من الواضح ان السياسة الاميركية تجاه سورية والتي تسعى الى ازاحة النظام الحالي واثارة القلاقل تلقى صعوبات جمة.. بحسب الدبلوماسي الاميركي مارتن انديك من الضروري التنسيق اكثر مع الروس والاتراك من اجل تحقيق فعالية اكبر لهذه السياسة، وكذلك برأيه يجب العمل على انشقاق الجنرالات ..
ويؤكد انديك ان اميركا “عالقة” في هذه المرحلة بشأن سورية.
وفي شهادة له امام مجلس الشيوخ يشير هذا السفير السابق لدى الكيان الصهيوني الى دور سعودي وقطري في التسليح في سورية.
وقدم مارتن أنديك شهادة أمام لجنة استماع العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ حول ” الخطوات التالية في سورية”. خلال شهادته، تحدث مارتن إنديك عن الأزمة الإنسانية في سورية، حيث فر مئات آلاف السكان في مدينتيْ دمشق وحلب الرئيسيتين هرباً من القتال وعبروا الحدود إلى داخل الأردن، تركيا ولبنان.
وأضاف إن الوضع في سورية اليوم مصدر معاناة إنسانية هائلة مع سقوط أكثر من 100 ضحية من المواطنين السوريين في اليوم، ومع عدد الضحايا المتراكم الذي فاق 20000 شخص. والآن تلوح أزمة لاجئين كبرى: إذ يفر مئات آلاف الناس من القتال الدائر في مدينتيْ دمشق وحلب الرئيستين ويعبرون الحدود السورية مع الأردن، تركيا ولبنان.
إن صور المدفعية السورية والطائرات الحربية التي تهاجم ضواحي حلب القديمة، والتقارير الصادرة عن المجازر المذهبية، والنقاش المفتوح عن الظروف التي قد يتم بها استخدام ترسانة سورية من الأسلحة الكيماوية، والمؤشرات عن العناصر الجهادية المنضمة إلى المعركة، كلها تشير إلى صراع تشتد حدته بحيث أن عدد الضحايا لا بد وأن يرتفع، ربما بشكل كبير. وإذا ما كانت سورية ” تخرج عن السيطرة” بالفعل، كما أعلن مؤخراً وزير الدفاع بانيتا، عندها فإن ما شهدناه في الأشهر الستة عشر الماضية من الثورة قد يكون مجرد نذير لكارثة مقبلة أكبر بكثير.
هذا الأمر، بشكل خاص، مثير للقلق لأن سورية ليست كأي بلد عربي آخر شهد ثورة منذ كانون الثاني 2011. و رغم أن لدى النظام والداعمين الأساسيين له الإرادة بمتابعة القتال،مع ذلك، من المستحيل التصور بأنهم سينتصرون على أكثرية سنية لديها كل الحق بالشعور بالغضب بسبب انغماس الأسد بالقتل والتي تكتسب قوة باكتسابها خبرة قتالية وبحصولها على دعم عسكري خارجي من دول سنية هي تركيا، قطر، والسعودية. وقد تخلى النظام أساساً عن سيطرته على قسم كبير من البلاد وحدوده؛ والسوريون الأكراد مشغولون الآن بتأسيس منطقة الحكم الذاتي في الشرق؛ الاقتصاد في سقوط مريع؛ كما أن العزلة الدولية لسورية في تزايد.
بما أن هذا الوضع يعرض بأن الأمور ستصبح أسوأ بكثير قبل البدء بالتحسن، وبأن المعاناة الإنسانية ستتزايد فحسب، بشكل كبير ربما، فما الذي ستفعله الولايات المتحدة؟
من المجدي في هذه الظروف البدء بتحديد المصالح الجوهرية الأميركية في سورية، الموجودة، جيواستراتيجياً، في قلب المنطقة العربية- الإسرائيلية – على الحدود مع لبنان، تركيا، العراق، الأردن وإسرائيل- والتي عملت كقناة لجهود إيران للدفع قدماً بمحاولتها للهيمنة على هذه المنطقة الحساسة. وقد أشار هنري كيسينجر، بحسب ما هو مشهور، إلى أن لا حرب عربية- إسرائيلية من دون مصر ولا سلام عربي – إسرائيلي من دون سورية.
ولهذا السبب، سعت الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى إحضار سورية إلى معسكر السلام مع إسرائيل لتدعيم مصلحتين إستراتيجيتين أساسيتين: الاستقرار في منطقة متفجرة إنما حيوية؛ وأمن إسرائيل.
وفي ذلك السياق، فإن قطع القناة السورية التي تستخدمها إيران لتعزيز حالة اللا استقرار على حدود إسرائيل من خلال وكيليها: حزب الله وحماس أمر استراتيجي ملح. وبشكل مشابه، فإن منع سورية من نشر أو استخدام أسلحة الدمار الشامل يخدم مصالحنا الاستراتيجية. إن تعزيز الاستقلال اللبناني عن سورية وردع سورية عن زعزعة الاستقرار في الأردن مصلحتان أميركيتان مهمتان رغم وزنهما الأقل استراتيجياً. أخيراً، للولايات المتحدة مصلحة في الدفع قدماً بحقوق الإنسان للشعب السوري، انسجاماً مع مواصلتها العمل على حرية وكرامة شعوب العالم العربي.
أما في البلدان العربية الأخرى حيث ثار الشعب ضد حكامه السلطويين، فقد كان ينبغي للولايات المتحدة أن توازن ما بين قيمها ومواصلة العمل على مصالحها. ففي ليبيا، على سبيل المثال، كان لدى الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية محدودة جداً لكنها اختارت دعم التدخل العسكري بسبب رغبتها بمنع حصول مجزرة مؤكدة تقريباً للمواطنين في بنغازي.
أما في البحرين، وعلى العكس من ذلك، فقد اختارت الولايات المتحدة وضع مصلحتها الاستراتيجية في استقرار السعودية المجاورة فوق دعم حقوق المواطنين البحرينيين، الذين كان ثلثهم في الشوارع يطالبون بإصلاحات أساسية وجوهرية.
في كل الأحوال، ليس هناك في سورية علاقة توتر كهذه بين المصالح الاستراتيجية الأميركية والهواجس الأميركية بخصوص حقوق الإنسان للشعب السوري. فكلاهما سيُخدمان جيداً بالإزالة السريعة لنظام الرئيس الأسد، خاصة لأن استمراره بالسلطة لن يسبب المعاناة الهائلة للشعب السوري فقط، بل لأنه طالما هو موجود في السلطة فإن احتمال الانزلاق في الفوضى التي يمكن أن تلحق الضرر بمصالحنا في سورية والمنطقة ككل سيكون أعلى ( استقرار الدول المجاورة لسورية، اجتناب الصراع مع إسرائيل، منع استخدام أو انتشار الأسلحة الكيماوية السورية، اجتناب انتشار صراع مذهبي .
بالتالي، فإن زمن سقوط النظام، والكيفية التي سيخرج بها من السلطة أصبحا سؤالين هامين بشكل أساسي بالنسبة للسياسة الأميركية. إلا أن إدارة أوباما تجد نفسها عالقة في هذا الوضع. لديها سبب وجيه لتكون مترددة بالتدخل عسكرياً: فالشعب الأميركي قد سئم بعد عشر سنوات من الحرب في الشرق الأوسط الكبير؛ المجتمع الدولي منقسم، أقله في ذلك الوقت؛ الجيش السوري لا يزال يتمتع ويستحوذ على قدرات هامة – بما في ذلك الأسلحة الكيماوية – التي يمكنها أن تجعل ثمن التدخل عالياً؛ والمعارضة منقسمة وعاجزة حتى الآن عن تقديم بديل متجانس بحيث يمكن للولايات المتحدة مد يد المساعدة بشكل فاعل لاستلام السلطة.
سيريان تلغراف | وكالات