تحت عنوان “غربيون يقدرون عديد «الجهاديين» بثلث المقاتلين على الجبهات المسلحون السوريون يجتمعون في الرياض لإعادة هيكلة مجموعاتهم” أشار الكاتب محمد بلوط ان «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية» لم يضيع الوقت لإنضاج الشروط المطلوبة أوروبيا وأميركيا للحصول على أسلحة نوعية وتغيير ميزان القوى العسكري مع النظام السوري.
وبحسب مصدر في قيادةميليشيا «الجيش السوري الحر»، تعكف منذ ستة أيام في الرياض هيئة موسعة لدراسة سبل إعادة هيكلة المعارضة السورية المسلحة ومجموعاتها. ويشارك في اجتماعات الرياض، التي كانت قد بدأت بالتوازي مع اجتماعات الدوحة الأسبوع الماضي ضباط من الولايات المتحدة والأردن وقطر ودولة الإمارات وتركيا والسعودية وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وقال المصدر إن ممثلين عن «قيادة الداخل في الجيش الحر» يشاركون في الاجتماعات وجناح رياض الأسعد واللواء مصطفى الشيخ علي وضباط من الألوية التي تقاتل على الجبهات الخمس في حلب وحمص وحماه وريف دمشق ودرعا. ويعد المجتمعون هيكلية عسكرية لتوحيد الألوية المقاتلة ووضعها بإمرة وقيادة «الائتلاف» الجديد، وتشكيل مجلسه العسكري، بالإضافة إلى تشكيل مجلس أمن وطني يبدأ منذ الآن بالنظر في عمليات إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية السورية.
وأضاف المصدر السوري انه بالتوازي مع الاجتماعات، استعاد «الجيش الحر» المبادرة على الأرض في ريف دمشق وأن عمليات الإمداد قد نجحت في إيصال كميات كبيرة من الأسلحة بلغت 20 شاحنة إلى الحلقة القريبة من العاصمة، حيث يتجمع أكثر من 20 ألف مقاتل معارض.
وقال معارض سوري بارز إن ديبلوماسيين أميركيين في باريس أبلغوه أن تقارير الاستخبارات الأميركية في المنطقة تشير إلى احتمال خروج الجيش السوري نهائيا من مناطق واسعة من الشمال السوري، وأنه يجري العمل بسرعة على تجميع المجموعات المسلحة السورية، وأنه لم يتخذ أي قرار أميركي حتى الآن بصدد تسليح الهيكلية الجديدة التي سيشرف عليها «الائتلاف» المولود في الدوحة. وأبلغ الديبلوماسي الأميركي المعارضة السورية أن مسألة مواجهة الجهاديين داخل المعارضة المسلحة يطرح مع القيادات السورية المعارضة، لكن أحدا لا يجرؤ على اتخاذ قرار واضح بمواجهتها حتى الآن.
ولان هاجس عزل «الجهاديين» داخل المعارضة المسلحة بات يطرح بقوة لدى «أصدقاء سوريا» والغربيين عامة أكثر مما يطرح في صفوف المعارضة السورية نفسها، قال لـ«السفير» ديبلوماسي فرنسي يعمل عن قرب مع المعارضة السورية ويشرف على إعادة هيكلة مؤسساتها أن «الائتلاف السوري الجديد قد يكون الفرصة الأخيرة للمعارضة السورية وللمعتدلين خاصة، وإذا لم ينجح الائتلاف (حيث أخفق المجلس الوطني قبله) فلا يذرفن أحد دموع التماسيح على سوريا وعلى الفوضى التي ستعمها، لان الآخرين من الجهاديين سيسيطرون على الأوضاع».
وعما إذا كان المجلس العسكري و«الائتلاف» السوري الذي يقوده سيقوم بعملية تنظيف البيت المعارض من الجماعات «القاعدية» في الشمال السوري خاصة من جماعات غرباء الشام و«جبهة النصرة»، قال المصدر الديبلوماسي، الذي رافق المفاوضات لتشكيل الائتلاف الجديد في الدوحة لـ«السفير»، إن «القيادة الجديدة ستقوم بذلك طبعا، ولكن شرط تنظيف البيت المعارض من القاعدة هو دعم إعادة الهيكلة التي يقوم بها الائتلاف».
وعن التناقض في مطلب تطهير المعارضة من «القاعدة» ومواصلة قطر والسعودية تسليح وتعزيز الجماعات «الجهادية» السلفية على حساب كتائب «الجيش الحر المتفرقة»، لا يبدو أن الديبلوماسيين الفرنسيين توصلوا إلى إقناع حلفائهم بوقف تزويد هذه المجموعات بالأسلحة. واكتفى المصدر بالقول «إننا نتحدث إليهم في المسألة، ولكن من دون جواب».
وشرح الديبلوماسي الفرنسي التصور السائد في عملية توحيد «الجيش الحر» والمعارضة المسلحة بأنها ستتم من تحت إلى فوق. وكانت المقاربة الماضية في تأليف مجالس عسكرية وتركيب ضباط منشقين على هياكل معظمها مدني أو لا ألفة لها بالعمل العسكري قد أخفق، فضلا عن التنافس العلني بين اللواء مصطفى الشيخ والعقيد قاسم سعد الدين على قيادة الجبهات الخمس السورية ومجالس المحافظات العسكرية، وتهميش رياض الأسعد بعد إخراجه من تركيا، بينما تقيم مجموعة كبيرة من الضباط، تقارب الـ300، شبه إقامة إجبارية في معسكر أردني في السلط. وينتظر مئات آخرون في معسكرات قرب أنطاكيا تشكيل وحدات عسكرية يلتحقون بها. وكانت تركيا قد رفضت خلال المفاوضات على توحيد هذه المجموعات أن ينتقل عدد كبير من هؤلاء الضباط إلى معسكرات لهم في السعودية.
وتجري رهانات كبيرة على طريقة التوحيد الجديدة التي تجري دراستها في الرياض، بعد أن سقطت فكرة قيادة العميد مناف طلاس «الجيش الوطني السوري» لاتهامه بعلاقة قوية مع أطراف المعارضة من غير المجلس الوطني كهيئة التنسيق والمنبر الديموقراطي، وهي أيضا المحاولة التي أجراها اللواء محمد الحاج علي من الأردن بدعم قطري من دون نجاح.
وللمرة الأولى يجري مشرفون غربيون على عمل المعارضة السورية تقييما كميا لحضور «الجهاديين» على جبهات القتال، بتقريبه من نسبة تزيد أو تنقص عن الثلث، ممن لا يمكن الوثوق بهم، على العكس مما كانت تقوله المعارضة والمجلس الوطني من هامشية الاتجاه «القاعدي» في صفوف مقاتليها. وقال الديبلوماسي الفرنسي إن عملية التوحيد المقبلة ستعتمد فرز ما نعتقد انه ثلثان أو أكثر من المقاتلين على مستوى البلدات أو المدن الصغيرة، وتوحيدها مع الوحدات الأقرب إليها في تلك المدن أو الأحياء في قيادة مشتركة، صعودا نحو تجمعات أكبر وتزويدها من تحت إلى فوق بهيكليات وشبكة أركان وتنسيق، تختار قياداتها، وعزل الثلث المتبقي من المقاتلين الذين لا نثق بأجنداتهم أو خطابهم.
وشرح الديبلوماسي الفرنسي تأخر الأميركيين بالاعتراف كفرنسا «بالائتلاف» الجديد بأن المقاربة الأميركية للائتلاف هي انه لن ينال الاعتراف قبل استكمال إنشاء ثلاث كيانات ضرورية لإطلاق ديناميكية سياسية جديدة، تؤكد للمعارضة أن «الائتلاف» هو فرصتها الأخيرة، قبل أن يعم العمل المعارض وسوريا الفوضى.
وقال الديبلوماسي الفرنسي إن الأميركيين ينتظرون من «الائتلاف» أن يستكمل أولا بناء المجلس العسكري الذي يشرف على توحيد المقاتلين وان يعمل ثانيا على تكوين لجنة قضائية تكون مهمتها على الأرجح التمهيد لكتابة دستور جديد واستصدار قوانين ومراسيم تساعد «الحكومة الانتقالية»، وعلى «الائتلاف» أن ينجز هيئة تنفيذية تنبثق عنها «حكومة مؤقتة» لإدارة المناطق المحررة. وأضاف الديبلوماسي أنه يجب عدم انتظار تغيرات سريعة في الموقف من تسليح المعارضة السورية ورفع الحظر الأوروبي، لتعقيدات قانونية وسياسية.
وقال معارض سوري بارز، التقى مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، إنه باستثناء باريس لا يبدي الأوروبيون حماسة كبيرة لإرسال أسلحة إلى المعارضة السورية، ليس خوفا من سقوطها في أيدي غير أمينة من «قاعدة» وغيرها وإنما لاعتقاد الأوروبيين المستمر أن الحل العسكري في سوريا غير ممكن، وان التسلح سيطيح أجهزة الدولة السورية والجيش السوري، ويزيد من احتمالات انتقال العدوى السورية إلى لبنان والأردن. وكان وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس قد ربط رفع الحظر بموافقة الاتحاد الأوروبي.
ويبدو الرهان على «الائتلاف» كبيرا نظرا لتسارع نمو «الجهاديين» وتعاظم دورهم في العمل العسكري. ويبدو «الائتلاف» حالة متقدمة على المجلس الوطني هيكليا، لأنه يعتبر جسما تمثيليا وتنفيذيا للمعارضة السورية، وهو ما لم يستطع المجلس الوطني السوري القيام به.
وتتجه الترجيحات في موازاة اجتماعات الرياض إلى تشكيل «حكومة مؤقتة تكنوقراطية» إلى تعيين رياض حجاب رئيسا لها. ويقول مصدر إن الأميركيين يفضلون رئيس الوزراء السوري المنشق لمعرفته لكوادر الإدارة السورية الحالية وقدرته على اجتذاب الاختصاصيين منهم إلى صفوف تلك الحكومة. وقال مصدر سوري معارض إن اتصالات تجري مع بعثيين سابقين يقيمون في عواصم عربية وغربية للانضمام إلى الحكومة التي قد يتجاوز عدد أعضائها العشرة المقررين أصلا إلى 15 عضواً.
وقال مصدر فرنسي إن إحدى نقاط الاختلاف الكبيرة بين المجلس و«الائتلاف» الجديد هي مسألة من يتحكم بأموال الإغاثة وتوزيع التمويل، وأن إبقاء الإخوان المسلمين قبضتهم على تلك الأموال ستعقد العلاقات بين رأسي المعارضة السورية، رغم التهميش المتزايد للمجلس الوطني.
وقال مصدر في المعارضة السورية في باريس ان خلافا كبيرا يدور بين «الإخوان» و«الجيش الحر» على مبلغ 16 مليون دولار تلقاها المجلس في الأسبوع الأول من أيلول الماضي، موضحا أن محاسبة المجلس أصدرت لائحة بالنفقات توقفت عند آب الماضي، وتجاهلت المبلغ الذي قدمته ليبيا، والذي طلبت فيه تخصيص عشرة ملايين لـ«الجيش الحر». وفي الخامس والعشرين من أيلول زار وفد من «الجيش الحر» مقر المجلس الوطني بالقرب من مطار اتاتورك في اسطنبول، وطالب نائب رئيسه محمد فاروق طيفور بإعادة المبلغ إلى «الجيش الحر». ويبدو أن طيفور قد وعد آنذاك بتلبية الطلب، ولكن العشرة ملايين التي طالب فيها وفد الضباط القادم من المنطقة الوسطى لا تزال في عهدة نائب المراقب العام للإخوان المسلمين التي ينفق منها كما قال المعارض السوري على لواء التوحيد في حلب «التابع للإخوان» والجماعات المقربة منهم.
سيريان تلغراف