على وقع الانتصارات الساحقة التي يحققها اليوم أبطال الجيش العربي السوري على مرتزقة الأعراب ومجرمي الغرب الصهيووهابي يستعيد السوريون هذا العام ذكرى الملاحم البطولية التي سطرها رجال قواتنا المسلحة قبل (39) عاما في حرب تشرين التحريرية ليؤكدوا أن الأرض التي صانها الآباء بدمائهم وأرواحهم لن تستطيع أي قوة مهما بلغ جبروتها النيل من حرمتها على الأعداء.
انتصارات حرب تشرين وتمسك سورية بحقوقها ودعمها للمقاومة ودفاعها عن المقدسات جعل جوقة عملاء الأعراب والعثمانيين الساعين يعملون على تسخير كل إمكانياتهم لتدمير بنية الدولة السورية وإضعاف دورها بأساليب مبتكرة جديدة وأدوات زرعت في الداخل لتكون منفذا يعتقد مهزومو الغرب وإسرائيل أنهم سيمررون من خلالها أجنداتهم العدوانية في المنطقة.
الاختلافات البسيطة للعدوان الجديد الذي تتعرض له سورية منذ ما يقارب العامين عن الظروف التي مرت خلال حرب تشرين التحريرية لا تلغي بأي شكل من الأشكال التشابه الكبير بين ظروف المعركتين حيث تواجه سورية حاليا ما واجهته قبل (39) عاما عدوا مسلحا بأسلحة غربية صهيونية هدفها تدمير سورية الدولة المقاومة والنيل من شعبها الذي أسند إليه منذ بداية التكوين مهمة حماية المنطقة وإسقاط كل مشاريع الهيمنة والعدوان المعدة لاستهدافها.
الأسلحة الإسرائيلية المضبوطة بيد الإرهابيين المرتزقة داخل حجورهم وأوكارهم والتصريحات الغربية العدوانية التي تتناقلها وسائل إعلام شريكة بجريمة سفك الدم السوري تضع السوريين دائماً أمام مقارنات وذكريات عاشوها في حرب تشرين التحريرية وكيف كان الجيش العربي السوري يدمر الآليات والطائرات الصهيونية المعادية بينما تعيد أنباء الانتصارات وعمليات الحسم التي تسطرها قواتنا المسلحة خفقات قلوبهم المعلقة بجيش وطني عقائدي لم يبخل يوماً منذ تأسيسه في بذل الدماء وتقديم الأرواح دفاعاً عنهم وعن أرض الوطن والمقدسات.
الثقة التامة بقدرة الجيش العربي السوري على النصر وتدمير الإرهاب ودعوات الفتنة الصهيووهابية تعززها وحدة الشعب الذي يقف اليوم صامداً صابراً أمام التحديات والعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه في محاولة يائسة لضرب تمسكه بأرضه ووحدته وخياره الثابت الذي كان شاهداً على الانتصار في حرب تشرين وبطولات أبنائه على سفوح جبل الشيخ والقنيطرة وجميع أرجاء الجولان السوري الحبيب.
ولا تغيب ذكرى حرب السادس من تشرين الأول عام 1973 عن ذاكرة العرب الذين يعودون دائماً للحديث عن تلك اللحظات التي لم تكن الشاهد الأول على بطولات الجيش العربي السوري وتضحياته للذود والدفاع عن كرامة سورية والأراضي والمقدسات العربية موءكدين في الوقت نفسه أن هذه الحرب كانت بالفعل محطة مهمة في التاريخ وخاصة أن اغلبية العرب توحدوا في ذلك الحين وخاضوا بداية الحرب مع سورية ومصر واستطاعوا تحرير جزء كبير من الأراضي العربية المحتلة ليؤكدوا أن العرب قادرون عندما يجتمعون على تحقيق الانتصار وأن إرادة الحكام وتخاذلهم هي المعوق الرئيس أمام توظيف الطاقات العربية وتحريكها لاستعادة الحقوق ورد الاعتداءات.
وبالعودة إلى حرب تشرين التحريرية التي هزمت إسرائيل وأسقطت أسطورة جيش عدوانها وغيرت معادلات المنطقة يمكن القول إن هذه الحرب والنجاحات المتتالية التي تحققت في اختراق صفوف العدو الإسرائيلي منذ الساعات الأولى أثبتت أن تحرير كامل الأراضي العربية المحتلة يلوح بالأفق وأن النصر بات قريباً جداً قبل أن يسارع الغرب كعادته بالتدخل لإنقاذ العدو وفتح باب المفاوضات لإيقاف القتال على إحدى الجبهتين فكان له ما أراد على الجبهة المصرية.
ولم يكن أمام سورية التي نجحت في توحيد كلمة غالبية العرب وإقناعهم آنذاك بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة بعد ايقاف القتال على الجبهة المصرية وزيادة ضغط العدو على جبهة الجولان سوى الاستمرار ومتابعة القتال والتحرير عبر حرب استنزاف استمرت لمئة يوم استطاع فيها بواسل الجيش العربي السوري تسطير أروع ملاحم البطولة والفداء لتكون النتيجة تحرير مدينة القنيطرة ليتحول شهر تشرين وما تلاه من أشهر إلى عنوان للمجد والفخار ونبراس لتجديد مشاعر العزة الوطنية بالانتصار وتمهيد الطريق لترويج ثقافة المقاومة والتحرير في المنطقة.
ومن ذلك الحين بدأ الصراع في المنطقة بين مشروعين أحدهما تقوده سورية يدعم حركات المقاومة والمشروع القومي بينما خضع غالبية حكام العرب الناطقين بالعربية للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية وانضموا للمشروع المعادي الساعي للسيطرة على المنطقة ونهب خيراتها واستعباد شعوبها ليكون أشقاء الأمس أعداء اليوم الذين يتامرون بالسر والعلن على حركات المقاومة وسورية الدولة الوحيدة الداعمة لهم.
لم ينجح التآمر العربي الخليجي على سورية في كافة المراحل السابقة في زعزعة إيمانها بالعروبة أو دفعها للتخلي عن المقاومة أو تأدية واجبها بالدفاع عن الأرض والمقدسات التي يتخذها حكام وملوك الأنظمة العربية أداة للتجارة أمام شعوبهم وإعداد البيانات والخطب والكلمات في المؤتمرات والمناسبات والشواهد على ذلك كثيرة حيث بقيت سورية ثابتة على عهدها تعمل لدعم التلاقي العربي ولا تدخر جهداً لدعم حركات المقاومة والتصدي لجميع محاولات حرف البوصلة عن القضايا الرئيسية للعرب وإعادتها للاتجاه الصحيح.
الموقف السوري الداعم للمقاومة والرافض لكل مشاريع ومخططات الهيمنة الغربية الصهيونية على المنطقة دفع الخانعين من حكام الأنظمة العربية المرتهنين للغرب إلى المزيد من التآمر على دمشق فأرسلوا مرتزقتهم وأسلحتهم لتنفيذ أجندات أسيادهم في الغرب لتكون الحرب التي تتعرض لها سورية منذ ما يقارب العامين حرباً بالوكالة أدواتها وتمويلها عربي ومخططاتها وأجنداتها أمريكية صهيونية.
ويرى مراقبون أن المعركة التي تخوضها اليوم سورية ورغم اختلافها قليلاً بالشكل لا تختلف بالمضمون لأن العدو الخارجي الذي يمول ويسلح ويرسل مرتزقته إلى داخل البلاد هدفه واحد وهو اسقاط سورية تلك العلامة الفارقة في تاريخ هذه المنطقة التي لم يبق أمام الولايات المتحدة وإسرائيل للهيمنة والسيطرة عليها سوى إضعافها وتغيير دورها وضرب قوى المقاومة المدعومة من قبلها وهو ما لم ولن يحصل.
وجاء تشرين التحرير اليوم وعادت قصص البطولة لتروي ذكريات لا تنسى عن موعد لم تتأخر سورية عن حضوره يوماً في سبيل دفاعها عن المقدسات والأرض العربية التي كتب الله لها منذ بداية التاريخ أن تحمى من قبل السوريين الذين لم يرتضوا ابداً أن يتنازلوا عن حق أو يتفاوضوا على مبدأ لتبقى سورية التي خاضت ودعمت جميع الحروب وعمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات الغربية عنواناً للصمود والمقاومة ومثالاً للتضحية والاستعداد لبذل الدماء المطلوبة لتحقيق الانتصارات ورسم مستقبل مشرق لجميع العرب والأحرار في منطقة أراد الغرب على الدوام الهيمنة عليها.