا المجال. تمر من قرب آلياته عناصر مسلحة بقذائف «آر.بي.جي». ورشاشات وغيرها وليس لديه تعليمات.
يتصل السفير الفرنسي بالوزير جنبلاط، يصر عليه بالحضور الى السفارة الفرنسية، وبأنه سيرسل سيارات السفارة لمواكبته، ومنها سيارة السفير المصفّحة، يرفض جنبلاط كلياً هذا الطلب، ويشكر السفير ويقول سأبقى في منزلي في كليمنصو.
اشتدّت الأزمة، وبدأ سقوط القتلى، وتوسعت اشتباكات الشويفات بشكل سريع، مثل النار في الهشيم. وكذلك الامر على جبهة كيفون – بيصور، حيث حصل هجوم من كيفون باتجاه الحي القريب من كيفون في مدينة بيصور.
شعر جنبلاط بخطورة الامر، وشعر انها بداية لسيطرة قوة عسكرية كبرى على الاوضاع.
سأل أحد مساعديه عن موقف الجيش، فقال على الحياد. ثم سأل عن موقف قوى الامن الداخلي ماذا تفعل، فأجابوا ايضاً لا وجود لها، وعلى الحياد.
عاد الخط الهاتفي من باريس يطلب من جنبلاط مغادرة منزله في كليمنصو الى السفارة الفرنسية، فرفض الوزير جنبلاط رفضاً قاطعاً، وقال «لن اخرج من هنا».
كان المستشارون والمرافقون حول الوزير جنبلاط يتلقّون الاتصالات الهاتفية من مواقع القتال، حيث يحصل هجوم من حزب الله على مواقع الاشتراكيين، وكيف ان قوات حزب الله سيطرت على بيروت.
في تلك اللحظة، قام جنبلاط الى غرفة جانبية وطلب ان لا يأتي احد اليه، واتصل برقم خاص كان معه، هو مكتب العماد الشهيد آصف شوكت، تلقّى الاتصال النقيب محمد، فأبلغه انه وليد جنبلاط، ومن الضروري ان يتحدث مع اللواء آصف شوكت، فقال له ان العماد في منزله نائم في هذا الوقت. فأصرّ عليه أن يوقظه ويقول له ان وليد جنبلاط يريد الحديث معك في شأن اكثر من ضروري واستثنائي.
تردّد النقيب محمد وأمام إصرار جنبلاط، اتصل على الخط الرباعي النقيب محمد بمنزل آصف شوكت يوم ذاك، يوم كان لواء، فاستيقظ اللواء آصف شوكت الشهيد وردّ على الوزير وليد جنبلاط، الذي أخبره بما يحصل، وبأنه لا يريد مغادرة المنزل، وان فرنسا دعته للجوء الى السفارة الفرنسية وهو لا يريد ذلك، كما ان قافلة من الجيش اللبناني مستعدة لمواكبته عن طريق مستديرة الصياد الى المديرج، الى المختارة لايصاله الى منزله في المختارة فرفض، وان الوضع في بيروت خطر، وقال له «أنا استنجد بك في هذا الوضع المتأزّم والخطر».
قال له اللواء آصف شوكت، «ابقَ معي على الخط». واخذ سماعة هاتف ثاني واتصل، لكنه ابعد السماعة التي يسمعها الوزير وليد جنبلاط، لان من طباع الرجال والشهامة والعنفوان والكرامة عند العماد الشهيد آصف شوكت ان لا يجعل احداً يربح جميله او يشعره بأنه يخدمه. انهى اتصاله العماد آصف شوكت، واتصل بجنبلاط قائلا «ابقَ في منزلك، ولا تخرج، فليس لديك اي مشكلة، وسيتحدث احدهم اليك بعد دقائق».
وبالفعل بعد دقائق، اتصل احدهم بالوزير جنبلاط، وبدأ الحديث عن حل للمشكلة، ومن اجل حل المشكلة، كان لا بد من الاستعانة بقيادة الجيش، وقيادة الجيش وقتئذ كانت مربكة في ما يحصل، لكن العماد آصف شوكت اتبع اتصاله باتصالات اخرى، جعلت الجيش يأخذ المبادرة ويتحرك على خط الشويفات وكيفون وبيروت، بالتنسيق مع القوى الحليفة.
كانت القطيعة شاملة بين وليد جنبلاط وسوريا والعماد الشهيد آصف شوكت، ومن حظ وليد جنبلاط ان إلهاماً جاءه وجعله يطلب اللواء آصف شوكت. ومن حظ وليد جنبلاط ان يردّ عليه العماد الشهيد آصف شوكت، وأن يسمعه يقول «دخيلك حضرة اللواء، انا استنجد بك، المنطقة كلها مطوّقة، ورجالي كلهم في اشتباكات ومطوّقون، والازمة كبيرة، وأنا لا استطيع ضبط الوضع. واريد ان ابقى في منزلي حفاظاً على كرامتي».
العماد آصف شوكت الشهيد قال لي ذات يوم «لك الحق ان ترثيني، وان لا تكشف أي سر اطلعت عليه منّي». لكن عذراً يا حضرة العماد الشهيد فإني لا استطيع ان اسكت عن التهجّم عليك، وانت في الدنيا الآخرة، ويوم كنت موجوداً كانوا يهابون صوتك، فاذا بهم اليوم يشمتون بموتك. لذلك كشفت جزءا مما حصل.
وأكشف ايضاً ان الوزير وليد جنبلاط بقيَ 5 دقائق يترجّى العماد آصف شوكت، والعماد الشهيد آصف شوكت يقول له «لن يحصل شيء بتاتاً، لقد انتهى الامر، ابقَ في منزلك ولا تتحرك».
وبعد دقائق اتصلت مراجع بالوزير جنبلاط وتم حل الاشكالات، باستثناء بقعة نار بقيت في الشويفات لـ4 مشايخ من جماعة داعية عمار، رفضوا التوقف عن اطلاق النار، وقاتلوا حتى ماتوا.
أرسل وليد جنبلاط قطعة أثرية لها قيمة كبيرة الى مكتب العماد الشهيد آصف شوكت، وكتب عليها عرفاناً بالجميل. فقام العماد آصف شوكت بردّ الهدية، ورفضها وأرسلها الى الوزير وليد جنبلاط.
هذه قصة وليد جنبلاط مع العماد الشهيد آصف شوكت في ليلة واحدة في 7 أيار 2008، واليوم يشمت وليد جنبلاط، المراوغ الخائف في 7 أيار من الشهيد البطل العماد آصف شوكت.
شارل ايوب
(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)