إذا كان البعض يعتبر المبعوث الدولي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي دبلوماسياً مخضرماً، إلا أن سجلّه لم يحمل في المهمات التي كُلِّف بها إلا نجاحاً واحداً نوعياً، وذلك حينما شغل مبعوث اللجنة العربية لحل الأزمة اللبنانية عام 1989.
كل من عرفه وتابع مهمته في تلك الفترة، لا يجد فيه ذلك الدبلوماسي الضليع في فن الأخذ والرد، والمفاوضات، بقدر ما هو ناقل رسائل بين الأطراف.. أما لماذا نجح؟ فلسبب بسيط جداً، هو أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أراد له ذلك، وبالتالي مكّنه من الوصول إلى النتائج المعروفة والمتمثلة بـ”اتفاق الطائف”.
هذه المرة الرئيس السوري بشار الأسد يريد للدبلوماسي الجزائري النجاح في مهمته السورية، لكن السؤال: هل لدى الإبراهيمي النية لتحقيق ذلك؟
سلف الإبراهيمي (كوفي أنان) كانت السعودية وقطر قد استبقتاه بتأكيدهما فشله في مهمته مع صدور قرار تعيينه، أما الإبراهيمي، فلم ينتظر القرار الخليجي؛ منذ البداية بدأ بدعسته الناقصة وربما “المشبوهة” حينما تحدث عن حرب أهلية تشهدها سورية، من دون أن يأتي من قريب أو بعيد على المعسكر العربي – الدولي ومجموعاته المسلحة، والمستقدَمة من رياح الأرض الأربعة، لسفك الدم السوري، وهو ما استحق رداً حازماً من وزارة الخارجية السورية، فرض عليه عدم تكرار ترّهاته، وهو لاحقاً عبّر عن مصير مهمته بصريح العبارة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي)، بأن المحاولات الدبلوماسية لإنهاء الصراع “شبه مستحيلة”.
والسؤال هنا: هل الأخضر الإبراهيمي مستعد لوضع النقاط على حروف المؤامرة الواسعة والمتعددة الأطراف على سورية؟
ببساطة، نجاح مهمة الإبراهيمي – إذا كان يريد النجاح – مرهونة بالتزام الدول المتورطة في سفك الدماء السورية، وتحديداً القطري والسعودي والتركي، وعلى رأسهم الأميركي وتابعه الفرنسي، علناً بنجاح خطة كوفي أنان بنقاطها الست، والتوقف وبلا أي تردد أو مماطلة عن إرسال السلاح والمرتزقة إلى الداخل السوري، وإغلاق معسكرات التدريب المفتوحة للإرهابيين في تركيا والأردن، وإغلاق الحدود في وجه المسلحين ومهرّبي السلاح كما هو حاصل في هذين البلدين، بالإضافة إلى لبنان.
من جهة أخرى، مازالت الخلافات والتناحر يعصفون بأجنحة المعارضات السورية المتنوعة، ولأسباب مختلفة، منها التدفق المالي الذي يريد كل طرف نصيباً أكبر من الآخر، خصوصاً أن معادلات القوة التي أرستها الدولة الوطنية وقواتها المسلحة، قضت حتى الآن على عدة آلاف من الإرهابيين، بالإضافة إلى قوة الردع لدى منظومة المقاومة المحيطة بسورية، والجاهزة لأي عدوان طارئ أو محتمل، سواء أكان من “إسرائيل” أم الأطلسي، وبفعل الواقع الاستراتيجي النوعي الجديد دولياً، الذي أرسته دمشق مع موسكو وبكين، ناهيك عن علاقاتها القوية مع إيران، والتي تعني في ما تعنيه إرساء توازن دولي جديد، بدأ يفرض معادلات جديدة تتخطى سورية، وإن كانت تنطلق منها، بما صار معروفاً لدى الجميع، لاسيما لدى مراكز الدراسات ودوائر التخطيط في واشنطن وتل أبيب، وكل المجموعة الأطلسية؛ بأن أي تدخل عسكري في سورية سيتدحرج إلى حرب مفتوحة قد لا تقتصر على المنطقة فحسب، بل قد تمتد إلى أرجاء واسعة من العالم، وقد يكون الثعلب الأميركي – الصهيوني هنري كسنجر أول من حذر منها أو فهم أبعادها، في وقت بدأت الدوائر الغربية تخشى من امتداداتها التي قد لا تكون خطراً حقيقياً على وجود “إسرائيل” وحسب، إنما على المصالح الغربية بشكل عام، في وقت بدأ الشتاء يدق أبوابها.
الأخضر الإبراهيمي قد لا يكون غريباً أو جاهلاً لهذا الواقع، لكن هل هو يريد أن يختم عمره بكلمة حق، أو بنجاح دبلوماسي باهر، وهو الذي كان قد جاهر في لحظة معينة بحق “إسرائيل” في السلام والحياة، فيعترف ويؤكد أن التدخل الأجنبي الأطلسي والعربي والخليجي يمنع الحوار في سورية، ويعمل على تصعيد القتل والعنف والإرهاب بصورة لا مثيل لها، وفي سيرة الإبراهيمي ليس ما يدل على ذلك؟
الحقائق واضحة، فسورية تقاوم عدواناً واسعاً تقوده واشنطن، وتشارك فيه دول عديدة، كقطر والسعودية وتركيا، وعلى رأسهم تل أبيب، وكل هذا الحلف يمارس على دول العالم شتى الضغوطات، وتحشد فيه الآلاف من إرهابيي الأرض من كل الأجناس.. وعلى ضوء نتائج الحرب على سورية، ثمة تاريخ جديد سيُكتب في المنطقة، وبالتأكيد ما بعد انتصار الدولة الوطنية السورية في هذه الحرب ليس كما قبله.
أحمد زين الدين | الثبات
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)