أجرت صحيفة “كوميرسانت” مقابلة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تناولت العديد من القضايا المهمة. ونقتطف من نص المقابلة الأسئلة والأجوبة المتعلقة بقضايا منطقة الشرق الأوسط.
س: طرحتم في كلمتكم التي ألقيتموها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة أكثر من مرة مبدأ عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول. هل تحدثتم عن الشرق الأوسط فقط؟ أم أن ذلك مهم بالنسبة لروسيا أيضا؟
ج: إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مثبت في ميثاق الأمم المتحدة. وهذا المبدأ ضروري ليس فقط لكي تشعر روسيا بهذا الشكل أو ذاك بأنها أفضل أو أسوأ. هذا مبدأ أساسي في القانون الدولي. وإذا سمحنا بانتهاك هذا المبدأ أو بإبداء مرونة تجاه حالات انتهاكه بحق أية دولة غير قادرة على حماية نفسها فستتكرر الانتهاكات وستعم الفوضى العالم.
س: الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ألمح إلى أن الولايات المتحدة “ستواصل دعم قوى التغيير” في الشرق الأوسط على الرغم من تصاعد المشاعر المعادية للغرب وتنامي دور الإسلاميين الراديكاليين في المنطقة. كيف تنظرون إلى ذلك؟
ج: لا أود التعليق على ذلك، ولكن التأثير “المثمر” لقوى التغيير بات واضحا. قبل أيام، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العمومية، التقيت بالقائم بأعمال وزير الخارجية الليبي، وبحثت معه موضوع مواطنينا المحتجزين في ليبيا. قلت له: نحن نرى أن الحكم الذي صدر بحقهم مبالغ فيه. فأجابني زميلي الوزير قائلا: أرجو أن تتفهم أن بلدنا ليس فيه حكومة. إننا نفعل ما في وسعنا. لكننا لا نملك تأثيرا حقيقيا على مختلف مؤسسات الدولة. وبعبارة أوضح أراد الوزير الليبي أن يقول: أننا لم نتخلص بعد من آثار الحملة العسكرية على بلادنا. إن تبعات الثورة الليبية امتدت لتصل إلى مالي، حيث تقع ثلاثة أرباع البلاد تحت سيطرة رجال كانوا يحاربون بالأمس في ليبيا. وبعد أن انتهت الحرب في ليبيا، بدأوا في البحث عن حرب جديدة، لأنهم لا يجيدون غير القتال. هؤلاء الثوار، لو أنهم كانوا ينشدون الاستقرار لبلدهم فعلا، لسلموا أسلحتهم بانتهاء الثورة الليبية. لكنهم استمروا في حمل السلاح، وبدأوا في البحث عن جبهات جديدة. الآن هم في مالي. ومن يدري أين سيكونون في الغد. لقد وصف الرئيس فلاديمير بوتين قبل أيام هذا الوضع بأنه حالة تزايد الفوضى في المنطقة. ينتابني شعور بأن شركاءنا الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، يتخبطون. لقد زرعوا الريح فحصدوا العاصفة. ونحن نبذل كل ما نستطيع لكي نوقف هذه العاصفة. وهذا يتطلب منهم، في الحالة السورية، أن يتوقفوا عن تحريض المعارضة، ويساهموا في وقف المواجهات المسلحة، التي يبدو أنهم يريدونها أن تستمر حتى يظفروا برأس بشار الأسد. لا بد أن يجلس الجميع إلى طاولة المفاوضات، والمباشرة في حوار سلمي.
س: كيف سيتطور الوضع في سورية؟
ج: لقد أصبح واضحا للجميع أن من يريد حل الأزمة السورية عليه أن يختار بين اثنين: فإذا كانت الأولوية رقم واحد لديه إنقاذ حياة المواطنين، فمن الضروري تنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه في جنيف. وهذا يعني إرغام جميع الأطراف على وقف إطلاق النار، والجلوس إلى طاولة الحوار. أما إذا كانت الأولوية رقم واحد بالنسبة له هي إسقاط نظام بشار الأسد، ففي هذه الحالة لن يكون لدينا ما نقدمه. وهذا لا يدخل، أصلا، ضمن صلاحيات مجلس الأمن الدولي. الخيار سهل ولكنه مروع. لقد شعرت خلال محادثاتي مع زملائي بأنهم يدركون حقيقة عدم وجود بديل لهذين السيناريوهين، ولكنهم مازالوا غير مستعدين للتخلي عن أحلامهم. وهذا أمر محزن.
س: ما مدى تاثير الاحداث السورية على علاقات روسيا مع تلك البلدان العربية التي تقف بحزم ضد نظام بشار الاسد؟ وبالدرجة الاولى مع المملكة العربية السعودية وقطر.
ج: طبعا، ان الأزمة السياسية داخل سورية التي تستمر منذ سنة ونصف السنة أدخلت تعديلات على علاقاتنا مع عدد من البلدان العربية ومن ضمنها المملكة العربية السعودية وقطر، حيث أظهرت تباينات معروفة في مواقفنا. ومع ذلك لا أريد أن أعتبر اختلاف وجهات النظر هذه بالمطلقة. إن الأحداث الأخيرة تبين بوضوح أن العرب أنفسهم، بما في ذلك السعودية وقطر، مهتمون بتبادل الآراء معنا بشأن المشكلة السورية والعمل على إيجاد سبل لتسويتها. ونحن نؤكد على هذا خلال لقاءاتنا معهم. فمثلا جرى في شهر يوليو/تموز الماضي، اتصال هاتفي مهم مع الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية، حيث أكد خلاله على رغبة الرياض في تعزيز وتطوير العلاقات مع موسكو. ومن المقرر عقد الدورة الثانية لاجتماع روسيا – مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية قبل نهاية السنة الحالية.
وفي 27 سبتمبر/أيلول التقيت في نيويورك وزراء مجلس التعاون الخليجي حيث ناقشنا موضوع التحضير للاجتماع المذكور. وطبعا نولي المشكلة السورية اهتماما كبيرا. وأستطيع القول إن موقفنا يحظى باهتمام متزايد، وإن كافة الزملاء العرب يؤكدون على أهمية المحافظة على وجود ونشاط روسيا في المنطقة. لا يحبذ أحد استمرار النزاع المسلح في سورية. وتكمن مهمتنا في المساعدة والإسراع في وقف نزيف الدم واقتتال الأخوة. ومن اجل ذلك يجب إجبار كافة اطراف النزاع على الجلوس الى طاولة المفاوضات.
إضافة لذلك من الضروري الأخذ بالاعتبار حقيقة كون الأوضاع السورية لها الأولوية حاليا، ولكنها ليست البند الوحيد في جدول العمل الروسي – العربي والحوار السياسي. فهناك مسائل مهمة أخرى خاصة تلك التي تتقارب بشأنها مواقفنا، مثل التسوية الشرق أوسطية وحل القضية الفلسطينية، وضمان الأمن في منطقة الخليج، وخلق منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وكذلك التعاون والتفاعل الحضاري، ومكافحة الإرهاب. وأخيرا يجب ألا نهمل مجالا مهما مثل مسألة التعاون التجاري – الاقتصادي.
سيريان تلغراف