صدفة أن يجتمع العسكريون والديبلوماسيون على خلاصة واحدة بشأن سوريا: لا تدخل عسكريا في بلاد الشام لأننا عاجزون عن التدخل، كما يقول العسكريون قبل كل شيء، أو الانصياع لأوامر واشنطن.
غموض بناء، من ذلك النوع الذي يفضله الديبلوماسيون الغربيون عندما يفشلون في الحصول على تنازلات سياسية من روسيا والصين، أشاعه التهديد الأميركي بتغيير الموقف من التدخل عسكريا، اذا ما قامت سوريا بنقل الكيميائي إلى «حزب الله» او استخدامه في العمليات ضد المعارضة المسلحة.
وكانت التوقعات بتوجه اوباما نحو الخيار العسكري، قد بلغت ذروة التشاؤم (او التفاؤل)، عندما ترافق تحديد الكيميائي السوري نقلا او استخداما ،خطا احمر، بمشاورات هاتفية بين الرؤساء فرنسوا هولاند وباراك اوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.الغموض البناء الذي يثير شهية المتطلعين إلى قرب صدور قرار اميركي بالتدخل العسكري في سوريا، لم يدم طويلا.
لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي قال لـ«السفير» على هامش مؤتمر صحافي في الكي دورسيه «إنه لا يوجد اي قرار من هذا النوع بصدد سوريا».والمشاورات الأميركية الفرنسية البريطانية بعد إثارة قضية الأسلحة السورية الكيميائية؟ «إنها مشاورات عادية جدا» .
قال الوزير الفرنسي لـ«السفير»، «وهذا أمر جيد، ليس بين هؤلاء الزعماء فحسب وانما مع الآخرين لا سيما الجامعة العربية، خصوصا أن الأمر يتعلق بسوريا التي يدور فيها نزاع تترتب عليه نتائج خطيرة على دول الجــوار، ومن المفـيد التنســيق».الوزير الفرنسي، لم يسهب كثيرا في التعليق على طلب نظيره التركي احمد داود اوغلو، بنقل لاجئين سوريين إلى الداخل السوري، اعلان المنطقة المرشحة لاستقبالهم على الأراضي السورية منطقة آمنة يحميها حظر جوي. لوران فابيوس اكتفى بالقول «ندرس الأمر».
احد مســاعديه المقربين قال لـ«السفير» إن الدرس لا يعني التقرير فيه لكننا ننظر فيه لا أكثر.جان فلوري قائد اركان الجوية الفرنسية السابق، اكثر وضوحا. الجنرال فلوري يجزم «لن نتدخل لأننا غير قادرين على مواجهة دمشق والجيش السوري».
وفي مقال، يتحدث الجنرال الفرنسي عن عِبر التدخل العسكري في ليبيا للتحذير من النظر إلى الصراع في سوريا واحتمالات التدخل فيه من منظار ما امكن تحقيقه في مواجهة قوات معمر القذافي البدائية والمبعثرة مقارنة بالجيش السوري. «الأغنية التي انشدناها في ليبيا ليست نفسها في سوريا. الجيش السوري يملك 500 طائرة مقاتلة اي ضعف ما نملكه. ورغم انها ليست كلها بحداثة متساوية إلا ان تدريب الطيارين السوريين على خوض الحرب ضد اسرائيل، يجعل من السوريين خصما جديا. لا اعتقد اننا نملك قامـة تقــارن بقامتــه وقادرة على مواجهته».
وذكر الجنرال فلوري بسابقة اسقاط الطائرة التركية في حزيران الماضي «عندما حاول الأتراك اختبار الدفاعات الجوية السورية، اسقطت طائرتهم على الفور. لتدمير طائرات بشار الأسد، نحتاج إلى الة الحرب الأميركية كلها واستخدام القواعد العسكرية في قبرص واليونان، وحتى الشرق الأوسط». ليضيف «في مواجهة سوريا لن يكون بوسعنا أن نكون اكثر من قوة رديفة موضوعة تحت الأوامر الأميركية ولن يكون ذلك مدعاة فخر».
أما إقامة منطقة حظر جوي ، فهي تطرح المعضلات نفسها كما يرى الجنرال فلوري «يجب تدمير الطيران السوري، والسيطرة على اجواء المنطقة». الجنرال الفرنسي يستغرب لماذا لم تطرح كل هذه المشاكل خلال النقاش حول احتمالات التدخل «لأن ذلك يعني بكل بوضوح الإعتراف بضعف قواتنا الجوية ولا احد يريد الإعتراف بذلك».
الجميع يعلم أن الخيار العسكري، ليس ممكنا وليس بمتناول الغربيين من دون واشنطن. «يبدو الاعتراض الروسي على التدخل العسكري مريحا للجــميع، لأنه يجنــبهم أوجاع طرح الأسئلة الصعبة».
محمد بلوط
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)