أعلن الجيش السوري الحر عن انتقال مركز قيادته من تركيا إلى “المناطق المحررة ” في سورية. وتهدف هذه الخطوة إلى توحيد المجموعات المناهضة للحكومة تحت قيادة واحدة. صحيفة “كوميرسانت” ترى أن دعوة الغرب المعارضة السورية للقيام، وبأقصى سرعة ممكنة، بتشكيل حكومة انتقالية، لم تلق الاستجابة المطلوبة حتى الآن. والسبب الأساسي وراء ذلك هو تعمق التناقضات في صفوف خصوم بشار الأسد، الذين تعززت بينهم في الآونة الأخيرة مواقع مقاتلي “الأممية الإسلامية” القادمين من الخارج.
بدأ انشقاق المعارضة في عدة اتجاهات فورا. الاتجاه الأول هو النزاع بين القادة الميدانيين داخل البلاد، و “منظري الثورة” في الخارج. والاتجاه الثاني هوالتناقضات بين المعارضين السوريين والمقاتلين الأجانب القادمين من ليبيا والعراق وأفغانستان والجزائر وغيرها من البلدان. وأخيرا، الاتجاه الثالث، وهو الإنشقاق بين المعارضتين العلمانية والدينية التي ترفد صفوفها “بالمجاهدين” من كل العالم الإسلامي.
تقاتل ضد بشار الأسد اليوم حوالي ثلاثين تشكيلة مسلحة كل منها تنسب نفسها إلى الجيش الحر، ولكنها في الحقيقة غالبا ما تعبر عن استقلاليتها، وتتجاهل أوامر قيادة هذا الجيش الذي يعتبر الجناح العسكري للمجلس الوطني السوري. وتعيد الصحيفة إلى الأذهان أن هذا المجلس هو المنظمة السياسية المعارضة الوحيدة في سورية التي يبدي الغرب اليوم استعداده للتعاون معها. وتنقل الصحيفة عن ألكسندر فيلونيك الباحث في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية أن الوضع في صفوف هذه المعارضة السورية بالغ التعقيد الآن. وصفوف المقاتلين ضد بشار الأسد ترفد بمختلف العناصر المتمردة التي قدم الكثيريون منهم للقتال في سورية لقاء المال. ويرى الخبير الروسي أن المقاتلين الأجانب يكثفون نشاطاتهم في محاولة منهم لخلق انطباع بأن حربا أهلية واسعة النطاق تدور رحاها في هذا البلد.
وعلمت الصحيفة أن عدد المجموعات المؤلفة من الأجانب القادمين من ليبيا وأفغانستان والجزائر والعراق قد تضاعف في الاشهر الأخيرة بضع مرات. وقد اشارت وسائل الإعلام الغربية والعربية مرارا إلى أنه يوجد في صفوف “الثوار” مقاتلون شيشان ، ومن جمهوريات قوقازية أخرى، الأمر الذي نفاه نفيا قاطعا رئيس الشيشان رمضان قادروف . ويتمركز “المجاهدون” الأجانب في مناطق مختلفة منها دمشق وحمص وادلب . كما ازداد عديدهم كثيرا في حلب في الآونة الأخيرة. الجراح الفرنسي جاك بيريس الذي سافر إلى سورية عدة مرات، وعمل في المستشفى العسكري بحلب ، يقول إن “نصف مرضاه “جهاديون”، وهؤلاء أصبحوا في هذه المدينة أكثر عددا بكثير في الآونة الأخيرة .
إن حلب ، التي تدور فيها منذ شهرين تقريبا معارك ضارية ، تعتبر المعقل الرئيسي للمجموعات الإسلامية مثل “الفتح” و “التوحيد” . وهنا تتمركز أيضا إحدى تشكيلات “القاعدة” المعروفة بـ ” جبهة النصرة “، وكذلك التشكيلة المتشددة “أحرار الشام” ومجموعة “فجر الإسلام”.
ويعترف الخبراء الغربيون بأن المعارضة السورية اليوم تتألف من مجموعات متفرقة تفتقد لبنية قيادية موحدة. وفي هذا الوضع من الخطورة بمكان تقديم أسلحة متطورة لها ، إذ قد تصل في نهاية المطاف إلى ايدي مجموعات إرهابية، بما في ذلك تلك المرتبطة” بالقاعدة”. وتدرك أوساط المجلس الوطني السوري أن الافتقار للوحدة هو كعب أخيل “الثوار”. وبهدف توحيد الفصائل المعارضة المتفرقة أعلن عن تأسيس الجيش الوطني السوري لكي يحل في المستقبل محل الجيش السوري الحر. ويعد رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا بأن تنضم إلى هذا الجيش مجموعات معارضة مثل “الفتح” ، و “التوحيد” ، و “جبهة النصرة”. وقد بدأت فعلا المباحثات مع قادة هذه المجموعات.
وعلى الرغم من ذلك يبدي الخبراء شكوكا بأن يتمكن المجلس الوطني السوري من أن يوحد تحت رايته كافة القوى التي تكافح ضد نظام دمشق. ويرى ألكسندر فيلونيك أن من المتعذر التوفيق بين مصالح كافة أولئك الذين قدموا إلى سورية للقتال، فهذا الأمر يتطلب وجود زعيم قوي لم يظهر بعد في صفوف المعارضة. ومن السابق لأوانه الحديث عن تشكيل حكومة موحدة للمعارضة يمكن أن يعترف بها الغرب ، فالجبهة المعادية للأسد مفتتة جدا. أما الجهاديون الأجانب فلهم أهدافهم الخاصة، فالنزاع في سورية ليس إلا مرحلة على طريق إقامة خلافة إسلامية عالمية تعتمد الشريعة الإسلامية. ولذلك فإن هؤلاء يضعون أنفسهم فوق الجلبة الدنيوية المتعلقة بتشكيل حكومة ظل لن تضم مواطنين أجانب.
ومما يؤكد انقسام المعارضة السورية استقالة بسمة قضماني مؤخرا من المجلس الوطني السوري الذي كانت تقوم فيه بمسؤولية العلاقات الخارجية. وفي معرض توضيحها اسباب استقالتها اتهمت قضماني قيادة المجلس بالعجز عن حماية السكان المسالمين من العنف المروع. وتجدر الإشارة إلى هذه الاستقالة جاءت بُعيد تصريح للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عبر فيه عن استعداد باريس للاعتراف بحكومة انتقالية يتم تشكيلها تحت راية المجلس. وتعلق الصحيفة على ذلك بالقول إن كافة المساعي لم تسفر عن تشكيل حكومة كهذه.
سيريان تلغراف