ليست مهمتي أن أداوي الناس ولاأن أمرر يدي بالمراهم على حروقهم ومواجع أرواحهم .. ولست موظفا في وحدة الحرب النفسية لأي حزب أو ثورة أو جيش .. ولكن قوة الحقيقة التي يحملها كل مقال صادق وعفوي الذي نسجته من كل الحكايات السورية صارت تجتاز جدار الصوت وتسابق سرعة الضوء .. بعض المقالات محملة بالعفوية التي صار لها فعل الكهرباء الى حد صارت كل كلمة فيها مشحونة بالطاقة وتتسبب ملامستها بصدمات كهربائية متلاحقة للثورجيين .. بعض المقالات كانت كهرباؤها عالية التوتر وتسببت في انفلات أعصابهم ووقوعهم بالساعة ..
كل كلمة مكتوبة هنا تتعرق جبهتها أمام القراء ان لم تملك وثائقها الدامغة .. وأهم الوثائق هي وثيقة الواقع .. ففي الوقائع قلت سابقا رغم كل التهويل ان أردوغان ظاهرة ثرثرة ولايجرؤ على دخول الحرب فلا تعيروه بالا .. وأن تركيا هي التي وقعت في الفخ ولاتعرف الخلاص .. وفي الوقائع قلت أيضا ان النظام لايمكن أن يسقط لاعتبارات معقدة لها علاقة بالمستقبل العالمي وصراع المحاور الضخمة .. قلت هذا رغم أن أحد أعضاء المجلس السوري قال في جلسة خاصة بثقة متناهية مزهوة في بداية الأحداث بأن الأمريكيين قرروا أن أركان النظام السوري سيؤتى بهم الى لاهاي في أيلول 2011 تحديدا .. وكان واثقا كما لو أن ذلك ورد في آية قرآنية أو أنه يتحدث من المستقبل ومن قاعات لاهاي التي وصل اليها قبل الجميع .. وكان ردي عليه لاحقا بأن الشعب السوري هو “لاهاي” .. وأن “لاهايه” التي يهددنا بها لاتتسع ل 23 مليون متهم .. والأهم هو أن عليه أن يتوقع أن الشعب السوري سيحضّر لزعماء المجلس الوطني الانتقالي السوري محاكمات “نورنبيرغ” عينها .. وهي المحاكمات التي حوكم بها القادة والضباط النازيون في أشهر محاكمة عالمية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية .. لأن مافعله هؤلاء من بيع لاستقلال بلادهم ومن تآمر رخيص على أمان الناس على كل الطرق والمفارق الدولية لايليق بهم الا محاكمات ثقيلة من عيار محاكمات نورنبيرغ ..
ولاأخفيكم أن أكثر مايقلقني هو أن تمر هذه المقالات أمام عيون الثورجيين دون أن تثير حفيظتهم .. وأن يصنف الثورجيون مقالاتي على أنها واقعية لأن ذلك يعني أنهم يريدون تسويق بضاعة وأوهام لاتسمن ولاتغني .. ولاشك أن أكثر مايسعدني هو تداولهم لهذه المقالات للرد عليها ولتسخيفها واتهامها بالهذيانات الواهمة .. لأن فلتان أعصابهم هو مايشير الى أن شحنات الكهرباء وصلت الى أدمغتهم وأعصابهم .. وأن مااحتوته المقالات موصول مباشرة بأعصابهم وأسرار مواجعهم .. وللطرافة فان الثورجيين صاروا كلما دققنا بين عيونهم اسفينا قالوا انها مقالات الوهم ولاذوا بالفرار الى أوهامهم ..وتحديناهم مرارا للمبارزة واثبات العكس لكنهم اكتفوا بأن يصدقوا أحلام اليقظة ..
وقد تجنبت مرارا التعليق على بعض الأحداث والتطورات في الأزمة السورية كيلا يعتقد أي قارئ أنني من أولئك الذين يكفكفون الدموع ويهدؤون الروع بمجاني الكلام .. وأنني أقوم بتلوين الليل بفرشاتي البيضاء كي يبدو نهارا وأنني أطلي نهار الخصوم بالسواد..انني لاأفعل ذلك طبعا لقناعتي بأن الليل يبقى ليلا مهما سكبنا عليه من الطلاء الأبيض .. ويبقى النهار نهارا مهما سكبنا عليه من القار الأسود .. ففرشاة فنان قد تلطخ الليل بالبياض لكنها لاتستطيع أن تجعل الليل دافئا كالنهار ولاأن تحرك سكونه .. ولاأن تمنع الضفادع من النقيق في الدجى .. ولا أن تسكت عواء الذئاب الجائعة .. ولاتستطيع فرشاة مهما بلغت حرفيتها أن تقنع الشمس أنها تقف معنا في تلك الجهة الملونة بالطلاء الأبيض فيما تعرف الشمس أنها تقف على الجانب المقابل حيث ’يصنع ضوء النهار الحقيقي بحزم النور المتدفق من غير طلاء وديكورات النهار..
لكن في مقابل ذلك فان أطراف المؤامرة يفعلون العكس تماما في الأزمة السورية .. فهم يستثمرون في كل حدث .. وهم يسكنون الفضاء ويلقون الستائر السميكة السوداء على الشمس لمحو النهار فتغشى عيون الناس .. ولديهم ماكينة اعلام وخلاطات ومطابخ وأفران تقدم الطين على أنه شوكولاتة .. وتستطيع حلب الثيران والتيوس .. وصنع المهلبية من الديناميت .. كيف لا ومئات المواقع الاخبارية ومحطات الفضاء تقوم بتداول أي خبر وعجنه وخلطه بالملح والماء حتى يتحول من تراب الى عجين ومن ثم الى رغيف خبز ساخن مقمّر يخرج من الأفران العربية فورا الى مائدة الاعلام ومباشرة الى معدة المشاهد البائس دون أن يسمح له بتذوقه .. فيأكل الناس التراب ولاشيء غير التراب والصلصال والفخار ..
مايفعل أطراف المؤامرة هو محاصرتنا بالالغام النفسية .. لم تعد العبوات الناسفة فقط هي التي تنفجر في وجوه الناس بل الالغام النفسية الكثيرة ومن كل العيارات .. كل خبر وكل مقال فيه عبوات ناسفة وكل تحليل يرمى الينا يشبه حاضنة قنابل عنقودية مثل مليون قنبلة عنقودية ألقتها اسرائيل على جنوب لبنان نكاية بانتصاره .. ولذلك يجب على الكتاب الأحرار أن تتحول أقلامهم الى مجسات حساسة تكشف مواقع الألغام والشراك والفخاخ في الأخبار والمواقع والاشاعات المبثوثة .. ويجب على الكاتب أن يقوم بفتح ممرات آمنة للناس مثله مثل أي مهندس في سلاح الهندسة في الجيش السوري .. وعلى كل مثقف أن يقيم منطقة عازلة وملاذات لاتصل اليها غارات الاعلام الآخر يلوذ اليها الناس .. وعلى كل صحفي أن تكون له منطقة حظر جوي لاتحلق فيها أخبار المؤامرة وأن يسقطها دون تردد كلما رصدها في منطقة (نو فلاي زون) لأن أكثر مكان مستهدف بالنسف هو عقلنا ومعنوياتنا ..
العقل السوري اليقظ الذي فتت الجزيرة وحولها الى خردة اعلام هو أكبر هدف لهجمات محور المؤامرة .. بعض هذا العقل السوري تسرب منا للأسف في بداية الأزمة وتمكن الخصم من الايقاع به في الفخ واستدراجه الى حقول الألغام وتم نسفه .. وتحول منسوفو العقول الى “ثوار” بلا رؤوس .. ومنسوف العقل يتحول الى شحنة ناسفة .. تنسف نفسها ومحيطها بحماقة ..
بعض الألغام الاعلامية مخصصة لتفكيك عقدة متينة جدا وهي الروح المعنوية العالية للسوريين واعتدادهم بأنفسهم وكبرياؤهم .. وهم الذين وجدوا أنهم أوقفوا نصف كوكب الأرض على حدود بلادهم .. ولاأحد يستطيع تجاهل هذه الحقيقة التي تشكل قلب الحدث السوري .. ان بعض الحقائق تشبه القلوب النابضة وكل الأحاديث حولها تشبه دما يسري في العروق ولاتستطيع الدماء أن تتجاهل المرور في القلب ولاتستطيع الا أن تعود اليه مهما ابتعدت ودارت وناورت سواء في شرايين البدن أو في أوردته .. فلا بد من المرور بالقلب النابض.. نعم ان نصف الأرض ومنذ سنتين يتحدث عن ضرورة تغيير بقعة صغيرة من العالم هي قمة جبل قاسيون وكأن قمة قاسيون تنغرز كالخنجر في لحاف السماء الأزرق وتثقبه وتتسبب بثقب الأوزون الذي يتسع .. لكن قاسيون أثبت أنه أثقل من نصف الأرض عندما أمسك به الشعب السوري .. ان دولة واحدة أوقفت زحف 130 دولة .. وأن 23 مليونا أوقفوا زحف بضعة مئات من الملايين المضللين الذين قادهم الضلال العربي والغربي والصهيوني .. وتبين أن قمة قاسيون ليست مسؤولة عن ثقب الاوزون في السماء لكنها فتحت ثقوب أوزون في مؤخرات قادة العالم من أوباما الى ساركوزي وهولاند وحمد وأبو متعب ..الى مؤخرة الاسلاميين الناتويين في تونس وليبيا .. وكان أكبر ثقب أوزون هو الذي في مؤخرتي أردوغان وأوغلو اللذين لايزالان يتأوهان ويصرخان من اتساع ثقب الأوزون بالتدريج..
ولاتنسوا مؤخرة القرضاوي التي تحتضر من اتساع ثقب الأوزون قبل أن يفي بوعده بتحرير سورية !! ولاأدري ان كان ثقب أوزونه هو سبب احتضاره أم انه جرعة زائدة من عقاره التي أعطيت له خطأ ..حيث يسري شعور بأنه ربما دس له للتحضير لمرحلة مابعد القرضاوي لبدء مرحلة المرجعية الجديدة (خالد مشعل؟؟) في تكرار لسيناريو التخلص من عهد بن لادن واطلاق عهد الاسلام الناتوي .. الذي استهله القرضاوي والذي انتهى مثقوبا في أوزونه .. ليبدأ عهد آخر .. هو الناتو الاسلامي الحمساوي..
لقد عرفنا جميعا بتماسك السوريين في وجه المؤامرة الآن وبالدليل القاطع معنى “كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة باذن الله” دون أن نحتاج نزول الملائكة لتقاتل معنا .. ان من ينتظر نزول الملائكة كي تنصره لن ينتصر ان لم تكن لديه الرغبة بالصعود الى الملائكة .. فالأمم تنتصر بمقدار ماتصعد أرواح أبنائها الى السماء وليس بمقدار ماتنزل عليهم الملائكة من جنود .. ونحن من صعد رجالنا وشبابنا الى السماء .. نحن من غزونا السماء بالشهداء ونحن من بعث الشهداء ملائكة الى السماء .. ومن يغزو السماء بالشهداء ويصل بجحافلهم الى حيث الملائكة .. لاتقدر شياطين الأرض على النيل منه .. وأنا شخصيا وقفت مذهولا من اندفاع مقاتلين في الجيش السوري للذود عن بلادهم .. ولاأدري ان كانت القصص التي ستحكيها الأجيال قادرة على الاحاطة ببطولات ووطنية هؤلاء الشباب الذين يستحقون أن تقبلهم كل جميلات الدنيا .. بل ان قصصهم ان عرفت بها هوليوود لأتلفت كل ماقدمته من بطولات وهمية في السينما ونقلت قصصا عن بطولات لاتصدق .. وقد أخصص موضوعا قادما لأنقل لكم بعضا من الصور التي وصلتني عن جنود جرحوا أربع مرات و خمس مرات وعشر مرات ولم يتذمروا الا من طول المكوث في المشافي قبل الالتحاق برفاقهم .. ووصلني تقرير عن احد أبطال المدرعات الذي صار اسمه (عبد الرحمن الدوشكا) وأن التلة التي يتمترس فيها سميت تلة عبد الرحمن الدوشكا لأنه تمكن حتى اليوم من اصطياد 21 سيارة مجهزة بمدافع دوشكا وصارت سيارات الدوشكا تتجنب المرور بالقرب من كتيبته التي صارت مثيرة لرعب سائقي الدوشكا وفرسانها الذين يعرفون أن المرور من طريق عبد الرحمن الدوشكا هو طريق ينتهي الى السماء .. لأن عبد الرحمن الدوشكا يصدر من دبابته جوازات السفر الى الجحيم (سفرة واحدة فقط بقذيفة واحدة) .. ولدي مذكرات جنود استشهدوا تمكنت من الاطلاع على ماكتبوه قبل ساعات من صعودهم الى السماء ..وماكتبوه على عفويته لايليق به الا أن يكتب على أبواب دمشق السبعة ..
لم أعد أجيب عن أسئلة كثيرة عن مصير النظام لأنها أسئلة لم تعد تنتمي للمستقبل بل للماضي .. ولم أعد أجيب عن اسئلة من مثل ان كنا سننتصر لأننا انتقلنا الآن الى مرحلة “لم نهزم .. ولكن كيف ننتقل الى النصر الحاسم” .. كما أنه لم يكن يوما النظام هو ما أدافع عنه بل هذه الشخصية الوطنية الصوفية التي برغم كل مثالب النظام وهموم الفساد لم تتمكن العيوب والفتوق الدستورية والادارية والحقوقية من المس بنقائه وانتمائه .. ولأنني أدرك هذه الحقيقة لم أهتز يوما وقد دق بابي الكثيرون في بداية الأزمة وفي عز اشتداد الضغط والتهديد يسألونني عن توقعاتي .. وكنت أقول للجميع بثبات .. تريثوا واهدؤوا ..ليس هناك أي احتمال لهزيمتنا..
في هذه الايام تحاول أطراف المؤامرة أن تثير فينا الرعب بالاغتيال والتفجيرات ..وتباهي هذه الأطراف بمشاهد الفوضى والأبنية المتصدعة ..وتريد أن تصيب الناس في معنوياتهم بأنها قادرة على ضرب شوارعنا واغتيال كل من يعترض طريق “حمار الثورة المحمل ببرسيم الربيع” ..بل وتباهي بسادية مريضة بعرض صور الضحايا لارهاب الناس .. وأعرف ان ذلك يجعل مزاج الناس منخفضا لكنه لاييترافق مع اي شعور بالانكسار في المعركة الكبيرة .. انه مثل الشعور بأن الطيران الاسرائيلي قصف مصفاة حمص أو قصف حي أبو رمانة في حرب تشرين .. الناس تعرف أن ذلك ليس هزيمة لكنه مؤلم ..ولذلك اتبعوني هنا في هذا المقال في ممر آمن وأنا أزيل حقول الألغام .. وثقوا تماما أنني ادعوكم الى ملاذات آمنة ومناطق عازلة حيث (نو فلاي زون) ..لاعلام الثورجيين وهرطقاتهم
في سيكولوجية الاغتيالات والسيارات المفخخة يدرك الخصم أنه لم يعد يحارب في ميدان عسكري لأنه بدأ في الخروج منه مرغما .. وأنه انتقل الى ضرب الخطوط الخلفية لعدوه .. ويدرك هذا الخصم أنه لم يعد يعنيه الجمهور وأنه خسره تماما ولن يكسبه ثانية الى الأبد .. ولذلك نلاحظ أن السيارات المفخخة الأولى التي ضربت دمشق وحلب منذ أشهر عملت قوى مايسمى “بالثورة” المستحيل للنأي بنفسها عنها والتنصل منها .. وأصرّت على الصاقها بجهاز الأمن السوري كمسؤول مباشر عن التفجيرات لالحاق العار بالثورة (السلمية) وتنفير الناس منها والتشنيع على الثوار وأسلوبهم الهمجي .. ونسبت كل عمليات الاغتيال الى أجهزة الدولة واخترعت حججا لانهاية لها من مثل تصفية هذا أو ذاك لأنه انتقد الدولة سرا أو جاهر بحبه للثورة .. أو تم اغتيال الطيارين والعسكريين لأنهم كان لديهم نية في الانشقاق وماالى ذلك من ترهات وخزعبلات وقصص مشفى ابن سينا..
لكن اليوم غادرت الثورة هذه المرحلة ووصلت الى مرحلة الاعلان المباشر عن المسؤولية عن السيارات المفخخة والمباهاة بعمليات تصفية الموالين للدولة وصارت هذه العمليات تحمل صفة تطهير واعدام الشبيحة (كما حدث بوقاحة مع اغتيال الشهيد محمد رافع .. وهذا يعني أن الثورة انتقلت الى ادراك ان احتيالها على الناس لم يعد مجديا .. ولم تتمكن طوال عامين من دفع الناس للوقوع في هواها وفي تكذيب الدولة السورية .. والأهم أن الناس بدؤوا يجاهرون بعدم انتماء الثورة لهم وأن ماتحمله لايمثل طموحاتهم حتى وان كان التغيير والحرية .. فوسيلة الثورة غير مأمونة العواقب .. وغير شفافة .. وهذا التمرد العلني والشعبي على الثورة هو أخطر ماتواجهه حركة تمرد .. فلايجب أن يتجرأ الناس على الثورة والا سقطت الثورة كليا ..فانتقلت الثورة الى اعلان حرب على كل من يجاهر بالعداء لها حتى ولو كان شيخا مسيحيا حمصيا .. فحتى هذا الشيخ صار أخطر على الثورة من جنرال في الجيش السوري أو من دبابة ت72 .. لأنه امتلك الشجاعة وكسر الخوف وبدأ الناس يتعلمون منه احتقار الثورة وتحديها .. ولذلك انتقلت المواجهة الآن من مواجهة بين معارضة ودولة الى مواجهة مكشوفة بين قوى مخابرات خارجية والشعب السوري كله ..
ورسالة الاغتيالات والسيارات المفخخة من قبل أجهزة الاستخبارات الخارجية الداعمة للثورة هي معادلة واضحة لاغموض فيها وهي: ان لم تقبل بالتغيير .. فلن تهنأ باللاتغيير !!.. وان انتصارك سنحوله الى نصف هزيمة ..
وفي الحرب بين طرفين يحق استعمال أي سلاح مهما كان قذرا .. وبالطبع الطرفان هما الدولة الوطنية السورية ومحور الغرب والعرب .. والمعارضة السورية هي القفازات التي تمسك بالقذارات كي لا تتلوث بها أيدي الكبار..
ولكن هناك أمر حاسم في هذا الشأن وهو ان أجهزة الأمن السورية لم تتفكك كما حدث في العراق مثلا بعد انهيار الدولة حيث انتشرت السيارت المفخة منذ اليوم الثاني لسقوط بغداد لأن القاعدة وبلاكووتر هما من أرسل المفخخات الى الشوارع لاطلاق الحرب الأهلية العراقية .. تفكك أجهزة الامن لدى الدولة العراقية جعل عملية اصطياد منفذي العمليات العسكرية والسيارت المفخخة مستحيلة حتى اليوم .. وفي الحالة السورية فان وقوع شبكة متكاملة من الانتحاريين ومنفذي هجمات السيارات المفخخة منذ أشهر يدل على أن الشبكات الداخلية الحالية في طريقها الى الشبكة مهما طال الزمن ان عاجلا او آجلا ..وحسب قطرات المعطيات التي أتيحت لي باقتضاب -وأتمنى ان تكون دقيقة كما أتوقع – فان أهم شبكة صارت على مدخل القفص .. وأن اثنين من أعضائها الكبار تم تحديدهما بدقة وسيكونان في ضيافة الأمن السوري لشرب “فنجان قهوة مرة” .. ولكن هناك اعتبار هام وهو أن هذه الشبكات تعتمد على التشكيلات العنقودية وفق ترتيبات استخباراتية دقيقة جدا .. وقبل “شرب القهوة المرة” يجب تطويق بقية العنقود والا تمكنت بقية المجموعات من النجاة والافلات والعمل من جديد وفق توزع عنقودي جديد يستغرق قطافه أشهرا ..
وعلى كل حال .. لايخفى على المتابعين أن تصعيد العنف هو رغبة تركية جامحة لأن الأتراك أدركوا وفق مصادر وثيقة ان اوباما عمليا هو غالبا من سيحسم السباق الانتخابي وأن أوباما الثاني ليس مثل اوباما الأول .. ويجب أن يتم الضغط ماأمكن على القيادة السورية وحلفائها الروس بتقديم تعهد باسترجاع مجموعة الأزمات التي دخلت تركيا وأهمها الأزمة المرعبة بعودة الروح لحزب العمال الكردستاني .. والمطلوب هو سلّ روح الحزب الثائر واستعادته الى حظائره الجبلية .. وبالطبع لايغض المتابعون الطرف عن تزامن التصعيد مع انتخابات أميريكا لأن عقول الثورجيين والأتراك تعتقد أن عليها ايصال رسالة قوية لأوباما وللفائز عموما بأنها حصان سباق لايزال قويا في الحلبة ويجب الرهان عليه .. ولكن باراك الثاني ليس مثل باراك الأول كما قلنا .. وكلام الليل يمحوه النهار ..
للأسف فان هذه الاغتيالات والتفجيرات تلقي بظلال داكنة على المشهد وتمنعنا ألسنة اللهب وسحابات الدخان من رؤية مايحدث على الأرض .. فانتصار أوباما جاء -حسب مااتفق عليه الكثير من المراقبين الغربيين – تلبية لرغبة المجمع العسكري والصناعي الأمريكي وكبريات الكارتيلات الاقتصادية الضخمة بتجنب مواجهة مع الروس والايرانيين في هذه الظروف الخاصة اقتصاديا لأن الجمهوريين وممثل المحافظين الجدد (ميت رومني) قد يندفعون استجابة لنداءات لاهوتية الى حماقات وهارماجيدونيات اسرائيلية وصهيومسيحية .. ولذلك لم يتم الحماس بشدة لحملة رومني لتمكين أوباما من البقاء ..
وستبدأ ملامح صفقة روسية امريكية حول تقاسم النفوذ والمصالح بالوضوح .. فلروسيا والصين نفوذ وحلفاء شرق البحر المتوسط ولأميريكا جنوب البحر المتوسط (شمال افريقيا) والخليج العربي المحتل .. وقد بدأت كلينتون تنفيذ الصفقة بوداع المجلس الوطني السوري واختراعات بهلوانية لحكومات وتجمعات حفلات شاي وقهوة وأركيلة ودوحة .. ومن القضايا المطروحة على الطاولة عدم المساس بتركيا وبالذات اعادة المشهد التركي الى ماقبل عام 2011 ..والتعهد بعدم دعم الأكراد الأتراك ..لأن ماصارت واشنطن تدركه أن رأس تركيا الأطلسية صار مطلوبا كضمان ونفوذ وأمن شرق البحر المتوسط .. ووضعت معادلة مؤلمة يقال انها معادلة بوتين وهي (رأس تركيا مقابل رأس سوريا) .. والسكين الذي سيحز عنق تركيا هو حزب العمال الكردستاني .. وذلك لقطع ذلك التواصل الجغرافي للحركة الاسلامية الأصولية وقطع رأسها التركي بحيث لاتقترب تكبيرات الثورجيين من روسيا ..
وتريد تركيا وأميريكا بتصعيد العنف في سورية الضغط ماأمكن على الرئيس السوري لتذكيره بقوة تركيا داخل سورية .. وأن عليه القبول بصفقة الانسحاب التي يتداولها الروس والاميريكيون .. وأن يقبل “بحلاقة رأس المعارضة السورية” في تركيا مقابل “حلاقة رأس الحركة الكردية” (حزب العمال) الذي تصل تقارير مقلقة جدا للعسكريين والمعنيين الأتراك أن الحركة الكردية صارت مجهزة تماما لاعلان تحرير مناطق ومدن مهمة جنوب شرق تركيا وأن القضية صارت أكبر من امكانات تركيا وحدها .. وأن مغازلة الرئيس السوري للشعب التركي تضعف موقف الحكومة التركية فعلا لكن هذا الغزل هو الغزل القاتل ولايجب الركون اليه ..
المعارضة السورية تدرك ذلك وقد وصلتها الرسائل .. وصارت تعرف أنها ستترك وحدها ان عاندت ارادات السادة .. وأن عليها الاستماتة للضغط على النظام واظهار بأسها للحصول على بعض الرضا التركي الذي غامر برقبته ودعمها وعليها المغامرة برقبتها هي لحماية تركيا أو لدعمها على طاولة المقايضة ..أي كلما اشتد الضغط بالتفجيرات والاغتيالات يحس القادة السوريون أنهم تحت ضغط شعبي لابرام اتفاق فيه مكاسب سياسية لتركيا على حساب حليف ناهض قوي للسوريين والروس وهو الحركة الكردية وبعض القطاعات التركية العلمانية.. وحسب تسريبات لها مصداقية عالية فان حزب العمال الكردستني مسترخ جدا ويبدو مطمئنا.. وقد قال لي أحد المقربين منه: يبدو أن الحزب قد راهن على شخص الأسد الذي لايطعن في الظهر .. وكلام الأسد عهد ووثيقة وعقد لأنه رجل لايغدر كغيره .. وأضاف باسما: لايمكنك أن تبرم اتفاق شرف وميثاقا مع أردوغان مثلا الذي قدم غدره بالأسد درسا لاينسى .. وبالطبع لايمكنك أن تثق بكلمة واحدة تصدر من أشخاص صار معروفا في سيرتهم الذاتية التنكر للعهد وللصداقة .. فأنا مثلا لاأدري من سيثق بخالد مشعل أو قبضايات حماس ..بل لاأدري مامعنى الاتفاق بين مشعل وحمد وأردوغان والاخوان .. وكلهم يعرف أن الآخر قد يبيعه في السوق .. نحن الكورد نعرف عائلة الأسد .. الأب كان شهما وصديقا للكورد .. وهو من حمى لنا “آبو” (أي أبو الأكراد عبد الله أوجالان) .. وهو الذي تفضل على البرزاني وهو الذي رعى جلال الطالباني .. والكورد شعب لاينسى الجميل .. وهذا الشبل (أي الرئيس بشار الأسد) من ذاك الأسد كما تقولون..ونحن نثق به ..
واسمحوا لي أخيرا أن أنقل لكم مقتبسا من عبارة أرسلها لي صحفي غربي طالما زودني بالعديد من مراجعات الصحف الغربية وبعض الدراسات الهامة وقد تلخص الفترة القادمة وملامحها بدقة فائقة .. اذ قال لي في رسالته:
صحيح أن أوباما “الأول” اصطدم مع الأسد “الثاني” .. ولكن أوباما “الثاني” هو مدين بالعودة الى البيض الأبيض بسبب تماسك الأسد “الثاني” .. ولذلك فان أوباما الثاني سيقبل بالأسد الثالث مرغما (أي الولاية الثالثة للرئيس الأسد) .
وترجمة ذلك حسب رسالته هي: لو سقط الأسد لدفع المجمع العسكري الغربي بميت رومني الى الواجهة وسانده لكسب الانتخابات لاسقاط ايران بسرعة بعد سقوط حليفها السوري القوي .. ولاطلاق بداية حصار روسيا .. وحصار الغاز الروسي والاقتصاد والجيش الروسي لاعلان القرن الواحد والعشرين قرنا أميريكيا دون منازع .. وبالتالي فان عودة أوباما تعني أن الولاية الثالثة للرئيس الاسد صارت من ضمن البدهيات السياسية القادمة ..التي لن يتدخل فيها أوباما الثاني .. ولن يقررها الا الشعب السوري ..وحده الشعب السوري ..الذي هزم أوباما ..وأبناء أوباما ..من الثورجيين اليتامى .. بعد وفاة أبيهم أوباما الأول …
نارام سرجون