Site icon سيريان تلغراف

ثالوث الحرب الناعمة : النفط و”إسرائيل” والإسلام .. بقلم عصام نعمان

الحياة صراع، هكذا كانت وستبقى، في الحاضر والمستقبل المنظور يحتدم في عالم العرب حول ثالوث النفط و»إسرائيل» والإسلام بصيغة حربٍ ناعمة تتطور أحياناً، إلى حرب خشنة محدودة.

النفط طاقة ومال، هو مادة استراتيجية للحركة والإنتاج، كما هو مصدر للمال الذي يصنع الكثير. لـ«اسرائيل» في عقل الغرب مسوّغات سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية استراتيجية، وهي قاعدة متقدمة للغرب في قلب عالم العرب، لها وظيفة ودور. وظيفتها أن تكون أنموذجاً ومثالاً للغرب في صراعه مع سائر الأمم، ودورها أن تكون شرطياً بهراوة غليظة لتأديب من يعصي ويتحدى ويتصدى للغرب ونفوذه.

حاجة الغرب، ولاسيما أوروبا وأميركا، إلى النفط كانت طاغية في النصف الثاني من القرن الماضي. مع اكتشاف مصادر إضافية للطاقة الاحفورية والمتجددة، إلا أنها تراجعت. خبراء الطاقة يقولون إن لدى أميركا من الغاز الصخري ما يُعتقها من الاعتماد على نفط العرب.

أكثر من ذلك، ويتضح من الإحصائيات الموثوقة أن دول الشرق الأوسط صدّرت خلال العام الماضي ما نسبته 72 في المئة من نفطها الخام إلى آسيا، ولاسيما إلى الصين والهند واليابان وسنغفوره، وليس إلى أميركا. مع ذلك تتمسك الولايات المتحدة بقواعدها وتعزز نفوذها في المنطقة. لماذا؟ لثلاثة أسباب.

أولها: لحماية ورعاية استثماراتها الواسعة في الأسواق الإقليمية.

ثانيها: لتدوير عائدات النفط والغاز على نحوٍ يمكّنها من الحصول على بلايين مليارات وافرة من الصناديق السيادية للدول النفطية.

ثالثها: للسيطرة على مواقع استراتيجية مفتاحية في المنطقة تمكّنها من حماية «أمن إسرائيل».

«إسرائيل» لم تنجح كأنموذج للغرب، فإن عالم العرب وبإسلامه ومسيحيته المشرقية رفضها بلا هوادة، لكنها أفلحت في تبرير وجودها كقاعدة عسكرية متقدمة لأميركا في قلب المنطقة، وقد نجح وجودها ودورها الأمنيان أيضاً، في فرض سلامها على بعض العرب، كنظام أنور السادات في مصر الذي استسلم لضغوطها ووقع معها معاهدة. إلا أنّ إخراج مصر من حمأة الصراع العربي- الصهيوني انعكس سلباً على الكفاح الفلسطيني المسلح، فتراجعت منظمة التحرير ووقعت اتفاق أوسلو مع «إسرائيل». معها تحوّلت المقاومة، في معظمها، إلى سلطة. في ظلّها سرّعت «إسرائيل» سياسة الاستيطان في إطار مخطط للهيمنة على مجمل فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر. خطر «إسرائيل» الوجودي على الأمة تخطى مسألة زرعها وتجذّرها إلى مسألة ما تسميه أمنها القومي وتفوقها العسكري النوعي على جوارها العربي والإسلامي. ذلك أن العقل العسكري «الإسرائيلي» التزم مفهوماً للأمن القومي لا يكتفي بالتفوق العسكري على دول الجوار القريبة والبعيدة فحسب بل يعمل على الهيمنة عليها أيضاً، وبحسب هذا المفهوم، لا يكفي أن تكون «إسرائيل» هي الأقوى بين جيرانها بل يقتضي أيضاً إضعافهم وإبقاءهم ضعفاء بالسيطرة الاستراتيجية عليهم.

«إسرائيل» حققت، جزئياً غايتها هذه وتسعى إلى استكمالها بجملة آليات ووسائل أبرزها الحرب الناعمة والفتن الطائفية، الحرب الخشنة، الإيقاع بين أميركا والعرب، الإيقاع بين العرب أنفسهم، الاحتلال العسكري المباشر، شبكات التجسس، معاهدات الصلح، إقامة أنظمة موالية لها أو لأميركا، وأخيراً وليس آخراً الحؤول، من خلال ما تقدّم ذكره، دون انطلاق تنمية عربية مستقلة للنهوض والاقتدار.

للتدليل على مدى اتساع مفاعيل التفوق والهيمنة، نشير إلى نجاح «إسرائيل» بسلاحيها الجوي والبحري وأذرعتها الاستخبارية في تجاوز جوارها القريب إلى الضرب في العمق البعيد من خلال عملية تحرير أسراها في عينتيبي (أوغندا)، اغتيال (أبو جهاد خليل) الوزير (تونس)، اغتيال فتحي الشقاقي (مالطا)، تدمير مفاعل تموز النووي (العراق)، ملاحقة واغتيال العلماء النوويين العرب (فرنسا)، عمليات التخريب واغتيال العلماء النوويين (إيران)، تدمير مصانع السلاح والذخيرة (السودان)، نشر غواصات بصواريخ ذات رؤوس نووية في البحر الأحمر وبحر العرب وصولاً إلى سواحل إيران الجنوبية الغربية.

الإسلام أبرز عوامل الترابط في عالم العرب، غير أنه لم يكن دائماً في حال صحوة بل غالباً ما كان في حال خمول. والدليل يبرز على مدى ألف عام، حيث أنه حكم العرب حكامٌ أجانب باسم الإسلام ظاهراً ولمصالحهم السياسية والاقتصادية والشخصية أولاً وآخراً. في شباط من عام 1997، ثم مع مطالع عام 2011، تفجّر غضب شعبي عارم في إيران أولاً ثم في تونس ومصر وسائر دنيا العرب تالياً، وصعد الإسلام خلالها إلى صدارة التحوّلات العالمية. الإسلام الصاعد ذو طابع محافظ، متعدد المذاهب والمشارب والتطلعات، لامركزي في قياداته وتنظيماته، معادٍ للغرب غالباً إنما متعامل معه من خلال تنظيمات وحركات تتطلع إلى السلطة.

 إلى ذلك، يبدو الإسلام الحركي فاعلاً في ساحات عدة في عالم العرب. إنه لاعب رئيس في السلطة في تونس ومصر وليبيا وقبلها في السودان وفلسطين (غزة)، وهو لاعب فاعل في أزمات سورية واليمن والأردن، وعماد المقاومة في لبنان (حزب الله) وفلسطين (حركتا «حماس» و»الجهاد الإسلامي») والعراق. بكل حجمه وفعاليته المتعاظمين، يلعب الإسلام دوراً إقليمياً، خصوصاً من خلال جمهورية إيران الإسلامية ذات القدرات النووية. ولأن عالم العرب ينطوي على عاملين وازنين، النفط و»إسرائيل»، فقد أصبح له دور إقليمي وعالمي مؤثر في الاصطفاف الدولي المستجد والناهض بروسيا والصين وإيران وقوى المقاومة العربية من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و»إسرائيل» من جهة أخرى.

يتمظهر الصراع في المنطقة اليوم في حرب ناعمة تعصف بأقطار عدة أبرزها سورية، تواكبها تطورات ثلاثة: أولها ازدياد فعالية «الإسلام الجهادي»، أو «الإرهابي» بلغة أميركا، ولاسيما بعد ثبوت مشاركة تنظيم «القاعدة» وفروعه في أزمتي ليبيا وسورية، وتصاعد نشاطه في اليمن وبعض مناطق العراق.

واللافت حديثاً، نداء الشيخ أيمن الظواهري الذي دعا «القاعديين» إلى تكثيف نشاطهم في سورية ضد نظام الأسد، وإلى إحياء «الثورة التي جرى إجهاضها في مصر وفرض حكم الشريعة». الولايات المتحدة تنبّهت إلى صعود «القاعدة» وفروعها، فأحكمت استخباراتها، بالتعاون مع تركيا، ورقابتها على توريد الأسلحة النوعية إلى المعارضة السورية لمنع وصولها إلى ايدي «القاعديين».

في فرنسا، وأظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة «الفيغارو» ان غالبية متزايدة من الفرنسيين تعتقد ان الإسلام يضطلع بدور اكثر من اللازم في مجتمعها وان نصفها تقريباً يرى في المسلمين تهديداً لهويته الوطنية. هذان التطوران من شأنهما تعزيز موقف الداعين في أميركا وأوروبا وتركيا الى ايجاد مخرج سياسي من أزمة سورية المستفحلة.

ثانيها، تعاظم نفوذ الاصطفاف الناهض بالتعددية القطبية المؤلف من دول «البريكس» (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا) من جهة، وصعود ايران النووية من جهة أخرى، يهددان هيمنة أميركا على المنطقة وخصوصاً قدرتها على استحواذ حصة وازنة من فائض الصناديق السيادية العربية.

ثالثها، انعكاس مفاعيل العاملين سالفي الذكر إيجاباً على قوى المقاومة العربية، وسلباً على «إسرائيل» يهدد مصالح اميركا في المنطقة «وامن اسرائيل»، كما يعزز محاولات «اسرائيل» لتوريط أميركا في حربٍ مع ايران.

الصراع محتدم ومتصاعد، وفي ساحاته يتقرر، عاجلاً أم آجلاً، مصير ثالوث النفط و»إسرائيل» والإسلام الحركي .

عصام نعمان

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version