هل بدأ الذين أطلقوا العنان لتدمير سورية يعانون من شر فعلتهم ؟
سؤال بدأ طرحه بإلحاح بعد سلسلة من الأحداث الواضحة والغامضة التي أخذت تعصف في محور الشر. في السعودية ثمة أحداث عاصفة وكبيرة بدأت تحصل في بلد الذهب الأسود، فخلال خمسة أيام تحدثت الأنباء الرسمية عن انفجار واحتراق ناقلتيْ وقود في العاصمة السعودية الرياض.
ففي الأول من الشهر الجاري، أدى حادث انقلاب صهريج غاز – كما جاء في البيان الرسمي – إلى مقتل 22 شخصاً وإصابة أكثر من 130 آخرين بجروح، وفي الخامس من الجاري أدى انقلاب ناقلة وقود في الرياض إلى اشتعالها، مخلفة وراءها سحب دخان كثيفة غطت معظم المنطقة الشمالية الشرقية للرياض، ولم تتحدث البيانات الرسمية عن ضحايا، وإن كانت وكالات الأنباء الأجنبية قد تحدثت عن حركة نشيطة وكثيفة لسيارات الإسعاف والإنقاذ والدفاع المدني، وعن انهيار مبنى الحرس الوطني بالكامل في الرياض.
وفي مكة المكرمة، اندلع في مطلع الأسبوع حريق في أحد الفنادق المهجورة في مدينة مكة المكرمة في السعودية، حيث شاركت 12 فرقة إطفاء من الدفاع المدني في إخماده.
وانتشرت قوات الأمن بشكل كثيف للسيطرة على مداخل ومخارج الفندق، بالإضافة إلى فرض طوق أمني ومنع الدخول والخروج عبر الشوارع المحيطة بالفندق، تحسباً لوقوع عمليات سرقة، كما اتجهت 5 فرق من الهلال الأحمر إلى موقع الحادث، لتقديم الإسعافات.
وفي منطقة نجران على الحدود اليمنية، سقط – حسب بيان سعودي رسمي – جنديان وجُرح أكثر من عشرين آخرين، في هجوم للفئة “الضالة”، وكما هو معروف فإن الفئة الضالة هم عناصر القاعدة الذين كان أُفرج عن المئات منهم، شرط أن يتوجهوا إلى القتال في سورية.
أما في قطر، فقد تحدثت وثائق الحقائب الدبلوماسية من عدد من السفارات في الدوحة إلى وزارات خارجياتها، عن حرائق غامضة تجري في أكثر من مكان من هذا البلد “الغازيّ”، وعن تحركات أمنية مكثفة، خصوصاً في الليل، بما يشبه حالة استنفار، تخوفاً من شيء ما مجهول، في وقت بدأت تتسع حملات الاعتقال السياسي للمعارضين القطريين، وبينهم أفراد من الأسرة الحاكمة، الذين أخذوا يوجهون انتقادات علنية للأمير وزوجته ورئيس وزرائهما، بسبب تبديدهم الثروات، حتى أن بعض المعلومات ذكرت أن أبناء حاكم قطر من زوجته الأولى قيد الإقامة الجبرية! وفي تركيا، فبالإضافة إلى اتساع حركة المعارضة لحزب العدالة والتنمية، فإن ثمة أحداثاً داخلية غامضة تجري في عدد من المدن التركية الكبرى، تجهد حكومة أردوغان لإخفائها، في وقت تتجه إلى مزيد من قمع الإعلام وحرية الصحافة.
وآخر ما حملته الأنباء، والذي عملت الحكومة الأردوغانية جهدها للتقليل من أهميته، كان إطلاق الرصاص أمام مكتب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قرب ساحة كيزيلاي في أنقرة، حيث كانت تُعقد جلسة لمجلس الوزراء…
وقد حاولت مصادر رئيس حكومة التركية أن تقلل من أهمية ما جرى، بإعلانها أن الرجل الذي أطلق الرصاص مختل عقلياً، غير أن مصادر أمنية تركية تهكّمت على هذه المصادر ومزاعمها، متسائلة كيف يمكن لمختل عقلياً أن يتخطى التدابير والحواجز الأمنية المشددة، ويصل إلى أقرب مسافة من اجتماع مجلس الوزراء، ويطلق نيرانه؟! أما في الأردن، فإن الحديث يتوسع في عمّان عن انفجارات متتالية في “مولات” وسيارات مفخخة في عدد من الأحياء، كما يجري الحديث عن سيناريوهات متعددة محتمَلة لأعمال عنف وقصف ضد مؤسسات رسمية وحكومية، ومراكز ومقرات دبلوماسية، وسفرات عربية وأجنبية، ولهذا بدأت السلطات الأردنية تتحرك بسرعة لإبعاد الكأس المرة عنها، وبدأت بالتخلي عن حيادها المرتبك بالشأن السوري، وهو موقف على حد وصف مصدر رسمي أردني كبير “موقف مجاني”، لأنه أصبح يهدد الأردن فعلاً بأعمال إرهابية قد لا تستطيع تحمّلها، خصوصاً أن المسرح مهيأ لنزوح إرهابي نحو الأردن، وهو يتم في سياق اندفاع ذاتي للإرهابيين، بعد أن قُتل منهم المئات وربما الآلاف في سورية، كما أن هذا النزوح “القاعدي” نحو الأردن ربما كان يتم بقرار إقليمي أو دولي لإشعال الساحة الأردنية بتفاهم غامض خليجية – “إسرائيلي”، أساسه إخضاع عمّان لمشروع كونفدرالية مع الضفة الغربية والقاهرة لنوع من هذا القبيل مع غزة، بما ينهي فعلاً القضية الفلسطينية، ويفتح الباب أمام علاقات “سلام” وتعاون علنية خلجية – “إسرائيلية”، ستنال منها السعودية منطقة نفوذ في كونفدرالية الأردن وبقايا الضفة، بينما يكون هناك نفوذ قطري يتموضع في غزة، والذي بدأت بالتمهيد له زيارة أمير قطر، وبالتالي انفصال القطاع النهائي عن الضفة، في نوع من “الإمارة” تُموَّل من قطر وتُحمَى من مصر و”الإخوان”.
أمام هذه التطورات، بدأ القرار الرسمي الأردني بالتحول نحو الحسم مع المجموعات والعناصر الإرهابية، حتى وإن لم يعجب ذلك السعودية وقطر، كما بدأ القرار الأردني يتجه بقوة نحو تبنّي موقف أو قراءة روسيا للأحداث في سورية.
ومن هنا بدأت عمان تفرض تدابير أمنية مشددة، وُصفت بالحديدية، لمنع مرور السلاح إلى المسلحين عبر الحدود الأردنية – السورية.
بشكل عام، وحسب ما تؤكده وسائل الإعلام الغربية والأميركية، فإنه بالرغم من الدعم الهائل الذي تحصل عليه المعارضات السورية من قطر والسعودية وتركيا، فإنها أظهرت قصوراً وفشلاً في هز الدولة الوطنية السورية، رغم ضراوة الحرب التي تُشن، لا بل إن الانقسامات بدأت تعصف بهذه المعارضات، وهذا ما بدأ يجعل الأميركي والغربي يعيد حساباته منها، فيما سارعت قطر ونبيل العربي لمحاولة جمع صفوفها وتوحيدها، وإعادة تنظيمها، من خلال مؤتمر الدوحة الذي تكشّف فيه المزيد من الفضائح حيث كال كل طرف للآخر الاتهامات بسرقة ملايين الدولارات، وربما المليارات، وهو ما حاولت الدوحة أن تغطيه وتتستر عليه بشتى السبل، وتعمل بأي شكل لتوفير مخرج، ولو إعلامي، يقول إن قطر المرتبكة نجحت في توحيد وتجديد المعارضات.
بأي حال، فإن الذين تورطوا في سفك الدم السوري وفي مخطط تدمير سورية، بدأوا يجدون أن المؤامرة والسكاكين ترتد إلى نحورهم، وهل أبلغ مما ذكرته صحيفة “وورلد تربيون” نهاية الأسبوع الماضي، من أنه بالرغم من الدعم الذي تحصل عليه المعارضات السورية من تركيا وقطر، إلا أن هذه المعارضات أصيبت بهزيمة استراتيجية أثناء محاولتها السيطرة على مدينة حلب؛ كبرى المدن السورية، ما يمثل كارثة بالنسبة إلى تركيا وقطر؟ ونقلت الصحيفة – في سياق تقرير – عن مصادر دبلوماسية غربية قولها: “إن المعارضات السورية أظهرت أوجه قصور عديدة، من خلال فشلها في السيطرة على مدينة حلب في شهر تشرين الأول الماضي”.
وأضافت الصحيفة أن هزيمة المعارضات السورية تمثّل هزيمة لأنقرة والدوحة، ويمكن أن تؤدي إلى إعادة تقييم للحرب في سورية، حيث قامت تركيا بتدريب وتجهيز المعارضة لهذه المعركة، لكن النتيجة جاءت بمنزلة الكارثة على أنقرة.
وأكدت المصادر الغربية أن آلاف الأشخاص من المعارضة تم تجهيزهم بشاحنات صغيرة للنقل، ومعدات مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات، وذلك للتقدم تجاة مدينة حلب، وتم التوجه إلى المدينة من عدة اتجاهات في 25 تشرين الأول، لكن في غضون 24 ساعة واجهت المعارضة مقاومة عنيفة من قبل مجموعات قتالية صغيرة من الجيش والشعب.
وفي غضون 48 ساعة اندحرت المعارضة الإرهابية بفضل هذه المجموعات القليلة والصغيرة من ستة أحياء حلبية، بعد أن وقع العشرات منها بين قتيل وجريح، ومن بينهم سعوديون ويمنيون وليبيون وشيشان.
أحمد زين الدين
(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)