لا ينبغي النظر إلى تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي على أنها سياق عادي ضمن حرب التدمير الذاتي التي أعقبت انطلاقة الربيع العرب، فالحذر واجب جداً بعد تكشّف حقيقة أن لا خطوط حمراء يمكن للحلف الأمريكي أن يقف عندها في حربه المسعورة على سورية و المقاومة العربية الإسلامية المواجه لإسرائيل، و أن الدم المسفوك هو أهم ورقة في يد هذا الحلف المجرم لإشعال الفتن بين المسلمين.
القرضاوي الذي استحق بجدارة لقب ” مفتي الناتو ” أطلق تصريحات تحريضية في غاية الخطورة مع اقتراب موسم الحج الذي تشخص إليه أبصار مليار ونصف المليار مسلم،و تكاد قلوب عشرات الملايين منهم تذوب إيماناً خلاله، وتصبح مستعدة للتأثر بأية دعاية دينية، فكيف به إذ ترافقت مع سفك دماء وهياج إعلامي من قنوات فتنة وتحريض لا تتقي رباً في عباده ولا يثنيها ضمير إنساني أو يردعها وازع أخلاقي ؟
قرضاوي دعا فيها إلى الدعاء في موسم الحج على خصوم الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل ” :”أطلب من ثلاثة ملايين حاج أن يدعوا على بشار ونظامه وجيشه وإيران وحزب الله وروسيا والصين بأن يدمرهم الله” .
قد يتساءل بعضكم و أين مكمن الخطورة في ذلك ؟
سأحاول الإجابة على ذلك بسرد تاريخي لأحداث موسم الحج منذ العام عام 1979 ،وصولاً إلى الجريمة الأمريكية الكبرى بنحر الرئيس الشهيد صدام حسين فجر عيد الأضحى المبارك نهاية عام 2006 ، ليكون دمه شرارة فتنة وسفك دماء في صعيد عرفات، امتداداً إلى الحرم المكي ، على وقع الخبر و الأنباء المتلاحقة عن تصفيات طائفية بين العراقيين على خلفية الحدث – الفتنة، ولكن أبناء أمتنا عراقيين وحجاجاً كانوا أكبر من المصيدة الأمريكية .
و آل سعود لا يتورعون عن أي شيء أليسوا هم من استورد الكوماندوس الفرنسي ( تم إيقاف الدعاء على الكفار المسيحيين بإهلاكهم ريثما ينتهي المرتزقة الفرنسيون من إبادة الثائرين المختبئين داخله ) لكي يقضي على حركة جهيمان العتيبي السلفية الجهادية عام 1979 ،و التي عرفت أين العدو الحقيقي للإسلام متمثلاً بآل سعود ، حيث اختلطت دماء المسلمين بالمسيحيين يومها في قلب الحرم،وتلطخت أستار الكعبة بالدماء، فداء لعرش آل سعود و استمرار سيطرة الغرب على النفط العربي ؟
و في عام 1988 قام الأمن السعودي بارتكاب مجزرة مروعة في موسم الحج بحق المسلمين الإيرانيين الذين رددوا في الحرم المكي شعارات مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل ضمن شعيرة البراءة من الكفار، التي استفزت نظام آل سعود ، فكان رد المطاوعة الوهابية و الأمن السعودي إطلاق النار على المتظاهرين العزل و ارتكاب مجزرة مروعة .
المسلمون الإيرانيون بعد الثورة أحيوا سنة “البراءة من الكفار الظالمين”،وهم يعتبرونها شعيرة من شعائر الحج،و هم وطوال سنوات ما قبل مجزرة الأمن و المطاوعة السعوديين بحقهم،و الذين قتلوا وجرحوا المئات منهم ومن الحجاج الأبرياء ما انفكوا يعلنونها براءة من أمريكا و إسرائيل، وهم الكفار الذين تعنيهم البراءة الإيرانية، وهم مغتصبو حقوق العرب و المسلمين ومحتلو أراضيهم وناهبو ثرواتهم .
و بينما تدعو السعودية إلى ” عدم تسييس موسم الحج ” تصر إيران على اعتبار البراءة من الكفار الظالمين و الدعاء عليهم ، وتقصد على وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل .
رئيس الحرس الوطني السعودي، الأمير متعب بن عبد الله، قال الأربعاء الماضي ، إن المملكة لن تسمح بـ«تسييس» شعائر الحج هذا العام، مشددا على أن «المشاعر المقدسة ليست مكانا للشعارات السياسية»، وذلك عقب تصريحات رئيس إدارة شؤون الحج الإيرانية التي قال فيها إن «الحجاج الإيرانيين مصرون على تنظيم مظاهرة ضد الولايات المتحدة خلال مناسك الحج».
فهل ينطبق قوله على دعوات القرضاوي للدعاء على خصوم إسرائيل و أمريكا ؟
بالمقابل نقل التليفزيون الإيراني عن رئيس إدارة شؤون الحج الإيرانية، محمد محمدي رايشهري، في وقت سابق قوله إنه «سيتم تنظيم مظاهرة في مكة المكرمة، لجعل المسلمين أكثر إلماما بالمؤامرات التي يديرها أعداء الإسلام للمسلمين».
وأضاف أن «القيام بمظاهرة سياسية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، تحت شعار (البراءة من الكفار) هو أمر حتمي بالنسبة للحجيج الإيرانيين».
قبل سنوات و أمام عجزها في مواجهة المقاومة البطولية للشعب العراقي الشقيق، و صبيحة عيد الأضحى قامت أمريكا بــ ” نحر ” الرئيس الشهيد صدام حسين، في خطوة شديدة الخبث و الإجرام كان الهدف منها صناعة أخدود دم بين المسلمين السنة و الشيعة في الحرم المكي ، يؤسس لشرخ عميق يملؤه الدم البريء ،و يباعد بين المسلمين، ويمكن إسرائيل ومن البقاء، ليمثل الفتنة الكبرى الثانية بعد فتنة مقتل عثمان بن عفان الخليفة الراشدي الثالث،التي لم تتعافى منها الأمة لغاية اليوم .
و أرجو ممن لا يريد الاعتراف بدور الإعلام في صناعة الحدث و التحضير له ، أن يعقد مقارنة بين مشهدين الأول: وقوع الرئيس صدام في الأسر و الثاني : مشهد إعدامه ، ليدرك مدى خطورة الإعلام وتأثيره، وكيف تتم صناعته لخداع الناس و التأثير فيهم .
في الأول وهو إنتاج مفبرك ،أظهرت أمريكا وروجت ” الجزيرة ” الرئيس صدام كشحاذ مشرد، و مختل عقلياً ، يبحث الطبيب عن قمل في رأسه، جباناً بعد إخراجه من حفرة كالجرذ، و الهدف هو كسر هيبته و التأثير على معنويات المقاومين الذين يقودهم ، و كسر نفسية العربي الذي يصر على المقاومة ومواجهة الاحتلال .
في الثاني وهو مشهد الإعدام وتم تسريبه للجزيرة بعد دقائق معدودة من تنفيذ الجريمة ، وكلامي لا ينفي بطولة وشجاعة صدام ، سربت أمريكا وهي من قرر وحكم ونفذ الإعدام ( و تولى إعلامها النفطي إلباس الجريمة لإيران و الشيعة لزوم الفتنة )، وبدا فيه كالأسد الهصور، وتم الامتثال لطلبه بعدم تغطية وجهه ( وهذه لزوم التأثير على المشاهد فمشهد معدوم مقنّع لا يؤثر فيك كما لو كنت ترى وجهه ) وتولى مأجورو الاحتلال ترديد اسم مقتدى الصدر لإلباسه الجريمة .
إذن في الأول أظهروا لنا صداماً جباناً قبيحاً ذليلاً ، و في الثاني بطلاً شجاعاً لا يهاب الموت يهتف لفلسطين و الأمة وهو على حبل المشنقة، فما الذي تغير يا سادة ؟
ألا يجب التساؤل لماذا سربت أمريكا مشهد بطولياً لصدام الذي يحاربها ضباط جيشه الباسل ويثخنون فيها ؟ ولماذا عكست الصورة التي روجتها عنها ( جرذ الحفرة الجبّان المقمّل الرأس! ) بكل بساطة هو أمر ضروري لإثارة التعاطف مع صدام ليس بوصفه بطلاً عربياً مقاوماً للغزاة ،بل كبطل طائفة قتلته طائفة أخرى من العملاء لأمريكا.
فصوت فضائيات الفتنة هو الطاغي على الإعلام العربي،و الخلفية الصوتية للمشهد هي هتافات لآل البيت و لآل الصدر فرحاً بالانتقام للسيد محمد باقر الصدر الذي أعدم في نفس المكان في العام 1980 ، وصوت صرير أنشوطة المشنقة و حديد منصة الإعدام يقابل شهادة أن لا إله إلا الله و أن … ، ويمنع الراحل من تكرار الشهادتين ، إمعاناً في ابتزاز عواطفنا ومشاعرنا لنصبح أكثر غضباً و أقل عقلانية واتزاناً ، ومن ثم تحرف غضبنا نحو عدوها – شقيقنا !.
قتلت أمريكا الشهيد صدام حسين، وهو القائد القومي العلماني المرتفع عن الطائفية و النابذ و المحارب لها ، جرى ترويج الجريمة بأنه قتل طائفي و استهداف لطائفة بعينها ،و قد سبقه قتل رفيق الحريري ،وتسويق ذلك على انه قتل زعيم طائفة لتستفيد من غيابه أخرى … إذن فالخطر ليس من إسرائيل و أمريكا ( وهما القاتل و صاحب المصلحة ) بل من سورية وحزب الله ومحور المقاومة لإسرائيل .
هذا باختصار ما تمكن العدو من ترويجه حيلة و تدليساً في نفوس نسبة وازنة من أبناء أمتينا العربية و الإسلامية ، فمصلحة الغرب و إسرائيل اليوم قائمة في حرب سنية – شيعية تنهك العرب و المسلمين ، وتخلق دولاً قزمة ضعيفة ،وكيانات بداخلها على أسس طائفية و إثنية وقبلية هزيلة لتسود إسرائيل عليها جميعاً .
وقرضاوي الناتو الذي شكر المصريين مسلمين و أقباط ، إسلاميين وعلمانيين على التظاهر ضد مبارك ، جاء إلى الثورة السورية وطالب أهل السنة بالثورة على الرئيس بشا ، قبل أن يوضح أنه التقى الرئيس بشار فوجده ” سنياً ” ولكنه محاط بجماعته من طائفة أخرى الذين يسمحون له بالإصلاح !
هذا المفتن قرضاوي و الفتنة أشد من القتل ينبغي على الصادقين من أبناء شعبنا السوري و أمتنا التحذير من دعواته القاتلة، والتمسك بحبل الأمة و المواطنة،العاصم من الفرقة و الفتن.
وعليه فواجب كل الأحرار العرب الشرفاء أن يعوا أبعاد ، ويقاوموا هذه الخطط الأمريكية التي ورطت الكثيرين ممن كنا نحترمهم ونجلهم ، و انحرفوا متجاهلين تاريخهم وملتحقين بمخطط صهيو أمريكي، للقضاء على أدنى إمكانية نهوض للأمة المبتلاة بالاستبداد و الإرهاب و النهب و السيطرة الاستعمارية .
و أخص من الأحرار من كان يعلي من شأن الشهيد صدام حسين، الذي لا يقبل تلوثاً طائفياً ، وعمالة لأمريكا التي احتلت العراق وتدعم إسرائيل ، فمن كان وفياً لدمه عليه أن يقف في وجه الفتن و المخططات الغربية الفتاكة.
من الصعب على أي عاقل رؤية حجاج مسلمين يدعون الله لنصرة الأمة على أمريكا و إسرائيل،فيما يهتف آخرون ويعلون الدعاء على إيران وسورية وجيشها الوحيد في مواجهة إسرائيل وداعم المقاومة وحزب الله وروسيا و الصين،أي نصرة لأمريكا و إسرائيل…. مشهد فجائعي لا يصنعه سوى أتباع الناتو، ولا يتورط فيه سوى المغفلين.
باسل ديوب | عربي برس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)