Site icon سيريان تلغراف

الإسلاميون الجدد يخافون إغضاب أميركا و”إسرائيل” .. بقلم عدنان الساحلي

وقع “الإسلاميون الجدد” في شر “صفقاتهم”، ومن حق البعض الاعتقاد بأن خلف ذلك إرادة وقدرة إلهيتيْن، إذ يعجز أخصامهم البشر عن تنسيق أحداث ورطتهم ومصادفة تتابع توقيتها بما يدفعهم إلى قاعها، كما هو حاصل من خلال الإرباك المهين الذي يعيشون فصوله حالياً، خصوصاً أنهم يشهدون مرحلة سماها بعضهم مرحلة “إسقاط المبادئ والنظريات على أرض الواقع”.

فقد كشفت وقائع ندوة “الإسلاميون والثورات العربية”، التي انعقدت في الدوحة عاصمة إمارة قطر، الأسبوع الفائت، مدى ارتباك هؤلاء عند تطرقهم إلى قضية العلاقة مع أميركا و”إسرائيل”، إذ إن بعضهم يهرب من هذا الاستحقاق بالقول “إن الأولوية ليست لها”، فيما لا يخفي آخرون قناعتهم بأن “المشكلة ليست في الدولة العبرية”، ويدعو غيرهم إلى “الدخول في تفاهمات خارجية جديدة، بما في ذلك مع إسرائيل”، وينادي آخرون بـ”وجوب احترام المعاهدات السابقة (المقصود كامب ديفيد تحديداً) والتعامل معها بوعي وعقلانية”، وكرس غيرهم هذا التوجه بفتوى تشبه تلك التي سترت جريمة أنور السادات بزيارة القدس، بالاستشهاد بآية قرآنية {أتموا إليهم عهدهم إلى مدته}، وصولاً إلى القول “في كل الأحوال لا يليق بالمسلم أن يكون خائناً وغادراً بالعهد، لكن في الوقت نفسه يجب أن نسارع بذكاء وبلطافة إلى التخلص من ذلك.. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها”!

هكذا إذاً يعتبر بعض “الإسلاميين الجدد” أن إلغاء معاهدة الذل والعار التي عقدها أنور السادات مع “إسرائيل” خيانة وغدراً، وأن تعديلها يجب أن يكون “بلطف وذكاء”، بل إن “التفاهمات الخارجية” يجب أن تشمل “إسرائيل”، وهؤلاء هم أنفسهم الذين يكتوي المسلمون بفظاظتهم وشدتهم، يدعون إلى اللطافة مع “إسرائيل” وأميركا.

وجاءت الواقعة الكبرى بالنسبة إلى هؤلاء، بعرض مقتطفات من الفيلم الأميركي – الصهيوني الممول يهودياً، والمسيء لرسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فكان صمت البعض أكثر بلاغة، وجاء استنكار آخرين لردود الفعل على الإساءة بتعابير أشد من استنكارهم للإساءة نفسها، لتفضح المآل الذي وصل إليه أتباع أميركا من أدعياء الإسلام من ذل ومهانة وخضوع.

وإذا أخذنا نماذج محددة عن ردود فعل هؤلاء، سنجد العجب فيها، فـ”أردوغان” تركيا وحزبه “الإخواني”، تذكّر فجأة قبل أيام أنه يريد الصلاة مع أركان حزبه في المسجد الأموي في دمشق، لكنه لم يقل يوماً أنه يريد الصلاة في المسجد الأقصى، أو أنه ينوي حماية هذا المسجد؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين، من التهويد الذي يشرف على نهاية فصوله.

وحين صدرت الإساءة بحق النبي عليه الصلاة والسلام، لم يتجرأ اردوغان وأركانه على توجيه كلمة نقد واحدة بحق الإدارة الأميركية، التي تشجع مثل هذه الظواهر وتحميها، وتجارب إحراق الأب الصهيوني جونز لنسخ من المصحف الشريف سابقة على ذلك، والشارع التركي تساءل بحق عن سبب غياب جموع جماهير “حزب العدالة والتنمية” عن ساحات استنكار الإساءة للرسول الأكرم، وعن صمت هؤلاء عن توجيه أي كلمة نقد للواقفين خلف الإساءة؛ من أميركيين وصهاينة.

ومسؤولو المملكة السعودية ووهابيّوها انتقدوا الفيلم، لكن استنكارهم الأساسي كان موجهاً ضد ردود الفعل الموجهة نحو الفاعل الحقيقي وهو الإدارة الأميركية، وحزب “الإخوان” في مصر ألغى تظاهرته التي كان دعا إليها احتجاجاً على الإساءة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، عندما سمع الرئيس الأميركي باراك أوباما يصنف مصر في خانة “غير الحليف”، وبيانات السعودية وتركيا وأمثالهم من أتباع أميركا كانت شبيهة حرفياً ببيان السفيرة الأميركية في لبنان (كونيللي)، التي انتقدت الفيلم وصبت جام غضبها على ردود الفعل التي أعقبته، حتى أن قوة سياسية مثل “تيار المستقبل” في لبنان تبرأ من إسلاميته برمتها، وهو الذي طالما ادعى تمثيله للمسلمين السُّنة في لبنان، تجنباً منه لانتقاد أميركا وسياستها تجاه الإسلام والمسلمين، وهذا التيار قال على لسان أحد مسؤوليه، رداً على سؤال البعض عن عدم اتخاذه موقفاً من الإساءة لرسول الله بالقول: إنه “تيار وطني وليس تياراً دينياً”، و”نحن لسنا حزباً دينياً، بل تيار وطني جامع”.

هكذا، ومن هذا المنطلق شهدت ساحات العواصم العربية التي يحكمها “الإسلاميون الجدد” مجازر بحق الشباب المتحمس والمندفع والمستنكر للإساءة إلى نبيه، فسقط قتلى بالعشرات، وجُرح المئات، واعتُقلت أعداد مماثلة، ولو قام أي نظام غير هذه الأنظمة بقمع شعبه بالحديد والنار كما فعلوا، لارتجت الأرض باحتجاجات الأميركيين وأتباعهم دفاعاً زائفاً “عن حقوق الإنسان”، حتى أن حُكام ليبيا الجدد لم يجدوا حرجاً لإرضاء أميركا من قول إنهم حددوا هوية خمسين شخصاً ستتم محاسبتهم على اشتراكهم في مهاجمة السفارة الأميركية، التي لم يخجل أحد الكُتاب المعروف بذيليته للأميركيين والإسرائيليين عن وصفها “بفاجعة بنغازي”، فهل يتعظ حكام الفتنة ومشايخ السلاطين من حكمة نزول جمهور المسلمين إلى الشارع استنكاراً للإساءة إلى نبيهم، بأن أميركا لن تنفعهم عندما تنكشف حقيقة تخلي هؤلاء الحكام عن نبيهم ودينهم إرضاء للأميركي والصهيوني؟

عدنان الساحلي | الثبات

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version