اجرت وكالة “نوفوستي” وصحيفة “موسكوفسكيه نوفوستي” ومجلة”روسيا في الشؤون الدولية ” يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني مقابلة مع سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، وطرحت عليه بعض الاسئلة حول القضايا الدولية ومن بينها القضايا العربية، وبالاخص حول الازمة السورية.
س – لقد عدتم الان من الشرق الاوسط حيث ادليتم بتصريحات حادة وجدية ومن بينها تقييم القرار الذي يعد لمجلس الامن الدولي حول سورية. ماهو السبب الاول لمثل هذه التصريحات؟
ج – لغاية هذا الوقت لم يعد أي قرار. ولكن دائما يلوموننا، لان روسيا تقف ضد اتخاذ أي قرار بشأن سورية في مجلس الامن الدولي. عن أي قرار الحديث؟ الجواب واضح. قرار يهدد باستخدام العقوبات ضد الجانب الذي لا يوافق على وقف العمليات الحربية. ويقول شركاؤنا الذين يلوموننا، بانه دون أي خيار وفي جميع الاحوال على بشار الاسد التنحي، ويجب على المعارضة الاستمرار في مقاومته. ويعلنون بكل صراحة ان المعارضة ستستمر في استلام المساعدات المالية والعسكرية من خلال توريد الاسلحة لها.
نحن نريد ان نفهم كيف يمكن ربط الدعوة لاتخاذ قرار موجه الى كافة اطراف النزاع في سورية يتضمن وقف اعمال العنف، بتصريحات المعارضة بضرورة تنحي الاسد دون قيد او شرط، على ان تستمر المعارضة في الحصول على الدعم الدولي لغاية بلوغ هدفها المنشود. ليس هناك أي جواب على هذا السؤال. من هنا نستنتج انهم يحاولون جرنا الى مناقشات في مجلس الامن الدولي، التي سينتج عنها دعم مجلس الامن الدولي لاحد اطراف النزاع. لقد عشنا هذا الشيئ ونعرف كيف يستخدم شركاؤنا تحريف قرار مجلس الامن الدولي وكيف ينفذون ما لا يسمح به القرار. لذلك فان هذا الوضع معروف لنا جيدا.
لقد تحدثت عن ذلك في مصر والاردن، لان موضوع سورية كان احد المحاور الرئيسية في المباحثات مع الرئيس المصري محمد مرسي ووزير الخارجية ومحمد عمرو ونبيل العربي الامين العام لجامعة الدول العربية والاخضر الابراهيمي المبعوث المشترك للمنظمة الدولية وجامعة الدول العربية الى سورية. اما في الاردن فقد التقيت الملك عبدالله الثاني وناصر جودة وزير الخارجية وكذلك رئيس وزراء سورية السابق، المعارض حاليا رياض حجاب المقيم حاليا في عمان. لقد اجريت معه لقاء، كما نلتقي كافة المعارضين السياسيين في موسكو، من اجل حثهم على تنفيذ القرارات التي تم التوصل اليها في لقاء جنيف في 30 يونيو/حزيران من السنة الجارية، بحضور الاعضاء دائمي العضوية في مجلس الامن الدولي وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي وتركيا وسورية وكوفي عنان المبعوث المشترك للمنظمة الدولية وجامعة الدول العربية الى سورية انذاك. ان الهدف من ذلك هو اجبار الجميع – الحكومة والمعارضة – على وقف اعمال العنف والجلوس الى طاولة الحوار من خلال ممثليهم والاتفاق على مؤشرات عمل ما يسمى بـ “السلطة الانتقالية في سورية” وتركيبتها على اساس الاتفاق المتبادل. هذا ما تضمنه البيان الختامي للقاء جنيف.
ان هذا هو ما نبحثه خلال اتصالاتنا مع الحكومة ومع المعارضة، حيث نطلب منهم نفس الشيئ تماما. ولكن للاسف ان بعض المشاركين في لقاء جنيف لا يرغبون في التباحث مع الحكومة، وبالمقابل يقولون للمعارضة “انتم على حق واستمروا حتى النصر نهائيا”.
لقد تحدثت مرارا عن هذا الامر، فاذا كانت الاولوية لوقف اعمال العنف، فانه من دون أي قرار يجب تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جنيف. ان على كل لاعب خارجي ان “يضغط” على ذلك الطرف الذي يمكنه التأثير فيه. من الضروري ان نقوم بذلك في وقت متزامن وجدية واجبارهم على وقف اطلاق النار. انا واثق ان هذا في استطاعتنا. ولكن هذا ممكن فقط اذا كانت الاولوية هي حماية ارواح السوريين.
اما اذا كانت الاولوية مجازا هي “رأس بشار الاسد” وتنحيه او اسقاطه، فان اصحاب هذا الموقف يجب ان يدركوا انهم سيدفعون ثمن ذلك، ولكن ليس حياتهم بل حياة السوريين. لان الاسد لن يتنحى ولن يرحل. اذ لا يمكن اقناعه باتخاذ مثل هذه الخطوة. وهو يسمع كيف يوصف من قبل زعماء الغرب وبعض الدول العربية والدول المجاورة التي تهدد بكل ما هو ممكن. انه يريد ان يقاتل حتى النصر النهائي كما المعارضة. الغرب يحث المعارضة على ذلك، اما الاسد فقد اتخذ قراره بنفسه والقتال حتى النصر النهائي، على الرغم من انه لن يكون هناك نصر. امس استمع مجلس الامن الدولي الى تقرير سكرتارية الامم المتحدة حول الوضع في سورية، المتضمن النتائج التي توصل اليها الاخضر الابراهيمي في هذه المرحلة، والتي تفيد بان طرفي النزاع ينويان الاستمرار في القتال حتى النصر النهائي.
ويستنتج الابراهيمي بانه لن يكون هناك أي انتصار. وهذا يعني ان الحرب ستكون حرب استنزاف وقتل الناس وتدمير القيم الثقافية والاثار والمعالم المعمارية التاريخية في حلب التي تقع تحت حماية منظمة اليونسكو. هذا كل ما يمكن قوله حول الموضوع.
يجب ان يكون الجميع صادقين وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. واذا ليست هناك رغبة باجبار طرفي النزاع على تنفيذه في نفس الوقت، وتغييرها بالدعوة الى اتخاذ قرار، فاننا ندرك عن أي قرار يدور الحديث، او الصورة التي سوف يستخدمها اصحاب القرار في تنفيذه. عن هذا الامر نتحدث بصراحة الى شركائنا.
انا لا اعتقد انها كانت تصريحات حادة كما قلتم. بل هو موقف صادق وواضح. نحن لا نريد التحفظ في الكلام، ولهذا نقول رأينا بصراحة حول القرار. اما شركاؤنا فانهم يخفون موقفهم، من خلال قولهم ان روسيا لا تريد الموافقة على القرار. ويبدو هذا وكأنه امر جدي، حيث ان هناك رغبة لاتخاذ القرار وليس هناك ما هو سئ في الامر، الا ان روسيا لا تريد ذلك. في الحقيقة هو كما ذكرته انا.
س – ان موقفنا من النزاع السوري واضح جدا ومنطقي ولقد وضحتموه مرات عديدة، ولكن لا يفهم من قبل اكثر البلدان الاسلامية، الا تظهر مثل هذه الحالة؟ الا نفقد علاقاتنا التقليدية الجيدة مع العالم الاسلامي، اخذا بالاعتبار العمليات المعقدة التي تجري في داخل روسيا؟ هل لدينا فكرة واضحة عن الاهداف الاستراتيجية لعلاقات روسيا مع العالم الاسلامي؟
ج – انا لا اشعر بوجود برود في علاقات روسيا مع العالم الاسلامي بسبب الاوضاع في سورية. ان اتصالاتنا مع بلدان العالم الاسلامي لم تتقلص. ان موضوع سورية في المحافل الدولية مسيس جدا. وتجري عمليات كامنة لايرغب الحديث عنها سوى اقلية فقط، لانها قبل كل شيئ تمس الاوضاع داخل العالم الاسلامي نفسه. لا اريد الخوض في التفاصيل، ولكن هذه العمليات تقلقنا، لانها قد تؤدي الى انقسام المسلمين.
ان محاولة مذهب ما السيطرة على الجميع او حثهم على ذلك لن تؤدي الى نتائج ايجابية. حول هذا الامر يتحدث بقلق كبير كافة محادثينا، ومن بينهم من بلدان الشرق الاوسط وغيرها من البلدان الاسلامية.
اعتقد انه آن الاوان لاتفاقية عمان التي صادق عليها الملك عبدالله الثاني، الذي جمع عام 2005 كافة علماء الدين الرئيسيين. الوثيقة اقرت بان كافة المسلمين اخوة وتضمنت تأكيدات سياسية مهمة وضرورة تجنب التحارب داخل احد الاديان الكبيرة. ولكن هناك اناس يعملون بموجب مبادئ اخرى، وهذا امر مؤسف.
اعود الى السؤال الاساسي واقول، انه لم تنقطع اتصالاتنا مع الزملاء في البلدان الاسلامية. فهم يزوروننا بشكل منتظم كما في السابق. فمثلا في هذه السنة فقط استقبلت زملاء من البحرين والامارات العربية المتحدة والعراق. كما زار رئيس وزراء العراق روسيا واجرى مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين ودميتري مدفيديف رئيس الحكومة. وكان بوتين قد التقى على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون الرئيس الافغاني حامد كرزاي، ويخطط لاتصالات مماثلة في السنة القادمة، أي الحوار مستمر.
حتى انه خلال الحديث مع ممثلي المعارضة السورية، يوضحون موقفهم ووجهة نظرهم وثقتهم بان روسيا يجب ان تبقى في الشرق الاوسط، وهذا عامل اتزان في المنطقة، بامكانه ضمان الاستقرار والشعور بالارتياح لدول المنطقة. وانا اعتقد ان هذا صحيح. وفي واقع الامر نحن لا نقوم بتعليم احد ولا نعطي دروسا لاحد. وهم يثمنون هذا، واننا نتباحث معهم من خلال الاحترام المتبادل وعلى قدم المساواة. وبالذات هذا ما نسعى اليه في عملنا مع كل من هو مستعد لذلك.
– يتولد شعور بأن الغرب بدأ خلال الاسبوعين الماضيين بتغيير ملحوظ في علاقته تجاه المعارضة السورية. إذ من جهة تطلق صرخات خيبة الأمل من استحالة توحيدها، ومن جهة آخرى تنمو المخاوف من تقدم مراكز قوى غير تلك التي وضع عليها الرهان في صفوف خصوم الأسد منذ البداية. هل قد يغير ذلك من موقف الغرب بشكل أو بآخر؟
في أثناء الزيارة أعربتم عن تأييدكم لفكرة “الرباعية” الإقليمية التي تضم جيران سورية وأكثر الدول المنجذبة للنزاع. فهل تعتقدون في واقعية جمع السعودية وإيران في هيئة واحدة؟
– مما لا شك فيه أننا نعتقد في ضرورة توحد المعارضة على قاعدة الاستعداد لتنفيذ دعوة “مجموعة عمل” جينيف. حتى الآن مازالت تجرى المحاولت لتوحيدها على أرضية الصراع مع بشار الأسد حتى النصر. وهو أمر غير صائب.
في الواقع يتغير نهج ومسلك الممولين الإقليميين والغربيين تجاه المعارضة، وكذلك تجاه الأشكال التي قد يأخذها هذا التوحد المنشود. فالأمريكيون، كما هو معروف، قالوا أنهم يعتقدون بأنه لا ينبغي أن يترأس هذه العملية المجلس الوطني السوري، الذي يلقى دعم بعض دول الإقليم كتركيا وقطر.
في هذه الأيام يجري إجتماع الدوحة الذي يحضره المجلس الوطني وغيره من المجموعات، ولكن ليس كل الأطياف، على سبيل المثال أكبر هيئات معارضة الداخل، الموجودة في الجمهورية العربية السورية – لجنة التنسيق الوطني رفضت في أخر لحظة السفر إلى الدوحة.
أعتقد أن جهود الممولين الخارجيين للمعارضة الرامية لتوحيدها ستتواصل وستشغل بعض الوقت. نحن نحاول التأثير على هذه العملية. ولا نشارك في هذه الفاعليات، ولكننا نلتقي بصورة فردية مع أطرافها في روسيا (من المنتظر أن يأتي إلينا قريبا في زيارة قادة لجنة التنسيق الوطني) وفي الخارج (لقائي بالأمس في عمان مع رئيس الوزراء السابق رياض حجاب)، محاولين توجيههم للحوارمع الحكومة. ويجب التوحد على هذا الأساس بالذات. لازالت لدى أغلب المعارضين تنطلق تعويذة أنه لا حوار ولا مفاوضات ممكنة مع بشار الأسد. وإذا كان الأمر على هذه الصورة، فإننا نعود مجددا للمنطق الذي تحدثتم عنه بالفعل.
نرى أن المبادرة لابد وأن تأتي من دول الإقليم، حيث تعيش الشعوب التي لها إخوة مع السوريين. والجامعة العربية التي حاولت بجد معالجة الأزمة السورية، على الرغم من عدم خلو ذلك من التحيز، لم تعد تُسمع أو تُرى. لقد سألت نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية عن السبب في هذه السلبية، فقال أن الجامعة العربية ترى أن المبادرة المصرية لابد وأن تعمل لوقت ما. ونحن متفقون مع ذلك. فمصر والرئيس محمد مرسي شخصيا طرح فكرة معقولة ومناسبة على أن تشكل مصر والسعودية وتركيا وإيران مجموعة مماثلة، يكون من شأنها صياغة مبادرة لتخطي الأزمة السورية.
أعتقد أن التشكيل المقترح مناسب جدا. على الأقل هذا المقترح يقوم الخطأ الذي نتج لدى الإعداد للقاء جينيف، حيث لم تتم دعوة إيران والسعودية بسبب الموقف الأمريكي، في حين أصرت روسيا على دعوتهما. وهنا تعالج المبادرة المصرية هذا التقصير.
في لقائي مع الرئيس محمد مرسي في القاهرة أوضحت الموقف الروسي المؤيد لهذا الإقتراح. وهو أكد بدوره أنه مازال حيويا وانه مازال يحتفظ بقوته. وأنه هذه المجموعة من الدول الإقليمية الأربع تعد بمثابة “النواة” التي من شأنها أن تنمو لتضم مشاركين آخرين. كما ذكر أنه مهتم في إنضمام روسيا إلى المبادرة. وهو ما يمكن التفكير فيه.
بالطبع في حال الإنضمام، فإنه لن يكون إنضمام فردي، ولكن مع بعض من دول الغرب وبالقطع مع الصين، ويكون من المثالي أن يعمل الأعضاء الخمس دائمو العضوية في مجلس الأمن مع هذه “الرباعية” الإقليمية. ولكن “الرباعية” لا زالت غير قادرة على عقد إجتماعات دورية بكمل تشكيلها. إذ كما ذكرتم لدى المملكة العربية السعودية تناقضت بخصوص الإتصال مع الإيرانيين. وأعتقد هنا يجب التخلص من الغمامات الأيديولوجية. فمن الصعب حل المشكلة السورية بدون إيران، كما هي الحال بدون السعودية وتركيا ومصر ودون جيران سورية ودول آخرى عديدة. وهنا تأتي أهمية التوافق الذي تم التوصل إليه في جينيف والذي تدعمه كل من السعودية وإيران على الرغم من غيابهما عن لقاءه، حيث أنه جمع جميع من له تأثير على الوضع من الخارج. إذا استتطعنا تفعيل هذه القدرة الضخمة، حتى نقّوم الوضع ونجبر الأطراف على البدء في حوار سياسي، ونحول الوضع إلى مجرى التفاوض، فإننا سننجز خطوة مفيدة أولى.
ليس هناك من ضمانات أن الطرفين المتنازعين سيتفقان. خصوم هذا المسلك يقولون أن على بشار الأسد الرحيل أولا، ويؤكدون أن كل ذلك ليس له من آفاق، لأنه إذا بقي بشار الأسد وأجرى أحد من حكومت مفاوضات مع المعارضة فإنه سيكون لديهم حق الفيتو. نعم، سيكون لديهم حق الفيتو، لأن بيان جينيف ينص على أن المنتج الختامي لهذه المفاوضات يجب أن يكون التوافق الشامل العام. ولكن سيكون لدى المعارضة أيضا حق الفيتو. وطالما لم نستطع إجالسهم خلف طاولة التفاوض، لن يكون بمقدورنا فهم، هل هناك فعلا إمكانية لتحقيق هذه الفرصة.
سيريان تلغراف