بامتلاكه شرعية تعززت بإعادة انتخابه، يحضّر الرئيس باراك أوباما نفسه لإطلاق سياسة خارجية جديدة: وبعد استخلاصه نتائج الإنهاك الاقتصادي المتعلق بالولايات المتحدة، تخلى عن فكرة أن يحكم العالم وحده. وتواصل قواته رحيلها من أوروبا وانسحابها الجزئي من منطقة الشرق الأوسط، من اجل التموقع حول الصين. في هذا المنظور، يرغب في فصم عرى التحالف الروسي الصيني، بالتشارك مع روسيا في حمل عبء الشرق الأوسط. إنه بالنتيجة على استعداد لتنفيذ اتفاق بشأن سورية، مبرم في 30 جوان/يونيو في جنيف (نشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة تتكون أساسا من قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والحفاظ على حكم بشار الأسد إذا ما صوّت شعبه على بقائه).
تواجه هذه السياسة الخارجية الجديدة مقاومة شديدة في واشنطن. في جويلية/يوليو، تم تنظيم تسريبات في الصحافة للتغطية على اتفاق جنيف وقد أجبرت كوفي عنان على الاستقالة. يبدو أن تلك التعطيلات حيكت على يد مجموعة من كبار الضباط الذين لم يقبلوا أن ينتهي حلمهم في إمبراطورية عالمية.
السيد والسيدة كيري، السيد والسيدة الأسد في غداء خاص، بمطعم دمشقي، عام 2009
لم تـُثـَر هذه القضية في أي وقت من الأوقات كما خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، لقد اتفق المرشحان الرئيسيان على التحول نفسه، ولم يختلفا إلا في كيفية تقديمه.
هل انتظر أوباما أيضا أمسية فوزه لإعطاء إشارة عن عملية تطهير أعدّت بهدوء قبل عدة أشهر.. إن استقالة الجنرال ديفيد بترايوس من مهامه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية كانت قد تنولت إعلاميا على نطاق واسع، ولكنها لم تكن سوى مقبـّل فاتح للشهية. إن رؤوس العديد من الضباط الآخرين الكبار ستمرغ في الغبار.
في البداية، ستطال عملية التطهير قائد القائد الأعلى للناتو، وقائد الـ”أي يو كوم” (الأميرال جيمس.ج. سترافيديس)، الذي ينتهي دوره، وخليفته المتوقع (الجنرال.ر. جون آلن). وستستكمل مع القائد السابق للأفريكوم (الجنرال ويليام.أ. وارد)، وخليفته منذ سنة (الجنرال كارتر هام). وسيتوجب عليها أن تجرف سيد الدروع الواقية من الصواريخ (الجنرال باتريك. ج. أوريلي) وآخرين من ذوي الرتب الأقل أهمية.
في كل مرة، كان الضباط الكبار يتهَمون بقضايا أخلاقية، أو بالاختلاس. لقد أتخِمت الصحافة الأميركية بالتفاصيل الدنيئة حول مثلث الحب الذي تورط فيه بترايوس، آلان، وكاتبة السيَر بولا برودويل، مع التجاهل أن هذه المرأة هي كولونيل من المخابرات العسكرية. في جميع الاحتمالات، تم اختراق الجنرالين بها لإسقاطهما.
وسبق عمليةَ التطهير في واشنطن في جويلية/يوليو إبعادُ المسؤولين الأجانب الذين عارضوا السياسة الجديدة وتورطوا في معركة دمشق. سار كل شيء كما لو أن أوباما ترك التنظيف يتم. نفكر، على سبيل المثال، في الوفاة المبكرة للواء عمر سليمان (مصر) الذي جاء لإجراء فحوص في مشفى أمريكي، أو الهجوم على الأمير بندر بن سلطان (المملكة العربية السعودية)، بعد ذلك بسبعة أيام.
يبقى على باراك أوباما أن يؤلف حكومته الجديدة بإيجاد الرجال والنساء القادرين على قبول سياسته الجديدة. إنه يعتمد في المقام الأول على المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة، والرئيس الحالي للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري. وسبق أن رحبت موسكو بتعيينه. قبل كل شيء، ومن المعروف أن كيري “معجب الرئيس بشار الأسد” (واشنطن بوست) وقد التقاه كثيرا في السنوات السابقة .
يبقى أن نعرف ما إذا كان الديمقراطيون سيقبلون بفقدان مقعد في مجلس الشيوخ، وما إذا كان كيري سيستلم حقيبة وزير الدولة أم الدفاع.
في هذه الحال، إذا ما استلم مهام وزارة الخارجية، ستكون وزارة الدفاع لأحد الرجلين: لميشيل فلورنويْ أو آشتون كارتر، التي ستواصل تقييدات الميزانية الجارية.
في حالة تولي كيري الدفاع، فإن وزارة الخارجية ستؤول إلى سوزان رايس، ما سيطرح بالتأكيد بعض المشاكل: لأنها كانت فظة جدا خلال تصويتات الفيتو الروسي والصيني الأخيرة، و لا تبدو ذات برودة أعصاب لتولي هذا المنصب. وعلاوة على ذلك، يسعى الجمهوريون إلى عرقلتها.
إن جون برينان، المعروف بأساليبه الوحشية والقذرة للغاية، قد يصبح المدير المقبل للاستخبارات المركزية الأمريكية، وعليه ستقع مهمة طي صفحة سنوات بوش، وذلك بتصفية الجهاديين الذين عملوا لحساب الوكالة، وتفكيك المملكة العربية السعودية التي لم تعد ذات فائدة. وفي حال لم يحدث ذلك، ستوكل المهمة إلى ميكاييل فيكرز، أو ميكاييل موريل، رجل الظل الذي كان إلى جانب جورج وولكر بوش، ذات 11 سبتمبر، وأملى عليه تصرفاته.
ويمكن للصهيوني –ولكنه ليس أقل واقعية- أنطوني بلينكن أن يصبح مستشارا وطنيا للأمن. يمكنه أن يعيد بعث خطته التي وضعها في عام 1999 بشيفردزتاون لبيل كلينتون: صنع السلام في الشرق الأدنى بالاعتماد على الفكر الاستراتيجي للرئيسين (الأسد).
قبل تعيين الحكومة الجديدة، تجسد التحول السياسي مع استئناف مفاوضات سرية مع طهران. وفعلا، يتطلب الوضع الجديد التخلي عن سياسة عزل إيران، والاعتراف أخيرا بالجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية. أولى النتائج: لقد استؤنف بناء خط أنابيب غاز يربط حقل ساوث بارس، وهو الأكبر في العالم، بدمشق والبحر الأبيض المتوسط ثم أوروبا. إن استثمار 10 مليارات دولار لن يكون مربحا إلا بسلام دائم في المنطقة.
وهكذا، تخلط سياسة أوباما الخارجية الجديدة أوراق الشرق الأوسط في عام 2013 عكس ما ذهبت إليه وسائل الإعلام الغربية والخليجية.
تييري ميسان
(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)