Site icon سيريان تلغراف

السفير : تحلل عبارة الرئيس الأسد عن كلفة غزو سوريا

قالت صحيفة السفير اللبنانية أن العبارة التي نطق بها الرئيس بشار الأسد في مقابلته مع قناة «روسيا اليوم»، وتناقلتها وسائل الإعلام، باعتبارها تهديدا بتصعيد أكبر في الأزمة السورية، تعود لعمق تفكير النظام السياسي في سوريا منذ ستينيات القرن الماضي.

وأضافت الصحيفة: تشكل هذه النظرة في واقع الأمر، الأساس الذي بنى عليه الرئيس الراحل حافظ الأسد بنيانه، ونظرته لأفق مستقبل البلاد في العقود الخمسة التي مضت.

وقالت الصحيفة في تحليل كتبه الصحفي زياد حيدر:

لهذه الرؤية قصة معروفة، وواقعية جرت بين الأسد الأب وأحد أقربائه المشاكسين. ففي تسعينيات القرن الماضي جرت مباراة بين فريقين محليين في إحدى مدن الشمال الشرقي، حيث الغالبية من النسيج الكردي. إثر المباراة جرت مشاجرة تطورت لاستخدام السلاح، وقتل أبرياء، ما يشبه حينها اشتباكا عربيا ـ كرديا على مستوى ضيق. كان أحد أفراد العائلة الكبيرة للرئيس الأسد مساهما بشكل ما في الحادثة، فانزعج الأسد حين وصلت إلى مسامعه، وطلب أن يغادر القريب البلاد نهائيا. وهذا ما جرى.

بعد سنوات وخلال زيارة لباريس تذكر الرئيس الأسد القصة فطلب قريبه المنفي في المدينة، وبادره بما يشبه التالي: أعرف أنك منزعج، لكن ليكن ذلك درسا لك. «إن من يسعى لهز استقرار سوريا كأنه يسعى لهز استقرار الكون كله. تذكر استقرار الكون من استقرارنا».

لقد قال الرئيس بشار الأسد بنوع من الثقة في لقائه التلفزيوني، ردا على سؤال حول احتمال غزو سوريا، «أنا أعتقد أن كلفة مثل هذا الغزو، لو حدث، ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها، لأنه إذا كانت هناك مشاكل في سوريا، خصوصاً أننا المعقل الأخير للعلمانية والاستقرار والتعايش في المنطقة، فإن ذلك سيكون له أثر الدومينو، الذي سيؤثر في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. وتعلمين تداعيات ذلك على بقية أنحاء العالم. لا أعتقد أن الغرب يمضي في هذا الاتجاه، لكن إذا فعلوا ذلك، فلا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث بعده».

إن الرئيس الأسد الأب بنى سياسته على هذه القناعة. فعلى الرغم من أن القليل من الجهد بذل لتحويل التعايش بين مكونات النسيج السوري تعايشا تآلفيا طبيعيا، ومبنيا على عقلية اجتماعية منفتحة وشفافة، إلا أن الكثير بذل من أجل ألا ينفلت أي شكل من أشكال الكراهية المذهبية أو الإثنية من عقاله، أيا كانت الأسباب. وقد ظل الرئيس حافظ الأسد حتى رحيله يخشى النموذج اللبناني، وما هو على شاكلته في سوريا، وكثيرا ما نظر إليه كتهديد حقيقي لسوريا ومحيطها.

وأضافت الصحيفة: كلام الرئيس بشار الأسد الحالي لا يستند الى فهم سوريا كتكوين اثني ومذهبي وتشتت ديموغرافي فقط، وإنما ايضا عبر روابط هذا التكوين بمحيطه القريب والبعيد، والذي يجعل من سوريا مفككة، أو ذات سلطة مشتتة، ومجموعة من القوى المتناحرة على أقل تقدير، تتبع بولاءاتها لنظم إقليمية ودولية متنافسة بدورها. وفي وسط الحمى المذهبية المنتشرة بكثافة، يتحول هذا التشرذم الى كابوس يمكن أن يمتد ضغطه الأمني للعالم البعيد ايضا. الأمر الثاني الذي يمكن لمن يتابع التطورات الأخيرة لمسه من حديث الأسد، هو المرتبط بالشأن العسكري، واحتمالات التصعيد الجدية دوما، لا سيما أن آثار المعارك لم تعد مقتصرة على تركيا ولبنان والأردن، وإنما بدأت تطال القوات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، الأمر الذي يمكن أن يشكل عامل إعادة حسابات دولياً، وتحديدا أميركياً.

وأضافت: ناهيك عن ذلك، تفخر سوريا، منذ زمن الراحل حافظ الأسد بمنظومة صاروخية طورت بمساعدة خارجية وبجهود ذاتية، وهي لا تشكل محط مخاوف إسرائيلية فحسب وإنما تركية ايضا، خصوصا أن شائعات سرت في منتصف عمر الأزمة، ومع دخول الأتراك فعليا في الحرب ضد سوريا، عن قيام الجيش السوري بتحريك بطاريات صواريخ باتجاه مغاير لوجهتها التقليدية، أي باتجاه عمق الأراضي التركية. ربما هذا ما دفع الأتراك (وقد يكون محاولة استغلال مخاوف إقليمية) لترويج مساعيهم عن نشر بطاريات صواريخ «باتريوت» على حدودهم مع سوريا، وهي خطوة تشير إلى احتمالات تصعيد، لا احتمالات سلام، ما دفع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، وفق تقديرات ديبلوماسية، لإلغاء مشاركته في الاجتماع الثلاثي الذي كان مجدولا غدا في أنقرة مع نظيريه التركي احمد داود اوغلو والمصري محمد كامل عمرو.

أخيرا.. قالت الصحيفة: كلام الرئيس الأسد يمكن فهمه كإنذار جديد، ولكن ليس أخيراً، لاحتمالات أن ينفلت الرصاص أكثر وباتساع. من الصعب فهمه بسياق آخر.

سيريان تلغراف

Exit mobile version