Site icon سيريان تلغراف

وصية العقيد للأمم المتحدة .. بقلم حسن نصر

لم يكن يدرك العقيد الراحل معمر القذافي أن خطابه الوحيد أمام الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة سيصبح بمثابة وصيته الأخيرة وان كلمته الشهيرة التي استمرت ساعة ونصف من على منبر المنظمة الأممية كانت آخر الكلمات التي يلقن بها قادة العالم الدروس عن رؤيته لمستقبل البشرية والدور المنوط بهيئة الامم المتحدة المعنية بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ، حينها استهزأ العقيد بميثاق المنظمة الأممية ورماه على مرأى من قادة العالم احتجاجا على عدم تطبيق بنوده وادخل الحابل بالنابل من خلال استعراضه للملفات الدولية الساخنة والمشاكل التي تعاني منها شعوب الأرض وانتقد بشدة مجلس الأمن وهيمنة الدول الكبرى عليه وطالب المجتمعين بإعطاء مقعد دائم للقارة الافريقية كونه سيصبح ملك ملوكها في نهاية الأمر، ربما العقيد الراحل كان محقا بوصف الامم المتحدة بالمنظمة المشلولة وبعدم قدرتها على تحقيق شيئ يذكر سوى الإعداد السنوي لدوراتها الاعتيادية والصرف المستباح لميزانيتها التي تعاني العجز وتطالب القائمين عليها بالمزيد المزيد من الاموال لاطعام آلاف الافواه العاملة بها كي يستطيعوا الاستمرار بالحفاظ على الامن والسلم الدوليين .

الدول الراعية للامن والسلم في العالم نالت القصاص من العقيد الراحل وحصلت ليبيا أخيرا على حريتها بفضل أصدقائها الشرفاء الذين استولوا على أموال العقيد التي لا تحصى ليعيدوها من جديد على شكل مساعدات إنسانية للشعب الليبي المنتصر ولتنته بذلك حقبة قائد ثورة الفاتح الذي حكم شعبه لأربعة عقود وقتل دون علامة تذكرعلى قبره المجهول .

ربما لن يتذكر أحد في الدورة الحالية للجمعية العامة اسم العقيد الراحل ولن نجد من يتحدث عن الشكل البربري الذي قتل به ملك الملوك وسينسى العالم الانتهاك الصارخ لحرمة الاراضي الليبية ولن نجد احدا يدعو للتحقيق بتصرفات حلف شمال الأطلسي عندما حول قرار الحظر الجوي الى عمليات عسكرية أتت على الأخضر واليابس وقتلت آلاف الأبرياء بدون ذنب. كل هذه الأمور بلا شك ستصبح من مخلفات الماضي وستتصدرالدورة الحالية ملفات أكثر تعقيدا مثل حماية حقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية لشعوب الارض بمعايرها الغربية والبحث عن سبل جديدة لمنع الدول من امتلاك السلاح النووي واتخاذ القرارات الصارمة والعقابية ضد الدول التي تهدد الأمن والسلم العالميين .

هنا من المبرر التساؤل: إلى متى ستبقى الامم المتحدة منظمة عاجزة عن فعل شيئ؟ رغم أن اعادة هيكلة عملها باتت مطلبا للدول كبيرة كانت أم صغيرة، وهل للدول المهيمنة في العالم مصلحة في جعل المنظمة الأممية قادرة على حل مشاكل الشعوب؟ نستعين بكلمات رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف عندما تحدث بهذا الشأن فاعتبر ان هيئة الامم المتحدة هي بحد ذاتها منظمة غير متكاملة لكنها افضل ما يمكن ان تستحدثه البشرية. وان ولادتها كانت ممكنة بفضل الحلول الوسط التي توصل اليها زعماء الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا الذين نشأت بينهم الثقة والتفاهم المتبادل في سياق النضال ضد النازية.

حقبة النازية انتهت منذ اكثر من ستة عقود بفضل جبروت الجيش الاحمر الذي انهى مرحلة صعبة من تاريخ البشرية ووضع حدا لتطلعات ادولف هتلر إلى استعباد شعوب العالم لخدمة العرق الآري لكن عدوى الهيمنة على شعوب العالم لم تتوقف وانتعشت بعد الحرب الباردة لتلقي بظلالها على الدول الفقيرة والضعيفة .. دول كثيرة باتت تدعو في ظل العلاقات الدولية الراهنة إلى بناء عالم متعدد الأقطاب لكل دولة فية الحق في تقرير مصيرها بنفسها وبدون فرض الإرادات من الخارج، الأسلوب الذي بات كما يبدو اساس حل كل النزعات والمشاكل العالقة في عالمنا المعاصر..

يبدو أن كل ذلك بات من رومانسية الشعوب المستضعفة، فهل لدى منظمة الامم المتحدة القدرة على تبني أية قرارات تستجيب لنداءاتها؟ وهل من آفاق واعدة في ظل عمل المؤسسة الأممية الحالية؟ لا نستطيع إلا أن نسترشد بكلام الأمين العام بان كي مون لدى افتتاحه لجلسة المستوى الرفيع للجمعية العمومية للامم المتحدة المكرسة لسيادة القانون في دورتها الحالية عندما دعا كل الدول لتطبيق القانون سواء على المستوى القومي أو الدولي، إذ يجب ألا تكون هناك انتقائية لدى تطبيق القرارات والأحكام والقوانين، وانه لا يمكن السماح بهيمنة المصالح السياسية على العدالة”. وان على رؤساء الدول والحكومات الالتزام الدائم بالمعايير العليا لسيادة القانون لدى اصدار القرارات. وإذا ما قارننا كلام الأمين العام الحالي وكلامه قبل عام نرى أن المغزى يبقى بقلب الشاعر وان الدورة الحالية لن تأت بشيئ يذكر الا اذا اعتلى المنبر الاممي زعيم جديد لدولة مستضعفة وحاول التنظير على المجتمعين برؤيته للدور المنوط بهيئة الامم المتحدة .

حسن نصر | روسيا اليوم

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version