ليست دعابة و لا كذبة أبريل .. فعلا الرئيس بشار الأسد انشق .. و هناك من يعرف هذه الحقيقة و لا يعلنها و هناك بعض الأطراف تتكتم على الخبر و لكن تؤكد مصادر جديرة بالثقة أن الخبر صحيح .
في حديث لقناة الدنيا “المحجوبة” فسر الرئيس بشار الأسد مفهومه لمصطلح الانشقاق كما نعرفه لغويا و فكريا .. و “تنفيذيا” على الأرض و أعتبر أن الانشقاق يعنى انشقاق المسئول مع بقية القطاع الذي ينتمي إليه و تحوله إلى العدو و كل ما هو خلاف ذلك هو مجرد هروب .
لم ينتبه كثيرون إلى تصريحات السيد قدري جميل في مؤتمره الصحفي الأخير في العاصمة الروسية و خاصة فيما ذكره من رغبة بلاده و عزمها على فتــح أسواق جديدة و الاتجاه إلى أمريكا الجنوبية و بعض البلدان الأخرى التي لا تضع أية قيود على العلاقات التجارية و الاقتصادية البينية بما يعنى أن الأزمة الحالية قد كشفت للنظام عورات الاعتماد المطلق على بعض الدول الغربية التي تضع دائما بعض القيود على معاملاتها مع العرب فضلا عن كونها تضع دائما مصالح و رغبات إسرائيل في المقدمة عندما يحتاج الأمر إلى اتخاذ بعض المواقف في النزاع العربي الاسرائيلى .
على مر تاريخ العلاقات العربية – الغربية كان العرب هم دائما الطرف الأضعف في معادلة التعامل الاقتصادي و كانت تفرض عليهم خلافا لما يتم مع إسرائيل عديد القيود و الاملاءات و على مر تاريخ هذه العلاقات ”الإذعانية” كانت سوريا تلاقى بعض الصعوبات في الحصول على مبتغاها من البضائع أو السلاح أو التقنية الحديثة و كانت هناك شروط مجحفة تقبل بها على مضض ..
ماذا تعنى تصريحات السيد قدري جميل على أرض الواقع ؟ ببساطة شديدة تعنى أن هناك قرارا سياسيا أتخذه الرئيس بشار الأسد .. بالانشقاق .
ما كشفه المسئول الوطني السيد قدري جميل يعنى أن رب ضارة نافعة و أن الضربة التي لا تقصم الظهر تقوى الوطن و أنه لم يعد هناك مجال بعد أن تعرت كل النوايا الخبيثة مواصلة بعض العلاقات في شتى المجالات مع بعض الدول التي تكن عداءا واضحا للشعب السوري و عملت بكل جهدها على تسليط عقوبات ظالمة و حاقدة أضرت به بصفة مباشرة لتدفعه بالغصب إلى الثورة على النظام .
لقد ظهر للقيادة السورية الوطنية أنه لم يعد هناك مجال للتستر على عورات و خيانة و سقوط البعض و إتباع المرونة لحين مرور العاصفة و ظهر أنه لا يمكن لنظام يحترم نفسه و شعبه أن يستمر في علاقات مسمومة أو يعيد وصل علاقات مشبوهة قطعها المكر و الخبث الخليجي أو الغربي الصهيوني .
لقد سبق للجمهورية الإسلامية أن تعرضت و تتعرض و ستتعرض إلى عقوبات ظالمة لكسر إرادتها في الحصول على حقها في المجال النووي و مع ذلك استطاعت الخروج من عنق الزجاجة المفروض عليها و هي تمتلك حاليا عديد القدرات في شتى المجالات بفضل سياسة .. الانشقاق عن المعسكر الغربي المعادى و الاتجاه إلى “أسواق” أخرى أكثر تفهما و أكثر ترحيبا و أكثر ربحا .
يعرف الجميع أن علاقات الدول لا تبنى إلا على المصالح و بهذا المعنى فلم يعد هناك خيط يربط بين سوريا و أعداءها المعلنين و المخفيين الذين تعرفهم الدبلوماسية السورية و من حقها كدولة ذات سيادة الخروج عن خط السير الذي كانت تمشى فيه بإرادتها أو بالغصب المرن لتخلق من الضعف قوة و من بعض الارتهان قوة دفع إلى الخلاص من هذه ”العبودية” الغربية .
”سنعتمد على سواعدنا و على دماءنا و على أجسامنا“… طبعا من قال هذا ليس محمد مرسى اللي بيعيط بل الزعيم الكبير الشهيد جمال عبد الناصر و مع ذلك نقول ما أشبه البارحة باليوم و ما أشبه ما تعانيه سوريا بما عانته مصر العروبة بالأمس .
“إحنا مش ممكن نبيع نفسنا ب70 مليون دولار معونة .. إننا نتجه لتحقيق سياستنا .. سياسة مستقلة تنبع من مصر .. لا من لندن و لا من واشنطن ..” كلام حكم على رأى الأخوة المصريين لناصر 56 و ناصر القومية العربية و ناصر زعيم مصر التي كانت أم الدنيا .
في حديث سابق للرئيس الأسد شرح للشعب العربي و السوري ما هو ”المطلوب” منه بالتحديد غربيا و خليجيا و صهيونيا و تولى لاحقا السيد وليد المعلم شرح ما يطلبه ”الأخوة القطريون و السعوديون” لانهاء فصول المؤامرة و مع ذلك كان الرد “شكر نتانياهو سعيكم وأثابكم أوباما .. المقابلة أنتهت” ..
“قرار رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية“ .. مازال البعض منكم يتذكر هذه الكلمات الخالدة المعبرة التي لا يقدر عليها إلا كبار الزعماء و مع ذلك لم يمت جمال عبد الناصر كما يظن البعض لان هناك من يقول ” قرار رئيس الجمهورية العربية السورية بتأميم السيادة الوطنية السورية ” لتصبح الدولة السورية حكرا على احرار سوريا و شرفاء العالم لا مكان فيها لمرسى اللي يعيط و لا لاوردغان الذي لا يجد مكانا فى النادي المسيحي .
كان ناصر 56 رجل المرحلة و رجل القرار و رجل الوجدان العربي ..
اليوم بشار الأسد 2012 هو رجل القرار و رجل المرحلة و رجل الوجدان العربي ..
“لقد قلتم في دستوركم إنكم جزء من الأمة العربية و قلنا في دستورنا أننا جزء من الأمة العربية سنسير معا متحدين يدا واحدة .. قلب واحد .. رجل واحد ..” و مع ذلك جاء من قطع الحبال ورفع رايات العبودية و الذلة للصهاينة .. جاء من يشترى ببعض الريالات السعودية القطرية .. جاء من خرج بمصر من عدم الانحياز إلى “عالم الانحياز الصهيوني” .. جاء من يقول أن مصر ليست جزءا من الأمة العربية .. جاء من يقول هذا حكم الأخوان و ليس حكم الفرسان .
لقد سطرت معركة حلب بداية الانشقاق السوري الكامل عن سلبيات الماضي .. عن أوجاع الماضى .. عن السكوت على موبقات الخليج .. لن يسفك الدم السوري بلا ثمن .. لن تعود سوريا الشقيقة الكبرى أو الصغرى لأحد طعنها بالخنجر المسموم .. لن يطأ مجرمو تيار الحريري أبدا ترابا أثخنوه بالدماء و القتل ..
من لا يعرف فان الرئيس السوري قد انشق .. من يتكتم .. إن الرئيس السوري قد انشق .. من لا يصدق الرئيس السوري قد انشق .. موتوا بغيظكم .
احمد الحباسي
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)