إن «أضطر الأمر لضماناتنا الشخصية للمؤتمر فهي موجودة». بهذه الكلمات، وباللغتين الروسية والصينية، تعززت ثقة المعارض السوري المخضرم هيثم مناع من أن مؤتمر المعارضة المزمع عقده في دمشق الأحد المقبل، سيحصل، وأنه يستطيع حضوره من دون مخاوف أمنية.
وهو على هذا الأساس (يفترض أنه) دخل العاصمة السورية أمس بصحبة رفيقه في هيئة «التنسيق الوطني» المعارضة والمنسق العام لها في سوريا حسن عبد العظيم وزميله وصديق طفولته عبد العزيز الخير، بعد أن أنهى الثلاثي زيارة إلى بكين منذ يومين، وسلكوا من هناك الطريق إلى دمشق، ولكن بضمانات دولية وإقليمية، أبرزها الروسية، حيث تسعى موسكو لتحريك مسار سياسي ميت نتيجة تضارب قوى ومصالح إقليمية ومحلية.
وسيشارك مناع، في زيارته الأولى إلى سوريا منذ العام 2003، في المؤتمر الوطني الذي تنوي المعارضة الداخلية تنظيمه صباح الأحد في دمشق. وحصل المؤتمر، حتى الآن، على ضمانات روسية على أعلى مستوى، وتعاون صيني وتشجيع إيراني، من دون الإشارة إلى حماس المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي للفكرة، التي تظهر بنظره بعدا سياسيا ضروريا، ولو رمزيا للأزمة الدموية في سوريا.
وسيراقب السفير الروسي في دمشق عزت كولموخاميت من مقعده في صالة المؤتمر نتائج النقاشات بين ما يقارب 20 حزبا وتيارا، تأكد حضورهم حتى الآن، بينها قوى كردية مؤلفة من ثلاثة أحزاب وقوى هيئة التنسيق الوطنية المنظم الأساسي للمؤتمر، إضافة إلى مستقلين وأحزاب جديدة مرخصة كحزب «التنمية الوطني».
وسيحضر إلى جانب السفير الروسي زميله السفير الصيني لدى سوريا زانغ زون. وتأمل اللجنة المنظمة في هيئة التنسيق أن تتسع الصالة في فندق «أمية» لسفراء آخرين يشكو عضو اللجنة أحمد عسراوي «نفادهم من دمشق، ولا سيما نتيجة الظروف الأمنية». ويقول عسراوي لـ«السفير» أنه يحاول «الوصول إلى سفير أوروبي على الأقل لحضور المؤتمر من دون جدوى»، فيما اعتذرت بعض سفارات دول مجموعة «البريكس» نتيجة انتقال طواقمها إلى بيروت.
وأكدت مصادر الهيئة المنظمة إرسالها دعوات لكل من «المجلس الوطني السوري» و«المنبر الديموقراطي» وغيرها من القوى الموجودة في الخارج، إلا أن ردود أعضائها كانت سلبية، مشيرة إلى أن عددا من الناشطين الشباب الموجودين في الخارج سيشاركون بناء على الضمانات الأمنية التي قدمت لهم.
ويقول المتحدث باسم «هيئة التنسيق الوطنية» منذر خدام لـ«السفير» إن «الهدف الأساسي للمؤتمر هو بذل المزيد من المساعي لتوحيد رؤية المعارضة السورية، ورسم خريطة طريق عملية لإنقاذ سوريا مما فيها، عبر مسار حل سياسي يحقق للشعب السوري طموحاته وأهدافه ويخلص سوريا من محنتها الدموية».
وتأمل موسكو، برعايتها للنشاط السياسي الأول من نوعه منذ ما يزيد عن عام للمعارضة السياسية في سوريا، أن تحرك ساكنا في بحيرة الحوار الراكدة، وذلك من منطلق أن «توحيد رؤية المعارضة الداخلية على الأقل سيسهل عملية تخطيط أفق لحل الأزمة في سوريا». ولا يخفي ديبلوماسيون لـ«السفير» أن ضغوطا مورست على دمشق لتسهيل فكرة انعقاد المؤتمر وعلى الأرض السورية، وأن نصائح قدمت من حلفائها ومن أشدهم تأييدا لها، بضرورة السماح للصحافة الأجنبية بالدخول وتغطية هذا النشاط السياسي العلني النادر، عله يكون نموذجا يمكن البناء عليه.
من جهتها، ترحب دمشق بالمؤتمر، باعتباره فرصة لـ«توحيد صفوف السوريين». ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي لـ«السفير» أن «أي حراك سياسي بناء يهدف لتوحيد صفوف السوريين مرحب به، طالما التدخل الخارجي مرفوض من قبلهم».
إلا أنه في الوقت ذاته لا تتجاهل دمشق ومعها حلفاؤها تطورات مهمة جرت مؤخرا على الصعيد السياسي، وتأتي بمجملها في دائرة تدخل الآخرين بشكل أو بآخر في الأزمة السورية. ومن بين أبرزها التنسيق الأولي بين إيران ومصر في اللجنة «الرباعية» التي تم تشكيلها مؤخرا وتضم تركيا والسعودية أيضا. والتنسيق الذي لم يتجاوز بعد اختبار النوايا والتعارف على وجهات النظر، يبعد قطر عن المسار السياسي للأزمة ويضعها و«المجلس الوطني» في موقع المهاجم، سواء لجهود اللجنة «الرباعية» الممكنة، من جهة، ولمهمة الإبراهيمي من جهة أخرى.
وهو ما دفع برأي ديبلوماسيين غربيين خارج سوريا إلى رفع البعض لوتيرة الإشارات «عن إمكانية زيادة الدعم العسكري المباشر للمعارضة، بهدف تحقيق نجاح ميداني مؤثر» خصوصا من جانب فرنسا، وعلى لسان سفيرها المبعد من دمشق إريك شوفالييه. وهي إشارات تجد انعكاسها على الواقع الميداني في إدلب وحلب وكل المناطق المحاذية لتركيا، والتي تشهد نشاطا كبيرا على مستوى التسليح وإدخال المسلحين. الأمر الذي يعني أن حوار المعارضين المنتظر في دمشق سيحظى «بالتشويش الميداني» الذي يذكر الجميع بمسـتوى تعقيد أزمة سوريا.
سيريان تلغراف