فسوق ولا جدال في حضرة أيوب السماء،فمالي أرى الصابئون يرفثون بأنفسهم ويترافصون،جدالهم فسق وفسوقهم جدل،وكلما لطم حزب الله (إسرائيل) لطمة كأنها نزلت على سحناتهم،رغم أن أصابع السيد الخمس أكثر طهراً من أن تنجسها تلك الوجوه إن هوت عليها،أم أن تلك الوجوه النجسة المنجسة تتصدى لتلك الأصابع لتتطهر،فهي لا تعلم أنه حتى لو سال الدم على حوافها ولو سبعاً فلن يطهرها من الرجس..
ليس غريباً أن ينتصر سيد الإنتصارات،ولا هجيناً أن يبرهن نظرية بيت العنكبوت في كل مناسبة،ولا بدعاً أن يقهر مقهوريه من شُذاذ الآفاق بني صهيون،فهو الذي كلما سار اتبعه الفوز وانتظرته النجاة،وهو الذي أينما جال فزعت منه المنايا واحتضنته الحياة،وهو الذي إن قام مادت دولة اللقطاء ورست على مُحياه المُثلات،وهو الذي أرسل لهم بأيوب من حيث لم يحتسبوا،وقال أيوب ليس جزءاً مما وعدناكم به من مفاجآت،فأيوب ليس على لا ئحة ما بعد ما بعد بعد حيفا،فما أيوب الصبر إلا نتاج صبر لانّت له جلاميد الصخور وشامخات الجبال.
جال أيوب وصال في سماء فلسطين،تلمّس هواءها وتنسم عبيرها،رأى جبالها وسهولها،ونظر إلى وديانها وساحلها،وشزراً نظر إلى مغتصبيها،ووعدهم مقتاً وغضباً، وتوعدهم بانحناء يسبق الإنمحاء،وطاردوه لِيبزوه ويخرجوه،فأبى إلا الشهادة ،فهذه فلسطين المعشوقة الممشوقة عزاً،فلا يغادرها من تطيَّب بعطر هواها إلا قتيل جواها،وانغرس في ثراها ،وبالعود واعداً إياها،كفينيق من الرماد، ليحلق في سماء بلا عماد،قاهراً عداها وبني يهود،ساخراً من عِداه المُقنعيين بجنسية البلاد،المهاترين المنافقين المترافعين عن قاتل العباد،الشريد البغيض مغتصب الأرض والعرض ،حريريون آذاريون مجعجعون،حتى المتفتفتون في مرجعيون بدلوهم يدلون،وهابيون قرضاويون وسلفيون ،أسيريون متعرعرون بالتبعية والخيانات متوشحون,وبفقه الإنبطاح متفزلكون متشدقون،ولقد أقرأتني فلسطين عن أيوب عن سيده أنه قال ويلٌ للمتصهينين.
وبعد أن زار أيوب فلسطين واستشهد،وحلق فوق سماء غزة وسلم على بحرها،ونكأ جروح العنكبوت وأدمى بيتها،وكشف الوهن فيها وانكشفت عورتها،وهان حديد قبتهم الصدئ،وأثبت أيوب أنه القادر المتمكن،وتجرع نتنياهو سمه،وتداعت كل العناكب لتبلسمه،جاءه بلسم من الموز من حيث لم يحتسب،فتناقلت الأخبار خبر زيارة الشيخة موزة المنتفخة نفطاً وغازات إلى غزة،أصحيح هذا أم مجرد خزعبلات؟ ماذا سيقول أيوب لو صح ذلك،أسيعتريه الندم أم سينبعث من العدم،فيقول من حيث أتيت أعيدوني،فأنا لم أعشق هذا الثرى لتدوسه تلك الأقدام اللئام،أقدام تقتل أحبتي وأحبة سادتي بالشام،وأياد تحتضن المأفونين الأعاوِّر ، وتأوي كل من خان وهان واستكان،تعطيك باليمين غازاً وتسلبك بالشمال عزاً،تنفث لك بالنفط وتلوثك بالقحط،تصنع لك من المال رباً ومن الإنبطاح ديناً ومن الصحراء جنةً ومن بول البعير عسلاً أنهارا.
هذه ليست غزة التي أعرف،ولا هي غزة التي نرجوا،غزة التي استقبلت جيفارا،واحترقت من أجل عبدالناصر ،واشتعل فيها الرصاص المسكوب من أجل انتصارها،وزارها أيوب مستشهداً على أسوارها،ونثرت عبيرها في أرجاء الكون الأربع ثورة وثريا،لا يمكن أن تتعكر لها بالغازات أجواء،وإن كانت غزة بالكرم والمروءة شهيرة،وتستقبل كل آت برٌ كان أو فاجر،ولكنها تلفظ الخبيثات و الخبائث،تتعوذ منهما بالرحمن صبح مساء.
ولست هنا أطلب من حكومة غزة إلغاء زيارة تطبيعية مع أولياء الأعداء،فهذا سيكون من الغباء واللافطنة،فتلك حكومة ألبس رئيسها موزة الشيخ وموزة الحفلات وموزة البروتوكولات عباءة المقاومة،عباءة مخضبة بالدم باعها ببرميل نفط وقارورة غاز ،يا لدمنا ما أشده بخساً،فبعد عقد البيع هذا ليس من حصافة ولا وجاهة في طلب إلغاء الزيارة،ولكني أدعو بالليل أن يغيثنا الله بغيث بعد إنتهاء الزيارة فيغسل وجه غزة،ويطهرها تطهيرآ،حتى لا تقف غزتنا صاغرة بعد التعملق في محكمة الأمة،تطلب صفحاً وغفرانآ،واستباقاً عفوك أمتي وغفرانك أيوب بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن غزتي.
ايهاب زكي
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)