تنتقل تركيا من واقعة الى أخرى. من هجمات حزب العمال الكردستاني الى انفجارات في المدن حتى انفجار مخازن الذخيرة في أفيون بالأمس، وسقوط اكثر من 25 قتيلا بين ضابط وجندي.
تؤكد الحكومة انه قضاء وقدر وتؤكد رئاسة الأركان ان السبب غير معروف بعد. لا يمكن فصل الحادثة عن سياقات التوترات الامنية الأخيرة.
بمعزل عن الأسباب هنا وهناك فإن تركيا بلد بات مغطى بالتوابيت من أقصاه الشرقي الى أقصاه الغربي. وقد خرجت احدى الصحف التركية منذ مدة واصفة تركيا في عنوانها الرئيسي على انها «بلد التوابيت».
توابيت تركيا لم تبدأ مع الأزمة السورية ولم تبدأ مع اشتداد عمليات حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي.
بل يمكن القول ان تركيا عاشت فترة ذهبية من الاستقرار الأمني من العام 1999 وإلى الأمس القريب. وكان احد اكبر الأخطاء لحكومة رجب طيب اردوغان انه ضحّى بهذا الإنجاز الأمني غير المسبوق معرضا امن تركيا للخطر عندما تدخل في الشأن السوري. وبمعزل عن ذلك فان عمليات الكردستاني في الداخل التركي عادت بقوة قبل 3ـ4 اعوام وقت كان شهر العسل التركي السوري في ذروته.
تركيا بلد التوابيت. هذا امر مؤسف.
لكن المؤسف أكثر هذه النظرة مزدوجة المعايير الى طابور التوابيت.
طوابير التوابيت التركية على يد حزب العمال الكردستاني او على يد الدفاعات الجوية السورية استدعت ابتهالا من رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الى الله كي يصلي في المسجد الأموي في دمشق هو واعضاء حزبه. ومن ثم يذكر اردوغان انه سيزور قبر صلاح الدين الأيوبي وصحابة آخرين في محيط الجامع الأموي.
هنا يستدعي هذا التصريح اضافات طفيفة قد تكون مفيدة. وهو ان يضيف اردوغان في جولته الافتراضية مدافن وضرائح أبطال الاستقلال السوري ضد الاستعمار الفرنسي وفي مقدمهم يوسف العظمة ومن قبلهم بل في رأسهم من سقطوا ضد الحكم العثماني الاتحادي المختصرين بشهداء 6 أيار سواء في ساحة المرجة بدمشق او ساحة الشهداء في لبنان.
الاضافة الطفيفة الثانية، هي بماذا سيجيب اردوغان على صلاح الدين الأيوبي فيما لو سأله عن أحفاده الأكراد في تركيا اليوم.
الإضافة الطفيفة الثالثة هي عن طابور الشهداء الاتراك التسعة الذي سقطوا على ايدي جيش الاحتلال الاسرائيلي في سفينة مرمرة في 31 ايار 2010. فإذا كان سقوط قتلى اتراك على يد حزب العمال الكردستاني يستدعي ابتهالا من اردوغان لزيارة سوريا والصلاة في المسجد الأموي، فالأولى ان يستولد قتل شهداء سفينة مرمرة دعاء مماثلا لزيارة فلسطين والقدس والصلاة في المسجد الأقصى.
واذا كان الانتقام من النظام السوري استدعى حالة طوارئ تركية وتعبئة لدعم المعارضة السورية سياسيا وعسكريا وديبلوماسيا وإنسانيا واقتصاديا فإن انقرة لو منحت الفلسطينيين وخصوصا حركة «حماس» عشرة في المئة فقط مما تقدمه الى المعارضة السورية لربما كنا نرى اسرائيل خارج الاراضي المحتلة.
فهل يعتبر قادة تركيا من ازدواجية معاييرهم ويعودون جزءا من الهوية الاصلية للمنطقة أم انهم سيواصلون النظر الى «معركة حلب» خصوصا على انها «مرج دابق» جديدة تفتح لهم ابواب المنطقة ولا توفر حتى مصر والسعودية من تطلعاتهم؟
محمد نور الدين
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)