Site icon سيريان تلغراف

مذكرات صاروخ .. ومذكرات نعجة .. بقلم نارام سرجون

قبل أن نستأنف رحلتنا في البحث والتنقيب في أحداث الشرق لابد من أن نعرج مرة أخرى على أكثر ماأثار مشاعرنا هذه الأيام فخرا أو حنقا .. وهما ..تناقص الصاروخ والنعجة .. فاختلسنا النظر الى بعض أوراق تخص الصاروخ .. وبعض أوراق تخص نعجة تباهي أنها نعجة بين النعاج .. فلنقرأ المذكرات ..

مذكرات صاروخ:

اسمحوا لي أن اقدم لكم نفسي لأنني صرت هذه الأيام مالئ الدنيا وشاغل الناس .. وبالرغم من أن الأضواء تحرجني الا أن الفضول الذي أحاط بي يدفعني لأن أقدم لكم نفسي وأن أزيل بعض التراب الذي غطاني وأنا في المخازن وتحت الأرض ..

اسمي فجر .. واسم أمي ثورة واسم أبي رضوان .. ومكان ولادتي ايران .. لكني نشأت وترعرعت في سورية حيث تلقيت علومي ونلت شهاداتي ونجحت في كل امتحاناتي .. وعشت شبابي وأجمل أيام عمري في جنوب لبنان حيث عشت كالأمير في “الكلية الحربية للصواريخ” لأتعلم فنون الطيران لمسافات بعيدة قبل الانقضاض .. وقد تخرجت منها بمرتبة الشرف .. وحصلت على عملي في غزة التي انتقلت للعيش فيها منذ سنوات قليلة ..

ومكان اقامتي هو منجم من مناجم غزة السرية .. ولي فيها أصدقاء كثر ..صديقي قسام وصديقي غراد وصديقي م75 وصديقي كاتيوشا وصديقي كورنيت وآخرون… كانت رحلتي الى غزة طويلة ووصلت بي الى أعالي النيل .. وكنت أسافر ليلا وأتجنب ضوء النهار وفضول الفضوليين .. ولم أدخل غزة من بواباتها المصرية المقفلة بل من الأنفاق المظلمة حيث حملني على كتفه رجل من جنوب لبنان .. حملني وكان يلهث لكنه لم يتركني حتى وصلت مسكني الجديد في أحد المناجم الغزاوية .. وقد نمت من شدة الارهاق وطول الرحلة فلما كان الصباح لم اجد ذلك الصديق الذي تحمل مشقة السفر معي فقد غادر عائدا الى حيث الكلية الحربية للصواريخ ليحمل بعضا من رفاقي الى غزة .. وكم حز في نفسي أن يعود دون أن اعانقه وأن قبل جبينه وأن اقول له بأنني أحبه ولاأنسى فضله .. فأمثالي لاتنكر الصداقة والخبز والملح وشقاء الأسفار مع الأخيار ..كما يفعل البعض هذه الأيام..

بقيت في غزة ردحا من الزمن وكنت أرى بأم عيني مخلوقات تطير في السماء تلقي بالقنابل على الناس .. أشكالها مقيتة ويبدو عليها الصلف والغرور وقسوة القلب .. شاهقة عالية لاتنال .. ندمت مرارا أنني لم ألتحق بالكلية الجوية لأصبح صاروخا شبيها بصواريخ سام كي أثب اليها وأنزلها من تلك الابراج العالية .. وكم تمنيت أن يسمح لي بمغادرة موقعي لتنفيذ مهمة ثأرية لكن لم يكن الوقت قد حان ..

واليوم جاءت تلك الطائرات البغيضة الشرسة التي تلقي على الناس النار بجنون .. واذ بأمر عمليات يصدر بتكليفي بمهمة عاجلة ..

أخيرا ومن بعد الصبر سأخرج وأنفذ مهمة .. أخيرا سأثبت لأمي وأبي واساتذتي في الكلية الحربية أنني رجل وأنني “فجر” ابن الثورة والرضوان ..

ارتديت الزي الرسمي المبرقع .. ووقفت باستعداد أنظر الى السماء ..وقلبي يغلي ودقات قلبي لم تتسارع كما تسارعت اليوم ووجهي لم يحمر كما اليوم .. لم أمر بهذه اللحظات والانفعال الا عندما نجحت في امتحاني النهائي في سورية ..ففي الامتحان يكرم المرء أو يهان ..

انتظرت أوامر الانطلاق في مهمة كوماندوس وأنا على أحر من الجمر.. والمهمة هي أن أصفع وجه فاجرة اسمها “تل أبيب” وأدمي أنفها وأذلها .. وان أركل مستوطنات بعينها في بطنها وخصرها ..

طال الشوق للسماء .. من السماء سأرى مالا يرى .. ومن السماء وفي الأعالي سأرى بيتي ومدرستي الابتدائية في دمشق .. وسأرى بيت الشباب في جنوب لبنان ..أطلقوني ..أطلقوني ..ان توقي للسماء لاحدود له

وأخيرا .. جاءت ساعة الصفر .. ومددت أجنحتي .. ووثبت الى السماء وصوتي يهز غزة وأنا أغني أغاني المحاربين في الحرب ولحن (خلي السلاح صاحي ..صاحي ..صاحي) ….كنت كالجواد والبراق الذي يدق بحوافره وسنابكه دروب السماء ..فأثير الغبار خلفي بسرعة .. وأرسم خطا من الغبار والنار..هو الخط بين السياسة والخيانة ..

في السماء سمعت أصوات يحي عياش وعبد العزيز الرنتيسي وهادي نصر الله وعماد مغنية وأحمد ياسين وسناء محيدلي ومالك وهبة وكثيرين .. وسمعت أصوات أساتذتي داود راجحة ..وآصف شوكت ..وحسن تركماني .. وسمعت صوت جول جمّال وعز الدين القسام .. هذه الأصوات التي كانت تهلل لي وتحييني وتلوح لي من السماء ..جعلتني أسرع في تحليقي .. حذرتني الأصوات من قبة حديدية قد اصطدم بها .. لكن اجتاحني شعر غامر بالنشوة وأنا أسمع على الأرض صوت عويل تل أبيب وصراخها وصفارات الانذار .. ورأيت وجهها الأصفر وعيونها المذهولة كعيون الثعابين من رؤيتي عابسا من السماء .. فقررت في لحظة أن أتحول الى كاميكاز .. مثل الاستشهاديين الذين سبقوني الى السماء .. لم يعد يرضيني أن أصفع وجه تل أبيب تلك الغانية الفاجرة .. بل سأنفجر في وجهها وأنسفه ..وأدميه وأحرق شعرها الأسود .. ولسانها المشقوق وأكسر رأسها .. وأستشهد ..

وفي آخر ثلاث ثوان في حياتي وهي المسافة بيني وبين الأرض .. كتبت وصيتي لأمي وأبي ولغزة وقلت فيها: انني لن أعود .. لكن قلبي الآن منغرز في فلسطين كبيوت أهل القدس .. فلا تصالحوا .. لاتصالحوا .. لاتصالحوا .. وان همس لكم الشيطان فاقطعوا آذانكم .. وان همس لكم عيال الشيطان ولصوص الصواريخ وتجارها (؟) في القاهرة وأصدقاء أردوغان فاقطعوا ألسنتهم ..وان أراد العرب بيع جسدي وأجنحتي وقلبي ونيراني وصوتي فلا تبيعوني ..فان مات قلبي ماتت غزة ومات الشرق .. وآخر وصيتي لكم هي:

خلي السلاح صاحي ..صاحي ..صاحي….

خلي الصاروخ صاحي ..صاحي ..صاحي..

خلي الضمير صاحي ..صاحي ..صاحي..

——————————

مذكرات نعجة:

اسمي حمد بن جاسم .. وأنا خروف معلوف .. ولكني منذ أن تم اخصائي صرت أعيش بين النعاج العربية ..لي قرنان صغيران واحد على اليمين اسمه قرضاوي وآخر على الشمال اسمه عزمي .. وأما إليتي فاسميها “الفيصل القاسم” لأنها تفصل حياتي عن مماتي..وتفصل ريح “الاتجاه المعاكس”.. ..

ولدت في قطر .. واسم أمي بسوس .. وجاسم ليس أبي .. لأنه لاأب لي فأنا ابن أبيه .. وقد تحدرت من أصول داحس والغبراء .. أقيم في “جزيرة” يحكمها وحيد قرن (كركدن) قرنه “موزة” .. وهذه من معجزات الخالق تبارك وعلا .. ولكن بيتي في نهاريّا حيث زوجتي الاسرائيلية ..

تلقيت تعليمي الابتدائي في مدارس الأمريكان الذين سقوني حليب الأتان ..ولكني لم أكمل دراستي فالنعاج لاتحتاج العلم والشهادات طالما أن أقصى ماتريده هو الثغاء والغباء..

منذ ولدت حملا جميلا لأمي وأنا أكره نفسي وأحتقرها .. وأحس أنني حاقد على الناس .. لأنهم لايحترمون النعاج رغم أننا معشر النعاج لانؤذي ولاهم لنا الا ارضاء الناس .. نطعم لحمنا للناس .. ونسلخ جلدنا للناس .. ونخلع صوفنا للناس..

العيش بين النعاج جميل ومريح وليس فيه مشاكل ..ولدي أصدقاء كثيرون .. نعجة في مصر ونعجة في تونس .. ونعجة في ليبيا .. ونعاج كثيرات ..من المحيط الى الخليج .. ونحن نجتمع في نادي النعاج الذي يسمى (الجامعة) .. ونعجتنا البيضاء “النبيلة” تحبني كثيرا .. وتجلس بجانبي دوما ولاتعصي لي أمرا .. وكلما رأيتها غنيت لها:

يانعجتي البيضاء .. يازينة النعاج …. ترعين في الرمضاء والظل للمحتاج

وخلافا لكل النعاج في الدنيا فان صديقي الأول ذئب اسمه “نتن” وهو ابن “ياهو” .. ولحم أكتافه من اخواني الخراف الصغيرة التي أبعثها له مشوية بالحرية والطائفية والثورجية ..التي أحتفظ له بها في زريبة الربيع العربي ..حيث الحلم الأخضر .. والحرية .. والله أكبر..

وأكره من المخلوقات الأسود .. وأرتجف من سماع زئيرها .. وأكره ملاقاتها .. وأسأل الله أن يكون مصيرها كمصير الديناصورات .. وأن تحط عليها النيازك وتريحني من زئيرها .. وبالذات ذاك الأسد الشرس الشرير الذي يتجول بين بلاد الرافدين وشواطئ البحر المتوسط ويسكن قمة الشام .. هو ابن آشور وبابل وترعرع في بيت أوغاريت .. لقد رأيته بأم عيني يقصم ظهر ضبع من ابناء عمومة صديقي “نتن” ابن “ياهو” ويعفر وجهه بالطين في أرض العراق ..

وكانت من اكثر اللحظات حرجا في حياتي هي عندما اعتقدت أن الصوف حول عنقي يمكن أن يسرّح ليكون مثل لبدة الأسد فقصدت صالون حلاقة اسمه (حماس) يديره حلاق اسمه خالد مشعل عاش يوما في عرين أسد وهو يعرف لبدة الأسد .. فمشط لي فروة الصوف لتبدو مثل لبدة الأسد .. ولكن هيهات أن تصنع من الصوف لبدة أسد ..فقد صرت سخرية للقطعان والنعاج ..

ولعل أقسى ذكرياتي على الاطلاق هي عندما حاولت أن أخيف هذا الأسد بقروني الثورية .. فنظرت الي غاضبة جماعات الأسود من سيبيرية والقوقاز وحتى هرمز وبلاد الشام .. فجفلت .. وبللت عباءة الصوف التي أرتديها بللا لم يبلله خروف قبلي وأنا أستغيت بصديقي الذئب وأهله الضباع .. آه ياأخي من نظرات الأسود الى النعاج .. آه كم حياة النعاج “هنية” .. وكم هي صعبة حياة النعاج ..

أذكر حكمة قالتها أمي البسوس لابد أن أقولها لكم في نهاية هذه القطعة من مذكراتي وهي: ان من أسهل الأمور أن تكون نعجة .. وليس من الصعب أن تصادق النعاج ذئبا .. ولكن من الصعب أن تصنع من الصوف لبدة كلبدة رأس الأسد .. ومن أصعب الامور أن تعيش بين الأسود .. أو أن يحترمك أسد ..وأن يخشاك شعب الأسد.

نارام سرجون

Exit mobile version