تركزت الانظار في الايام الاخيرة على المأزق التركي من ناحية سورية، ومشكلة رئيس الوزراء طيب رجب اردوغان الداخلية والخارجية وقراءة حكومته الوضع السوري بثقة مبالغ فيها. والسؤال هو كيف تعيد تركيا ترتيب موقفها من سورية، وبنفس السياق صدرت تصريحات من الاطراف التي تحمست كثيرا وطالبت بتسليح المعارضة السورية، مثل السعودية وقطر حيث اوردت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ يوم الاحد تصريحات مسؤولين في الدولتين ربطوا فيها وصول الاسلحة الثقيلة للمعارضة المسلحة بالموافقة الامريكية الضمنية وغير الضمنية.
وهناك مخاوف لدى السعودية وامريكا من عدم تكرار الدرس الافغاني في سورية، خاصة في ظل تحول هذا البلد لساحة جهاد دولي يفد اليها شباب من كل انحاء العالم تقريبا للدفاع عن اخوانهم السوريين. وعلى الرغم من الموقف هذا فالسعودية ترى فرصة لتحقيق انتصار على عدوتها ايران التي طالب الملك عبدالله حسب وثائق ويكيليس الامريكيين بقطع ‘رأس الافعى’.
حراك سعودي
وتشير صحيفة ‘واشنطن بوست’ في تقرير لها تحت عنوان ‘السعوديون يصطفون ضد اسد سورية’، وجاء فيه انه عندما اعلن الملك عبدالله عن عملية جمع تبرعات على مستوى البلاد بادر السعوديون وتبرعوا بـ 150 مليون دولار. وقام التلفزيون السعودي بتخصيص يوم لجمع التبرعات حيث ارسل من اتصل تبرعاتهم عبر الرسائل الهاتفية، والانترنت لحساب فتح خصيصا لدعم الثورة السورية. واشارت الصحيفة ان الملك عبدالله تصالحي في طبيعته شجب سورية بعبارات غاضبة ووقف شعبه وراءه في الشجب.
وتقرأ الصحيفة الموقف السعودي من زاوية العلاقة مع ايران، حيث يرى الملك ان هناك فرصة لتوجيه ضربة قاضية لايران. وتعتبر سورية مفتاح التأثير لكل من السعودية وايران الساعية كل منهما لتوسيع دائرة التأثير في المنطقة.
ويقول مسؤول سعودي لم يكشف عن اسمه ان سورية هي مفتاح ايران للعالم العربي وسقوط الاسد يعني ضربة استراتيجية لها. ويضيف ان ايران معلقة على الحبل بسبب العقوبات والموقف الدولي من مشروعها النووي، ومن هنا فخروج الاسد من المعادلة يجعلها اكثر عرضة للعقوبات. وفي الوقت الذي يقدم فيه المسؤولون اجوبة مراوغة حول الدعم السعودي للمعارضة المسلحة الا انهم في احاديثهم الخاصة يعترفون بشراء الحكومة السلاح والذخيرة للمقاتلين، كما ويدفع السعوديون رواتب الجنود المنشقين عن جيش النظام.
ويقول محلل سعودي مؤثر ان السعودية اشترت كلاشينكوفات وبنادق روسية الصنع للجنود المنشقين عن النظام والذين تدربوا على استخدام هذه الاسلحة، كما مولت السعودية شحن ملايين من الذخيرة للمعارضة. وتنقل عن محللين قولهم ان السعودية تريد تقديم مساعدة اكثر للمعارضة على شكل اسلحة ثقيلة من صواريخ ارض- جو الا ان امريكا تمنعها، حيث تخشى واشنطن من وقوعها في ايد الجماعات المعادية لها.
مقاتلون سعوديون
وعلى الرغم من الدعم العسكري للمعارضة الا ان الرياض تقاوم عملية تدخل عسكري لانهاء الازمة في سورية ويؤكد مسؤولوها انها لم ترسل مقاتلين الى هناك وان من ذهب من المتشددين عددهم قليل. ولا تريد السعودية عودة محاربين من هناك لاثارة المشاكل كما حدث في تجربة القاعدة. وعلى الرغم من هذه التأكيدات الا ان باحثين امريكيين يشككون فيها ويقولون انهم لن يصدقوها حتى تقدم لهم الادلة على ذلك.
وكان الملك عبدالله اول من اتخذ موقفا متشددا من الاسد وطالبه باصلاح شامل. ومنذ تطور الازمة اتخذ سعود الفيصل مواقف متشددة حيث دعا علنا لتسليح المعارضة في اجتماع مجموعة اصدقاء سورية في تونس. ولم تكن العلاقة مع الاسد جيدة منذ اغتيال حليف الرياض في لبنان رفيق الحريري عام 2005. ويتعرض العاهل السعودي لضغوط شعبية لتسليح المعارضة بشكل كبير او المشاركة في عملية عسكرية تشارك فيها دول اخرى. ومما يزيد الضغوط هو وجود جالية سورية في السعودية يبلغ عددها مليون شخص تقريبا وقد جمع هؤلاء الملايين لدعم المعارضة.
تركيا قصة اخرى
على الساحة التركية، فالدعم الشعبي ليس كبيرا كالسعودية حيث تواجه حكومة اردوغان ضغوطا شعبية ومن المعارضة بشأن موقفها من الاسد، ويتهم اردوغان بانه وراء تردي العلاقات مع الجيران، على الرغم من سياسة ‘صفر مشاكل’. ولا يرغب الاتراك في حرب مع سورية، على الرغم من قدرة جيشهم على هزيمة جيش الاسد المنهك. ويلوم سكان القرى القريبة من الحدود مع سورية الحكومة بجعل قراهم نقطة انطلاق للمعارضة كي تضرب وتدخل سورية. والى هذا اشار روبرت فيسك في مقال له في ‘اندبندنت’ حيث انتقد ‘النفاق’ الدولي الذي انتفض لشجب القصف السوري لبلدة اكجاكالي حيث قتلت امرأة وابناؤها الاربعة. ودفع عن نفسه التهمة الموجهة اليه بانه ‘مخابرات’ سورية. ولكنه قال ان النظام السوري شرس وقاتل وهذا شيء اخر والقوانين والاخلاق الدولية امر اخر. وذكر الكاتب ان البلدة التي قصفت تقع في اقليم هاتاي التي كانت ارضا سورية وهبها الفرنسيون للاتراك على امل دخولهم الى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. والى هذه الحقيقة اشار نورمان ستون الباحث في الشؤون التركية في مقال بصحيفة ‘التايمز’ حيث قال ان معظم سكان هذا الاقليم هم من غير الاتراك، ولاجل هذا فالعلاقات بين البلدين ظلت متوترة، حيث سمحت سورية لمقاتلي حزب العمال الكردي ‘بي كي كي’ الذي يطالب بالانفصال عن تركيا العمل من داخل اراضيها، واقامت له معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني. ويشير الكاتب الى ان مؤسس تركيا الحديثة كان شعاره ‘سلاما في الوطن يعني سلاما في العالم’ وقد ظلت تركيا تتبع هذه الصيغة، وقامت عام 1973 بغزو قبرص لحماية الاتراك القبارصة هناك، ولكنها انتقلت وشاركت في مهمات دولية لحفظ السلام.
ويضيف ان تركيا اتبعت سياسة الحياد لكنها تراجعت في ظل اتاتورك وخلفائه، والان مزدهرة في ظل اردوغان الذي كان عمدة ناجحا لاسطنبول والآن رئيسا ناجحا لتركيا حقق لها نقلات كبيرة، وارسل رسالة للعالم ان الاتراك عادوا وان الاسلام لا يتناقض مع الرأسمالية والتعليم الحديث. وحقق هذا وفي عقله ما كان يقوله المفكرون المسلمون في القرن التاسع عشر من ان الاوروبيين يعيشون في القصور والمسلمين يعيشون في احياء البؤس.
اخطاء في الخارج
نجاح اردوغان في السياسة الداخلية لا يعني نجاحا في مجال السياسة الخارجية حيث دعم القضايا الخطأ، فقد حارب اسرائيل والان دخل في صراع مع سورية فقد حصل على تفويض من البرلمان يسمح للقوات التركية التدخل خارج حدودها اذا تعرض الوطن للخطر. ويقول ستون ان هناك ثورة في تركيا، من ناحية العودة للماضي العثماني الذي درس الاطفال انه ماض فاسد، ويجب التخلي عن كل ما يمت اليه.
ولكن العثمانية الجديدة التي تعني ان على تركيا حماية ولاياتها القديمة تثير للجدل، فعلاقة تركيا مع سورية لم تكن سهلة في الماضي والحاضر ـ فاهل الشام يتذكرون جمال باشا ‘السفاح’. اضافة الى ان هذه السياسة لا يجمع عليها الكثيرون خاصة الموالين الخلص لاردوغان. ويقول الكاتب ان تركيا ظلت تتجه للغرب وعليه من الصعب ان تجد محللا يتحدث العربية للاعلام. صحيح ان المال العربي يدعم قطاع العقارات في البلاد والذي يسهم بتدفق السلاح للمعارضة، لكن حقيقة قيام سورية بالانتقام من انقرة بالسماح لبي كي كي العمل يعني ان السياسة تنعكس سلبا على تركيا. ويقول ان الامريكيين لا يساعدون تركيا، فقد علقوا هواتفهم في ظل الحملة الانتخابية، وطلب احمد داوود اوغلو اقامة منطقة عازلة رفضه الامريكيون بادب، ولهذا فتركيا ستنتهي وحيدة عند الازمة.
اكراد وعلويون
وهذا يضعها امام مخاطر منها فتح جبهة جديدة مع الاكراد، حيث بدأت بالتفجيرات والعمليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني، فالمعادلة واضحة، تركيا تدعم المعارضة فلماذا لا تدعم سورية الاكراد. اما الامر الاخر فهو فتح جبهة في الجنوب حيث سكان اقليم هاتاي العلويين الذين يعادون سياسة الحكومة ويتعاطفون مع النظام العلوي في دمشق. ويختم بالقول ان ما تقوم به الحكومة الحالية تعبير عن ثقة بالنفس،حيث تخلت عن ضبط النفس الذي اظهرته اثناء غزو العراق.
ويقول ان اتاتورك كان محقا ويجب العودة الى ما قاله. في الوقت الحالي تواصل القوات التركية قصفها لسورية. ونقلت ‘التايمز’ عن مقاتلين قولهم ان القصف التركي يساعدهم ويسهم في اقامة منطقة عازلة، حيث نقلت عن مقاتل في الجيش الحر قوله ان النظام السوري سيفكر مرتين قبل ان يقصف المناطق الحدودية لتركيا. ويقول ان المقاتلين على اتصال دائم مع القوات التركية، حيث يخبرونهم عن مواقعهم التي يتمركزون فيها. وعلى الرغم من استعراض القوة التركي الا انهم يشكون في استعداد تركيا للانخراط في الازمة بشكل اعمق. مع ان محللين نقلت عنهم ‘فايننشال تايمز’ قالوا ان اردوغان يخشى خطر الوقوع في المستنقع السوري، حيث قالوا ان رئيس الوزراء امامه خياران، التراجع عن موقفه او الاستمرار في موقفه المتشدد من سورية.
سيريان تلغراف