تناول وزير الخارجي الروسي سيرغي لافروف في مقال له اليوم، الازمة السورية وانعكاساتها الاقليمية والدولية، بالإضافة الى المبادئ التي تحكم الدبلوماسية الروسية، معتبرا، ان الدعاية الغربية لم تتوقف يوم عن تسخيف الموقف الروسي من الأزمة السورية.
وأشار لافروف في مقاله، الى ان الاحداث المتلاحقة خلال السنة أو السنة والنصف الماضية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط احتلت المكانة الأولى بين القضايا السياسية على جدول الأعمال، مما دفعنا إلى تبني المقاربة الأكثر توازنا فيما يخص الأزمة السورية، والتي هي الأكثر حدة في المنطقة، متسائلا، :”كيف يمكن لحكومة أن تبقى صامدة طيلة عام كامل على الرغم من العقوبات المفروضة عليها من قبل أهم شركائها الاقتصاديين في البلد إذا لم يكن لها أي دعم شعبي؟، ولماذا أقدمت غالبية أفراد الشعب على التصويت لصالح مشروع الدستور المقترح من قبل السلطة؟، ولماذا لا يزال غالبية العسكريين رغم كل ماحصل، أوفياء لقادتهم؟، معتبرا، انه “اذا كان الجواب هو الخوف، فلماذا لم يكن عامل الخوف في صالح أنظمة أخرى؟”.
وأكد لافروف، أن ممارسة الضغط بشكل يفضي إلى تنحي الرئيس بشار الأسد فورا عن الحكم خلافا لرغبة شريحة كبرى من المجتمع السوري لاتزال تدعم النظام القائم ضمانا لأمنها ورفاهيتها من شأنه أن يغرق سورية في حرب أهلية دموية طويلة الأمد. ورأى أنه يتوجب على اللاعبين الخارجيين أن يساعدوا السوريين على تجنب هذا السيناريو، وأن يحثوهم على انتهاج اصلاحات تطورية، لا بل ثورية، من داخل النظام السياسي السوري نفسه، عبر حوار وطني دون اكراه ممارس من الخارج.
واعتبر لافروف، ان سورية لم تكن يوما تلميذا سيئا على صعيد الحريات المدنية في المنطقة، وهي أكثر تقدما وبما لايقارن مع بعض البلدان التي تسعى إلى إعطاء دمشق دروسا بالديمقراطية هذه الأيام، فسورية، بلد متعدد الطوائف يعيش فيه المسلمون السنة إلى جانب الشيعة والعلويين إضافة إلى المسيحيين الأرتودوكس والمذاهب الأخرى منهم مع الدروز والأكراد، معتبرا ان حرية الاعتقاد ظلّت محترمة في سورية طيلة العقود الأخيرة من حكم “البعث” العلماني لهذا فإن الأقليات الدينية تخشى من الاطاحة بالنظام، كي لا ينتهي هذا التقليد المتبع، مضيفا، يجب أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار والإصغاء اليها.
وشدد لافروف في مقاله، على انه إذا كنا نرغب حقا تحفيز احترام حقوق الانسان في الشرق الأوسط علينا أن نؤكد على هذا الهدف بكل صراحة. وإذا كنا نعلن صراحة بأن مسألة وقف نزيف الدماء هي أهم ما يشغلنا، يجب علينا أن نمارس كل الضغوط الممكنة التي من شأنها أن توقف اطلاق النار في مرحلة أولى، تليها مرحلة تشجيع الحوار بين جميع الأطراف في سورية، ضمن هدف يؤدي إلى اجراء مفاوضات حول تسوية سلمية للأزمة، من خلال السوريين أنفسهم.
وأضاف لافروف، انه يتوجب علينا أن نعترف بأن تقديم الدعم الأحادي الجانب للمعارضة، خصوصا الطرف الأكثر عدوانية منها لن يؤدي إلى تحقيق السلام في هذا البلد في المستقبل المنظور.
وتطرق لافروف في مقاله الى ايران معتبرا، ان احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران، يشكل مادة لأكثر موضوعات النقاش الجارية هذه الأيام. مشددا على أن اللجوء لمثل هذا الخيار، ستكون له نتائجه الوخيمة، بل المأساوية، يأتي في مقدمة تلك المخاطر، فقدان السيطرة على الحدود الفاصلة بين “اسرائيل” وسورية، وتسميم الأوضاع في لبنان، كما في كل بلدان المنطقة، ووصول أسلحة إلى “أيد شريرة”، وخصوصا منها المنظمات الارهابية. وقد يكون تصعيد التوتر، وتعميق التناقضات الطائفية داخل المجتمعات الاسلامية، أشد تلك المخاطر احتمالا.
كما نبه لافروف، الى ان العلاقات الدولية وصلت إلى حد من التأزم لا يمكن تجاوزه دون إلحاق ضرر بالغ بالاستقرار العالمي. لهذا السبب فإن أي عمل يهدف إلى إطفاء الحرائق الاقليمية، بما فيها النزاعات الداخلية ضمن الدول، يجب أن يتم بشكل مدروس قدر الامكان، دون أن تطبق عليه أي معايير جاهزة.
بقلم : سيرغي لافروف
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)