Site icon سيريان تلغراف

قراءة في مسار الفوضى الجارية في الساحة الأردنية والعربية .. بقلم ناجي الزعبي

 قراءة في مسار الفوضى الجارية في الساحة

الأردنية والعربية

المبادرة الوطنية الاردنية

لنقفز فوراً إلى الاستنتاج في المقدمة، الفوضى ” الخلاقة” تم تطبيقها في الدول العربية بمنهجية موصوفة، بهدف تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات، على أسس مذهبية – طائفية – أثنية- قبلية وعشائرية. فقد بداء المسلسل في السودان، وتم إنجاز المرحلة الأولى من تقسيمه، و سبق ذلك تفكيك دولة الصومال، وأدخل المجتمع في حروب بين فصائل، تفرخ مثل الفطر، حول من هم الأكثر صدقاً في إسلامه، ثم انتقل المخطط لتفكيك دولة اليمن، التي لم تتشكل أصلاً ضمن مفهوم الدولة الوطنية, وعملية التفكيك هذه مستمرة. ثم دخلنا مرحلة ما يسمى الربيع العربي، لتظهر بكونها، عملية تجديد وإعادة انتاج مجموعات التبعية الحاكمة، كونها فقدت إمكانات استمرارها، وصعب الاستمرار في الحفاظ عليها في كل من مصر وتونس. ثم وصولاً إلى شن حرب على ليبيا وقصفها والعودة بها إلى ما قبل التاريخ. ليأتي دور سوريا، من خلال تجنيد قوى التبعية العلمانية والأسلاموية، وإعلان الحرب عليها، كونها شكّلت معقل المقاومة للمشروع الأمبريالي في المنطقة، وبما أن  هذه الحرب، لم تحقق أهدافها في تحطيم الدولة السورية، أنتقل “المركز- المخطط” نتيجة برجماتيته، بسرعة إلى خطوة بديلة – مكملة، تهدف إلى إحداث الفوضى في دول الطوق الأخرى – دول الطوق حول الكيان الصهيوني – وتحديداً الأردن ومصر ولبنان.

ففي لبنان تم تجنيد جزء كبير من القيادات السياسية اللبنانية في الحرب على سوريا، مقابل ماذا؟ مما يظّهر، مدى استعداد مجموعات التبعية لإرتكاب الموبقات من أجل مصالحها الذاتية، وظهر مدى استعدادها للانصياع الاعمى، إلى إملاءات قوى المركز الرأسمالي المهيمن، وتعريض أوطانها وشعوبها للكوارث، لا يهم ما دام مصالحهم الذاتية محفوظة، مع معرفتهم المسبقة لمدى دقة التوازنات الطائفية – المذهبية  السياسية في مجتمعهم، هذا المجتمع الذي يبدو في الظاهر على أنه مجتمع متحضر حديث، ليظهر بكونه في الواقع، مجتمع لا يزال يعيش مرحلة المجموعات ” الماقبل راسمالية” لبنان الحالي على كف عفريت، لا يعلم أحد متى ستأتي اللحظة التي يحصل فيها الانفجار، وتدخل البلاد في أتون حرب أهلية، جربها اللبنانيون مسبقاً، وهم يعرفون نتائجها التي خبروها.

أما مصر التي عاشت بركات “الربيع العربي” الذي فتح الأبواب واسعة أمام إنجاز الخطوات القادمة ضمن مخطط تفكيك الدولة وتفتيت المجتمع، فمن المعلوم أن دول العالم الثالث التابعة، تستمد وحدة أراضيها من وحدة وتماسك جيشها، المؤسسة الوحيدة القادرة – بحكم التطور – على ضمان وحدة الدولة والمجتمع، فما الذي يجري على أرض مصر، هناك “تساؤلات – مؤشرات” حول استهداف الجيش المصري ودوره، فمن هي المجموعات السلفية المسلحة العاملة في سيناء، من يسلحها ,من يدعمها ,من يمولها ,ومن يدربها؟ … الخ وهل تم إدخال الجيش المصري في حرب استنزاف هناك؟ قد تكتمل الصورة، فيما لو أخذنا بنظر الإعتبار التسريبات الاعلامية، حول الانقلاب الذي جرى ضد قيادة الجيش، وتم إعفاء الطنطاوي وعنان من منصيبهما، لأنهما رفضا أرسال قوات مصرية إلى الحدود الأردنية -السورية للمساهمة في الحرب على سوريا، وفي حالة ربطها بمطالبة قطر “إرسال قوات عربية ” إلى سوريا، وإعادة طرح التساؤل حول الكيفية والسهولة التي تم بها حسم الصراع المعلن بين قيادة الجيش المصري ومجموعة “الأخوان المصريين”؟؟؟ بالاضافة إلى الأخبار حول استهداف المصريين المسيحين في سيناء، مقدمة لتغذية انقسام طائفي، يمهد الطريق امام تقسيم مصر، كما هو مخطط إلى دويلات ثلاث، فهل يمكن بناء صورة عما يجري بناء على هذه المعطيات؟.

أما الأردن، والذي أنجزت مجموعة التبعية الحاكمة فيه، مهمة تفكيك الدولة فعلياً وواقعياً على الأرض، وتركته دولة بلا موارد، ودولة لا تمتلك ثرواتها، وتتنازل عن حقوقها المائية عصب الحياة، وتربط خطط التنمية بالمشاريع الإقليمية المشتركة مع الكيان الصهيونين. ودولة خصخصة مؤسساتها الوطنية. ودولة تعتمد على المساعدات الخارجية في إدارة شؤونها وشؤون المجتمع، دولة تحت الانتداب الثاني، انتداب صندوق النقد والبنك الدوليين- أدوات مراكز رأسالمال العالمي- دولة لا تمتلك قرارها الوطني، ودولة تسمح لمجموعات التبعية الحاكمة وأتباعها في السوق الثقافي، من تفتت مجتمعها، وتغذية صراع مجموعات ” الماقبل رأسمالية”  دولة تصبح جامعاتها العلمية “ساحات” صراع بين طلابها، على أسس عشائرية وجهوية وأقليمية …الخ، دولة يتحول فيها “العرس الديموقراطي” إلى قطع الطرق وتكسير وتحطيم وقتال بين فئات المجتمع، ومع مؤسسات الأمن.

اصبحت الدولة بلا مقومات الحماية، ويبدو أن المجتمع قابل للقسمة، إذا لم يتدارك الجميع هذه الحالة الهشة القابلة للحريق، والتي تمهد الطريق أمام القوى التي تسعى لإدخال الدولة والمجتمع في حالة الفوضى، قوى ممثلة بمجموعات التبعية، داخل مؤسسات الدولة وفي صفوف المعارضة وفي السوق. وهي قوى معنية بإنفاذ مخططات اسيادها، من أجل ضمان مصالحها الخاصة، ولعدم قدرة مؤسسات الدولة على صيانة القرار الوطني المستقل، لغياب شروط تأمين القرار، تصبح مؤسسات قابلة للإبتزاز، من قبل كل من هب ودب، ومن قبل من يدفع مساعدات لسد العجز في الموازنة وتأمين رواتب الموظفين.

إذا ما اتخذ القرار، من هي القوى المحلية والخارجية صاحبة المصلحة بفتح المعركة على سوريا؟ وتحت عنوان معلن اسقاط نظام “يقتل شعبه”  لصالح “قتل شعب” في معركة ليست معركته, لا بل على العكس، فإن مصير الأردن مرتبط بمصير سوريا. لمصلحة من يدفع  مجتمع للانتحار، مجتمع مصيبته الوحيدة أنه منع من حقه في التطور الطبيعي، وحرم من استغلال ثرواته الهائلة، لصالح بناء دولته الوطنية المنتجة المنيعة المستقلة، غير القابلة للإبتزاز، إبتزاز كل من هب ودب، ومن يستطيع الدفع.

فمن هي القوى التي تسعى للصدام؟ وما هي مصلحتها في الصدام؟

فهل تحقيق الاصلاح (الانتخابات) وتأمين حصة لها أكبر في السلطة، ضمن برلمان دولة وظيفية تابعة، عاجزة عن تأمين لقمة عيش مواطينها. هل هذه هي الأولوية في هذا الوقت، وهل اسقاط النظام السوري له الأولوية في هذا الوقت.

طرفي الصراع في الأردن، وجهان لعملة واحدة، مجموعيتن من التبعية، واحدة ببذلة والأخرى بدشداش، وبما أن الصراع المعلن، من قبل الطرفين، يدور حول الشراكة أم المشاركة، بمعنى حول النسبة في إتخاذ القرار. وما رشح من عرض قدمته مجموعة التبعية في الحكم، لمجموعة التبعية في المعارضة، لا يمكن رفضه لو كان قرار هذه المجموعة مستقل، فمن يقف خلف قرار الرفض؟  أهو “التنظيم العالمي للحركة” الذي عقد صفقته التاريخية مع “المركز الرأسمالي”؟.

من سيحمي الأردن؟ وكيف نحمي الأردن؟ هل يتم ذلك بالإنحياز لمجموعة التبعية بالبذلة، أم بالإنحياز لمجموعة التبعية في الدشداش، بالتأكيد لاهذا ولا ذاك. إن مهمة حماية الأردن تقع على عاتق الشرائح الوطنية المنتجة والكادحة، البعيدة كل البعد عن الانتهازية والسمسرة، وصاحبة المصلحة الحقيقية في حماية الأردن وتحقيق استقلاله الناجز.                                                                         

عود على بدء

الفوضى “الخلاقة” أو الفوضى “البناءة” أو “الفوضى المسيّرة”، هي العنوان المعلن من قبل الإدارة الأمريكية، من أجل إنفاذ مشروع ، يهدف إلى ضمان ديمومة هيمنة ” مركز رأسالمال العالمي” على ثروات ومقدرات وإمكانات أمتنا العربية، وشعوب المنطقة عامة، وإبقاء مجتمعاتها في حالة دائمة من التخلف والجهل والمرض، في الوقت الذي تنعم الشركات متعدية الجنسيات ومجموعات التبعية العربية داخل مؤسسات الدولة وفي السوق، بثروات هذه الأمة، وحجبها عن إصحابها الحقيقيين، خاصة في ظل المحاولات المحمومة للرأسمالية العالمية من التحويل من سمة الإنتاج إلى سمة المضاربة ( تحويل اسواق العالم إلى اسواق للقمار لصالح لصوص عالميين) تحت شعار مضلّل “العولمة”.

ففي الوقت الذي  إعلنت فيه الإدارة الأمريكية عن ذاتها ممثلاً تنفيذياً وشريعياً وحيداً للمركز الرأسمالي العالمي، بعد إنهيار المعسكر الاشتراكي،  وأعلن المركز الرأسمالي العالمي، في الوقت ذاته، استراتيجية جديدة تحت عنوان “توافقات واشنطن” القائمة على توحيد السوق العالمي، تحت  عنوان العولمة، وفي الوقت ذاته تفكيك الدول الوطنية والقومية، وتفتيت المجتمعات، والعودة بها إلى مجتمعات ” الماقبل رأسمالية”  إما بالقوة الطاغية أو بالإحتواء الناعم، وحيث أن  وطننا العربي كان وما زال، الحلقة المركزية في تشكل وإعادة تشكل النظام العالمي، نتيجة الموقع الجيوسياسي المتوسط بين القارات، ونتيجة إمتلاكه الثروات الطبيعية الهائلة، وخاصة موارد الطاقة، النفط والغاز والصخر الزيتي.

وإنطلاقاً من هذا المعطى، ولهذه الأسباب مجتمعة، فإن العنصر الحاسم، في تشكل وإعادة تشكل العالم، يتمثل في قدرة الأمة العربية مجتمعة، وبحسب تمكّنها أو عدم تمكّنها من بناء قوتها الذاتية أو ضعفها وبقاءها تابعة.

 في هذا السياق جاء إعلان الإدارة الأمريكية، إبان الغزو الأطلسي للعراق، عن خطتها بتطبيق مشروعها في منطقتنا، من خلال  إقامة “شرق أوسط جديد” يضمن بناء  دول المجاميع “الماقبل رأسمالية”  المذهبية والطائفية والأثنية، ضمان إنفاذ مشروع الهيمنة ، عبر استراتيجية تستند إلى ركائز أساسية ثلاث معلنة :

1.     الصدمة والرعب: الغزو العسكري المباشر، واستخدام قوة نيران  ” فوق الاشباع ” نيران كثيفة شاملة وحشية تتخطى  التصور البشري، لإحداث الرعب المطلوب، من اجل شل أي قدرة على المقاومة عند الشعوب والدول المستهدفة بالهجمة، ألم تفشل هذه الركيزة في العراق؟.

2.     الفوضى الخلاقة: تفتيت المجتمعات الوطنية، والعودة بها إلى مجاميع بدائية، عبر استثارة الغرائز المذهبية والطائفية والعشائرية والأثنية، وإدخالها في حروب أهلية، فيما بينها، عبر إثارة تخوفات مرضية بين  المكونات الوطنية، وبين حتى المكونات الجزئية، بتصوير المكون بأنه عدو المكون، أو حروب بالرصاص الحي  بهدف حجز أي إمكانية لنشوء مقاومة وطنية مسلحة أو غير مسلحة، لفعل الاحتلال المباشر أو غير المباشر، ألم تنجح هذه الركيزة إلى حد كبير ،  ولكن بشكل مؤقت ؟.

3.     صناعة القبول وثقافة القطيع: استعمال أدوات الإعلام المختلفة، وثقافة الهيمنة، من أجل فرض وعي جمعي مشوه على المجتمعات العربية، تردد بغير وعي مقولات ومصطلحات ومفاهيم وشعارات تخدم بشكل غير مباشر، مشروع المركز الرأسمالي المهيمن ومخططاته،  وصولاً إلى تبني هذه المجتمعات “مقولة الدونية”  تجاه الثقافة الرأسمالية، أو تبني “مقولة دونية الثقافة الوطنية”  أمام “الثقافة السلفية”. هذه  الركيزة هي الأخطر بين كافة الركائز، كونها بطبيعتها أنعم، وغير مباشرة، تعتمد أسلوب تحييد وحجز العقل عن القيام بدوره في التفكير والتمحيص، تعمل بهدوء على تشكيل وعي مزييف، عاجز عن مجابهة الواقع، مستسلم لما يرسم له، ويساق البشر، عبر هذا الأسلوب الجهنمي، كالقطيع إلى مصيرهم المرسوم من قبل الأعداء، وتلعب مجموعات التبعية في مؤسسات الدولة وفي السوق، دور رئيس، كونها تمتلك أدوات فعالة، بحكم سيطرتها على وسائل الاعلام والثقافة، تمكّنها من إنجاح مفعول هذه الركيزة، كما وتلعب النخب التابعة، والنخب المتحولة، الدور الأخطر في هذه الركيزة، كونها الأقدر على تزييف الوعي الجمعي للمجتمع، فهل نجحت هذه الركيزة؟ نعم نجحت في جوانب، وفشلت في جوانب أخرى، نجحت عند شرائح وفشلت عند شرائح أخرى.

بعد مرور أقل من عقد على بدء هذه الهجمة، هل يمكن إجراء مراجعة موضوعية لنتائج وتداعيات هذه الهجمة؟ وهل يمكن إعتماد الاستخلاصات التي يمكن التوصل لها مرجعيات موضوعية  لتقييم تداعيات ونتائج هذه الهجمة المستمرة على أمتنا؟ من قبل المركز الرأسمالي العالمي، بناء على الأهداف المتوخاة، وفي الجوهر منها، العودة المستمرة إلى هدف الهجمة  الحقيقي والمتمثلة في كون المعركة الدائر، في وطننا العربي، تدور حول السيطرة على الثروات والموارد والأمكانات، من يسطر عليها ، ولمصلحة من يتم توظيفها؟ هي معركة حول السوق العربي الإنتاج والإستهلاك، ولمصلحة من، ومن هي أطراف الصراع  في هذه المعركة: أليست  قوى الهيمنة، ومعها مجموعات التبعية -العربية والصهيونية- العلمانية والاسلاموية ( في مؤسسات الدولة وفي السوق) من جهة، مقابل قوى التحرر الوطني.

اما الذي من الممكن رصده على أرض الواقع؟

حماية الأردن يتطلب:

رفض الاستقطاب، على الصعيد الأردني والعربي، بين مجموعتين التبعية العلمانية والاسلاموية، لصالح المركز الرأسمالي العالمي.

رفض الحرب على سوريا ومقاومة عناصرها بكل الإمكانات المتاحة، ورفض فتح حدود الأردن وأرضها وسماءها لأي خطوة ضد سوريا.

تشخيص المرحلة ومهماتها على الصعيد الأردني والعربي، بكونها مرحلة تحرر وطني، ومهماتها المتمثلة في: كسر التبعية، وتحرير الإرادة الوطنية، وتحرير الثروات الطبيعية الهائلة، وصياغة خطط تنموية وطنية متمحورة حول الذات، وتحقيق وحدة الأمة.

 

” كلكم للوطن والوطن لكم”

ناجي الزعبي

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version