أعرف أنني أحارب الظلام الواسع ..لكنني في هذا الليل العربي الداجي .. سأملأ فمي بالضوء وأتحدث .. وسأملأ قلمي بالضوء وأكتب على وجه الليل الواسع أنني حر .. فأين هو الليل الذي يقدر على أن يطمس نورا مضيئا وقبسا حرا حتى لو كان وشاح الليل الأسود مبللا بالنفط الأسود؟ .. سأرسم بالقبس القمر ونجمتين مضيئتين خضراوين .. وفي أعلى اللوحة سأرسم طلوع الفجر الأحمر ..وفي وسط اللوحة سأطلق ضوء الشمس .. من قلمي ..وأوقّع .. أنا من سورية وأعرف أني في مقاييس الزمن ماأنا الا زمن صغير أحارب جيوش القرون الهرمة التي تكللت بالشيب والقادمة من جلابيب التاريخ ذات الغبار .. ولكن من ذا الذي يقدر أن ينزع مني نزقي وأجنحتي بعد اليوم ..؟؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يمنعني من أحب الضوء وأسعى اليه وأخفق حوله .. ومن أن أكره الظلام وأنفر منه .. ..
والمقارنة بين الرئيس الأسد والرئيس محمد مرسي هي المقارنة بين الضوء والظلام .. ولاأدري ان كان توقيت مقابلة الرئيس الأسد مع قناة الدنيا قبل خطبة الرئيس المصري في طهران مقصودا ومحسوبا من قبل السوريين ليرى الناس الفرق بين الرجلين .. فاليوم في طهران وقف رجل مصري اسمه محمد مرسي يريد تدمير سورية .. وبجانبه وقف رجل ايراني اسمه أحمدي نجاد يريد تدمير اسرائيل .. والخلاف بينهما هو .. الرئيس الأسد الذي بيده مصير المشروعين .. ليثبت بالدليل القاطع أن الأسد هو الرجل الأخطر في الشرق الأوسط على الاطلاق .. لانه الفيصل بين مشروعين كبيرين .. مشروع نجاد لتدمير اسرائيل .. ومشروع مرسي لاحياء اسرائيل بتدمير سورية ..
لن أتحدث عن أبسط شيء يلاحظه المراقب للمقارنة بين رجلين تحدثا في يوم أو يومين .. الأسد ومرسي .. فأبسط شيء أبدا به هو أن اللغة العربية انحازت للأسد ونفرت من مرسي .. لغة القرآن التي يجب أن تكون دستور مرسي (الاسلامي) كانت منفرة وقد عانت وتعذبت على لسانه وهو من يفترض فيه أن يكون قارئا للقرآن ومتقنا للغته .. ولاأستطيع أن أتخيل أن اسلاميا قياديا مثله لايعرف أبسط قواعد اللغة العربية اذا كان فعلا يقرأ القرآن وينهل منه طوال عمره .. فاذا به يجرّ مالايجرّ ويفتح مالايفتح ويكسر السكون..وغني عن القول ان من لايعرف أساسيات اللغة العربية لن يعرف دستور اللغة ولن يفهمه .. أي القرآن الكريم .. ونصيحتي لمن يكتب له خطاباته ان يتذكر أن الرئيس مرسي بأمس الحاجة الى اختراعات (أبي الأسود الدؤلي) على نهايات الحروف .. أما حديث الرئيس الأسد العفوي والسلس والمتقن باللغة العربية التي كانت مكرّمة على شفتيه كما في بيت أمها وأبيها فيدل على أن من يعرف الحرف وحركة الحرف ودقة المعاني يلم بدستور الحرف العربي .. القرآن الكريم وروح القرآن ..
لن أتحدث عن الرئيس الأسد على أنه خارق وسوبرمان كما تحاول المعارضات المريضة الايحاء بأنه يتصرف كالرجل الخارق وفوق الناس وبأننا نصوره كالسوبرمان .. بل لابد من الاعتراف أنه ظهر كما هو رجل دولة وقائدا من الطراز الاستثنائي .. كان في منتهى الصدق والوضوح والشفافية والعفوية ودون لمسات النفاق التي رأيناها في مراثي مرسي .. وبدا الأسد رجلا يحترف صناعة التاريخ لأنه يعرف الواقع ويعرف أن الرومانسية السياسية هي العدو الرئيسي للشعوب في الأزمات .. ان هذا الرجل في خطر لأنه أخطر رجال الشرق الأوسط القادم .. وأستطيع فهم الصحفي الطبال عبد الباري عطوان الذي حاول هدم حديث الأسد بوصفه بأنه متشائم .. لأنه يبعث فعلا على تشاؤم معسكر الشر بواقعيته وبعده عن الرومانسية السياسية ..
لقد حاول مرسي كما توقعنا أن يتقرب من ايران وأن يبتعد عن سورية كما طلب منه أن يكون دوره في هذه المرحلة جسرا نحو ايران للوصول الى سورية .. فاذا لم تبتعد سورية عن ايران فلماذا لايكون العكس بابعاد ايران عن سورية باسفين مصري .. وهذه أولى عثرات الفكر الاسلامي المصري الجديد ودلائل سوء تقديراته وقراءاته الساذجة .. التي بدت في نفاق اللغة بالحديث عن فلسطين ودعم شعبها دون أن يصف اسرائيل بصفات مشينة كما فعل في توصيفه للنظام السوري فبدا النظام السوري أسوأ من اسرائيل .. وأتبع ذلك بالحديث عن اصلاح مجلس الأمن من أجل سورية وليس من أجل فلسطين .. أي لعبة تشتيت انتباه الجماهير .. كمن يطلب منك التحدبق في عينيه لتقرأ نواياه كي تنسى يده الممسكة بالسكين نحوك .. نسيت سفن مرسي كل فيتوات اميريكا وتذكرت القاء المرساة أمام فيتو روسي صيني لحماية الشعب السوري .. ان مرساة مرسي .. هي المرثاة .. والمأساة..
مرسي يريد منا أن نتصور السياسة رومانسية وأن الاطناب بالحلول السلمية سيغطي على نواياه .. كما بدا مشهد وصوله الى السلطة رومانسيا وروائي الحبكة بالرغم من بوليسيات أغاثا كريستي في تمثيليات الاخوان السرية مع الأمريكان .. مرسي يريد أن يلقي بثقل مصر لتسويق فكرة الحل السلمي الرومانسي للأزمة السورية .. لكن على الطريقة الأمريكية .. وهو ربما ناقل للرسالة الرومانسية التالية: ان رحيل الرئيس الأسد هو نهاية الأزمة سلميا.. هذا ماقاله قبل أيام لرويترز ..وهو كما يبدو تصوره الرومانسي
رومانسية المراسي والمراثي
الرومانسية السياسية هي مايقتل الأمم .. كن رومانسيا حيثما تريد الا في الحروب والسياسة .. الرومانسية السياسية العربية هي التي أوصلتنا الى سايكس بيكو الأولى وهي التي تدشن انطلاق الثانية..
كان الشرق يحلم بمشروع قومي عربي والتقط لورنس العرب وشركاؤه رومانسية شرقية وأدخلونا في ليالي شهرزاد ..حتى خطفت منا فلسطين .. وقطع رأس شهريار .. وتبين أن شهرزاد التي حدثتنا عن الدولة العربية المستقلة حتى الصباح ليست الا الصهيونية العالمية..
الرومانسيون العرب الذين ارتدوا جلابيب الربيع كالبلهاء وحضروا المهرجان لم يعرفوا أنهم في حفلة تنكرية وأن كل الحضور كان متنكرا بثياب حقوق الانسان والحرية والديمقراطية ..فقط المثقفون العرب وجماهيرهم كانوا على نياتهم ورقصوا بجلابيبهم في السهرة حول علبة اسمها صندوق الانتخاب ونادوا بالحرية .. السهرة انتهت ..وطلع الصبح ..وسيعود المثقفون العرب ليس الى بيوتهم القديمة .. بل الى الشارع .. لأنه لم تبق لهم بيوت ولاأوطان .. فبيوتهم سكنها السلفيون وعتاولة القاعدة وذوو اللحى الطويلة المنفوشة .. وكل هذه الحفلة والرقصة كانت لاسكان السلفيين والوهابيين بيوتنا .. والسلفيون وقعوا على عقد الايجار مع الغرب .. والغرب هو وحده الذي سيلقي بهم في الشارع بعد أن يدعوهم يوما الى حفلة خيرية جديدة لذكر الله .. لاسكان طلاب سلطة جدد بعقد جديد ..
حفلة شهرزاد الرومانسية التي رتبها لورنس العرب انتهت بلوعة وفاجعة بفقدان فلسطين .. لوعة لم تتوقف ولم تبرد .. أما حفلة الرقص الرومانسي (رقصة الربيع العربي) في الحفلة التنكرية الأخيرة التي دعا اليها برنار هنري ليفي واعتقدت نخب العرب أنها باليه بحيرة البجع .. فانها انتهت نهاية دموية فجائعية وأوصلت الدم الى كل البيوت كما تصل أنابيب المياه اليها.. وملأت دهاليز الذاكرة بدم سنرثه جيلا وراء جيل .. وانتهت الأحلام الرومانسية الى حرب دينية قروسطية سيدشنها الاسلاميون من تونس الى تركيا .. حتى صار البعض يريد اضفاء صفات مذهبية على شخصيات لايمكن مذهبتها مثل الرئيس عبد الناصر السني وعبد القادر الجزائري وجمال الدين الأفغاني الشيعي .. ولاأستغرب ان صار الناس يتساءلون ان كانت جذور عبد الحليم حافظ سنية أم شيعية .. وهل اعتنق صوت فيروز المذاهب والتعصب وأن نقاطعه لأنه غنى لـ “الطفل في المغارة..وأمه مريم” .. وليس للرسول في الغار !!..
من الرومانسيات العربية التي يروجها أصحاب الحفلات هذه الأيام رومانسية الحل السلمي بتبديل الرئيس .. لأن كل الأزمة السورية وكل الدم يتوقف في تنازل واحد بسيط هو (رحيل الرئيس بشار الأسد) ..ويردد البسطاء والبلهاء ذلك من رواد المقاهي الى الأبله الرزوقي .. الى مرسي المراثي محمد مرسي .. وبالطبع فان الناس تردد مايقال بطريقة العدوى .. وهناك من الناس من لايفقه في السياسة شيئا لكنه بارع في الترديد (رديدة) مثل كورس الغناء .. وهناك أناس يعتقدون أن ترديد الشعارات السياسية هو مثل الموضة يجب اللحاق بها .. وهناك من يقول مايسمع لأنه يردد المقولات المتكررة ظنا منه أن ذلك يجعله متميزا في المجتمع ومن (الناس الفهمانين) من باب الشعور بالنقص كما يفعل بعض الفقراء الذين يدخلون الى المولات التجارية الكبيرة الفاخرة بدعوى التسوق من الأماكن الراقية أو الذين يبحثون عن ماركة ثياب فاخرة ونظارات شمسية ينتسبون من خلالها الى عالم الأبهة نفسيا وهم مساكين مدينون لبقال الحارة وتاجر البالة.. وحالهم أحيانا كحال القروي الذي التقى المحافظ أو الوزير لدقائق وصافحه فصار يردد الحكاية وكلمات المحافظ كل العمر وفي كل مناسبة ويورثها لأبنائه للفخر..
لن أكون رومانسيا ولكن معرفتي بخطر الرومانسية السياسية تجعلني أعتقد أن هذه الدعوة الرومانسية هي أخطر دعوة على الاطلاق ..ويكاد المرددون المتحمسون لها يصفون عبارة (رحيل الرئيس الأسد يعني رحيل الأزمة) بمثل ما وصف الوليد بن المغيرة كلام القرآن عندما سمعه .. فاذا بهم يقولون عن هذه العبارة: “ان بها لحلاوة ..وان عليها لطلاوة .. وان أسفلها لمغدق .. وان أعلاها لمثمر..وانها لتعلو ولايعلى عليها”.. انها قطعة مقدسة من قرآن الربيع العربي ..قرآن هنري ليفي..
من ينظر الى هذه المعادلة البسيطة يعتقد أن من العار رفضها .. فالتخلي عن رجل من أجل أمة كاملة هو المنطق والواجب .. وأن الرومانسية هي التمسك برجل وانكار أمة كاملة .. لكن ماذا وراء هذه الدعوة الرومانسية المفخخة؟؟ ..
هذه المعادلة (رحيل الرئيس بشار الأسد = نهاية الأزمة السورية) هي في الواقع معادلة تشبه معادلة الانشطار النووي .. التي تبدأ بالقاء نيوترون واحد في قلب الذرة فتتوالى فيها الانشطارات والانفجارات الهائلة والحرائق ..هذا النيوترون السياسي في الأزمة السورية هو الشطر الأول من المعادلة (رحيل الرئيس) ..ولكن التفاعل يأخذ منحى تفاعليا آخر .. سينتقل التفاعل السياسي الى شيء مختلف تماما .. أي الى بداية الأزمة الحقيقية السورية ..وسيتلو ذلك انشطار ذري آخر هو .. بداية الحرب الأهلية السورية الكبرى .. يتلو ذلك تفاعل آخر يقول بداية تقسيم سورية .. وينتهي بحريق هائل هو حريق سورية .. وينتهي التفاعل بـ نهاية سورية .. وآخر مرحلة من هذا التفجير النووي هو .. هنا كانت سورية..
ماذا يعني الاصرار على رحيل الأسد؟ وهل الرئيس الأسد هو سورية؟؟
ان منتهى الرومانسية الساذجة هو الذهاب في اتجاه الاقتناع أن نهاية الأزمة السورية تكمن في اجراء بسيط هو رحيل الرئيس.. وهي معادلة خبيثة تقنع الكثيرين في الشارع العربي الطيب الساذج الذي يؤلمه النزيف السوري .. وتبين أن عمليات القتل الممنهج المقصود المنتشر تريد ان توصل كل من يتألم على سورية بأن يقبل اي حل طالما انه يوقف النزيف .. فما بالك بحل بسيط جدا؟ ..أي رحيل الرئيس ..تريد هذه اللعبة التسلل الى الشارع السوري بعد أن تمكنت من الرسوخ في أذهان المتمردين على أنها الحل السحري ذي التكلفة الأقل .. لكن هذه الخطوة هي الخطوة التي ستطلق شرارة الجحيم الذي لن يلملمه الرومانس العربي ولن تكفيه كل أحلام البلهاء ونواياهم الطيبة .. والدماغ الذي وضع هذا الشرط لتسوية الأزمة هو دماغ لابد من الاعتراف بعبقريته وجهنميته .. ولكن عبقريته تسقط اذا تمكنا من تفكيك معادلته ..
تفكيك المعادلة
في بداية الأحداث لم تقترب المطالب الثورجية من رحيل الرئيس بل بدأت برحيل محافظ ورجل أمن فتم ذلك .. تلاها المطالبة برحيل قانون الطوارئ فتم ذلك ..ثم محكمة أمن الدولة .. لكن ارتفعت سوية المطالب الى رحيل الدستور ورحيل المادة الثامنة .. وكان الكثيرون من السذج يسمعون المعارضين الذين كانوا يتحدون الدولة السورية ان كانت قادرة على التخلي عن أيقونة الدستور (المادة الثامنة) لأن التخلي عنها هو تخل عن شرعية الحكم ونهاية عصر الاستبداد .. وفي هذه المرحلة وبالرغم من الاشارات الى امكانية اسقاط المادة الثامنة -وهذا ماحصل – تبلورت القوة الحقيقية خلف الأحداث وهي قوى الغرب ..وبرزت الغاية الحقيقية من اسقاط المبررات الدستورية لاستمرار نظام الحكم ومعادلة رحيل الأسد كامتداد لمسلسل رحيل الزعماء في الجمهوريات العربية ..واحلال حكومات اسلامية متماهية مع الملكيات العربية مرحليا قبل تغييرها..
ان المطالبة برحيل الرئيس كشرط وحيد تريد منه الولايات المتحدة وحلفاؤها أن تبدأ بذلك مرحلة انهاء سورية ..هذا الكلام لانقوله تعصبا للرئيس .. ولكن شاءت الأقدار أن هذا الرئيس ارتبطت به الأقدار السورية المنظورة .. فلنواجه الحقائق التالية .. والتسلح بالحقائق يوصل الى منارات الحكمة ..أما السعي بين الصفا والمروة (الحوار والسلاح) في الأزمة السورية فهو الكذبة الكبرى..وليست من الحج السياسي في شيء..
1- فمن الحقائق أنه ولظروف معقدة – بغض النظر عن أسبابها – على مدى طويل لاتوجد حتى الآن شخصية مقبولة من الطيف الأوسع جماهيريا .. ولم تستطع الظروف الراهنة فرض شخصية وطنية لها تأييد يتجاوز 10% بل ان معظم رموز المعارضة الحاليين رغم علو أصواتهم ليس لهم تمثيل على الأرض يتجاوز 1 – 5 % .. أي أن اي شخصية قادمة سيكون غالبية الجمهور ضدها .. ووصول هذه الشخصيات الضعيفة هو اضعاف لموقع سورية الاقليمي والدولي وتشجيع اللاعبين على التلاعب بالرئيس السوري الضعيف داخليا..
2- ان مقام الرئاسة يجب أن يكون المقام الأقوى جماهيريا ليكون الأقوى خارجيا .. ولنعترف دون مواربة أن أي شخص في القيادات السورية المعارضة دون استثناء لايحظى بشعبية مناسبة للوصول الى موقع الرئاسة الذي يعتبر الموقع الذي يجب حتما أن يصله شخص له تأييد واسع لايقل عن 50% في انتخابات رئاسية ..ولذلك تهرّب كل المعارضين من فكرة انتخابات رئاسية ..ومنازلة الأسد شعبيا ..
فقبل طلب رحيل الرئيس يجب أن يكون هناك بديل مقبول .. يتم اعداده عبر برنامج انتقاء وطني وتنافس برامجي في جو من الهدوء السياسي والثقة المتبادلة .. أما فرض الرئيس وسلقه بسرعة من أجل أزمة وطنية خارجية التحكم فهذا مايطلق عليه “طفولة سياسية” .. ورحلة في حقول الألغام..
وأما أنشودة ارحل واترك لنا الباقي في بلد معقد مثل سورية فهذ مثير للغثيان والرثاء وهو تسليم البلاد للأقدار واليانصيب على مبدأ (فلينزل القبطان على الميناء ولتبحر السفينة على بركة الله) .. أو كأن الرئاسة هي ناقة النبي التي تختار أن تبرك أمام البيت الذي تختار ..
3- هناك الاقليات الاثنية والدينية التي صارت متوجسة جدا من التمدد السلفي الذي برز ذيله الكبير بلا ضوابط مثل ذيل الديناصور تحت ثياب المجلس الوطني ومثقفيه الأراجوزات .. وهناك أيضا النخب المثقفة والتجارية الواسعة التي لاتحس بالاطمئنان على المستقبل في مزارع اللحى ومحاكم الله أكبر ومحاكم “سبحان من حلل اليك الذبح” .. التي لاتتبع مرجعيات قانونية بل مرجعيات دينية وهذه المرجعيات غارقة في التشنج والجهل ولاتعرف في ادارة الدولة وليست لها أية خبرة سياسية..
4- ولكن الأخطر على الاطلاق هو ترويج هذه الدعوات عن الحلول السلمية ومناقشة موقع الرئاسة بعد انتشار المسلحين من كل المشارب في الأرياف السورية .. وبسبب هؤلاء المسلحين لن يمكن التعاطي مع هذا الطرح الا بعد اخراج السلاح من المعادلة أو السيطرة التامة عليه من قبل الدولة .. فمن الذي سيقوم بضبط المسلحين وضبط السلاح اذا قبلنا الآن برحيل الرئيس؟.. ومن هي مرجعية هؤلاء المقاتلين ؟.. الرئيس الجديد؟ .. من هو ؟؟وهل سيسيطر على كل قطاعاتها وألوانها؟؟ هل ستخضع للقيادات الجديدة؟ من هي هذه القيادات؟ فلاتوجد معارضة واحدة وبالتالي لاتخضع فوهات البنادق الا لجهاتها الخاصة بها .. فهناك من يتبع قطر وهناك من يتبع السعوديين وهناك أتراك وهناك قاعدة .. وهناك أكراد وهناك تركمان ..وهناك كل شيء الا من يقدر على ضبط هؤلاء كمرجعية لهم .. ومن سيخلص المجتمع من فوضى السلاح وفلتان الأرياف؟ الرئيس الجديد بجيش جديد؟؟ هراء ..ان استعراض الكوارث التي تتلو رحيل الرئيس يحتاج أطروحة كاملة للنقاش .. لايعرف عنها تلامذة الصفوف الابتدائية في المعارضة شيئا..ولايمكن القبول بها من خلال ضيوف لدقائق في برنامج حواري على محطات لها مرجعياتها الخارجية ..أن “طالبان سورية” يجب اضعافها أو ستئصالها قبل اي حديث عن مستقبل سورية ..
5- ثم ان القبول برحيل الرئيس يعني أن المؤسسة العسكرية ستخضع لعملية فلترة واسعة سريعة لاقصاء القيادات العسكرية التي تشكل مصدر قلق كبير للغرب طالما أن الغرب يريد ثمن دعمه للتغيير .. ولدينا هنا نموذجان يجب دراستهما بتأن لنرى كيف يريد الغرب السيطرة على المؤسسات العسكرية المتمردة عليه .. الأول هو المؤسسة العسكرية العراقية الوطنية التي لم تكن للولايات المتحدة سطوة عليها ولذلك قررت أميريكا بعد التخلص من صدام حسين اثر غزو العراق تدميرها بحل الجيش الوطني العراقي كله وماتلا ذلك من فلتان وحرب مذهبية .. والنموذج الثاني هو المؤسسة العسكرية المصرية وهي وطنية لكن صف القيادات الأولى الموالية لحسني مبارك كان للولايات المتحدة قول حاسم فيها بسبب المساعدات العسكرية بحجة معاهدة السلام وأمن مصالحها وكانت لها علاقات مباشرة معها وتستقبلهم في دورات التدريب والاعداد .. ولذلك تمت ازاحة مبارك بمساعدة المؤسسةالعسكرية العليا لصالح الاخوان في صفقة الربيع العربي دون المساس بقيادات الصف الأول أو الجيش ذات المزاج الغربي التي ستتحول الى نموذج العسكر التركي الحامي للمصالح الغربية “ديمقراطيا” الى أن توافق الادارات الأمريكية على بعض التعديل (مثال اقصاء المشيرين في مصر.. وضبط العسكر في تركيا حاليا لصالح أردوغان)..
أما في سورية فان النجاح في ابعاد الرئيس الأسد يعني أن القوى الغربية ستعمل بعد ذلك على التخلص من وطنية الجيش السوري بالتخلص (وفق بعض الكواليس) من القيادات الهامة الميدانية ذات الاهمية الاستراتيجية التي تشبه عملية تخدير الدماغ العسكري للجيش السوري باقصاء قياداته الكبيرة .. وسيتسبب التخلص الممنهج من القيادات العسكرية الرئيسية في تعريض البلاد فورا للخطر الخارجي الذي يتحين الفرصة .. وستفتح شهية من لاشهية له لابداء الرغبة في التدخل بأية حجة وتجاوز الحدود من تركيا الى اسرائيل اللتين لم تجرؤا على تخطي الحدود بوجود الجيش الوطني وقياداته .. لكنهما في غياب الرؤوس العسكرية والقيادات لن تفوتا هذه الفرصة التاريخية لفرض واقع جديد وبدء التقسيم .. ومن المعروف أن استئصال القيادات العسكرية يعني تعريض البلاد لخطر هزيمة عسكرية في أية مواجهة كما حدث مع نجاح الثورة الايرانية التي تخلصت من آلاف العسكريين الموالين للشاه وأبعدتهم بسرعة عن العمل العسكري (90 ألف عسكري من أصل 700 ألف) وهذا مافتح شهية الرئيس صدام حسين لاجتياز الحدود والمطالبة بتعديل اتفاقية شط العرب .. وقد مكن غياب القيادات العسكرية الايرانية الميدانية المعتبرة الرئيس صدام حسين من مواجهة ايران 8 سنوات ..لأن الراحل صدام حسين اعتبرها فرصة تاريخية فالايرانيون مرهقون وجيشهم مشتت وصار بلا رؤوس “كما ورد في مذكرات موفد العراق الى الامم المتحدة الذي فاجأه سماعه للرئيس صدام حسين يقول له عندما اعترض على ذلك اذ قال الرئيس: يبدو أن العمل السياسي خرب لك مخك ..هذه فرصة لن تعود
6- ناهيك عن الخطر العسكري فان هذا بحد ذاته سيطلق حركات التمرد والانشقاق لقطعات كبيرة محاربة ولكبار الضباط الذين سيتصارعون مع القيادات السياسية الجديدة لأن الجيش يوالي عادة الشصيات العسكرية التي أشرفت على بنائه وتحديثه (مثل شخصية عبد الحليم أبو غزالة المصر الذي أبعده حسني مبارك) .. وفي الحالة السورية فان من أشرف على تطوير الجيش هو الرئيس الأسد نفسه .. ووجود قيادات سياسية مدنية ليس لها أي يد في بناء الجيش السوري (حتى من الصف القيادي الحالي المدني) سيجعل التفاهم بين العسكر والسياسيين صعبا .. خاصة في بلد مواجهة .. ودرس محمد مرسي واضح مع المشيرين .. أي هذا سيكون عاملا آخر للدفع باتجاه العودة بسورية الى عهود الفوضى السياسية والصراعات بدل ارساء الديمقراطية لأن تطويع القيادات السياسية لجيش لم تسهم في بنائه أبدا ليس أمرا سهلا..ان لم يكن مستحيلا ..
7- في الاصرار على رحيل الرئيس رسالة واضحة لكل من سيجلس على كرسي الحكم في دمشق بأن الانصياع للغرب وبرامجه هو السبيل للبقاء وليس ارادة الشعب .. وهنا تصبح ارادة الشعب رهينة بيد الغرب .. وكل البرامج المناوئة لاسرائيل ستصبح برامج مغازلة لها .. وتصبح أولويات الحكم السوري هي اولويات تل ابيب وأنقرة والرياض ..وحتى قطر ..وربما يراعى رأي سمير جعجع ..فتخيلوا أن أهل الشام يرجعون الى الدوحة أو يزورون سمير جعجع لدعم مرشحيهم الرئاسيين ..وهذا جلي وواضح في غياب اسرائيل عن اي برامج للمعارضة السورية بل طفا على السطح برنامج العداء لايران ..تماما كما تريد أمريكا واسرائيل..
لذلك ان من أقدس الأقداس اسقاط هذا الخيار حفاظا على كرامة الشعب السوري واستقلاله الوطني .. ويجب احلال خيار آخر استراتيجي هو: لاشأن للرئاسة بالأزمة الوطنية .. الرئيس بالذات شأن سوري صرف .. ولاأحد له الحق في ابداء رأيه بذلك الا الشعب السوري ..
ومهما قيل عنا فاننا نعرف أننا نحارب الظلام الواسع .. لكننا في هذا الليل العربي الداجي .. سنملأ صدورنا بالضوء ونتحدث .. وسنملأ أقلامنا بالضوء ونكتب على وجه الليل الواسع أننا أحرار .. فأين هو الليل الذي يقدر على أن يطمس نورا مضيئا وقبسا حرا حتى لو كان وشاح الليل الأسود مليئا بالمراسي .. والمراثي ..وثوار المآسي .. والكراسي ؟
نارام سرجون
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)