الدول العربية المُشاركة في دورة الألعاب الأولمبية المُقامة حالياً في لندن، واصلت أداءها الضعيف في مختلف الألعاب، فيما كانت أفضل النتائج في اليوم الثالث من الدورة في مسابقة سلاح سيف المبارزة، إلى أن جاء العدَّاء الجزائري، توفيق مخلوفي، ليقلب الموازين، ويهدي العرب أول ميدالية ذهبية.
لم يكن مخلوفي، في نظر الجزائريين، قادراً على أن يصنع مجداً جديداً لبلاده على أعلى المستويات الرياضية في العالم، في دورة الألعاب الأولمبية “لندن 2012”. حيث كانت توقّعات الخبراء تصبُّ في مصلحة لعبتي الجودو والملاكمة، لكن العدَّاء توفيق مخلوفي كذَّب قول كلّ خطيب، وأهدى الجزائر، مساء أمس الثلاثاء، ذهبيتها الأولمبية الأولى منذ أولمبياد سيدني 2000 في سباق 1500 متر للرجال.
قبل أربع سنوات، كان مخلوفي يتلقَّى تدريباته في نادي الحماية المدنية (جهاز الدفاع المدني) لولاية سوق أهراس، قبل أن يكتشفه الخبير عمار براهمية، مدرب البطل العالمي والأولمبي السابق نور الدين مرسلي، ويقرِّر ضمَّه إلى فريقه من عدّائي المسافات نصف الطويلة في الجزائر.
حيث أكَّد براهمية أنَّ تتويج مخلوفي في لندن كان “بمثابة حلم تحقَّق رغم كلِّ الظروف الصعبة والعراقيل التي صاحبت مشوار هذا النجم القادم من عمق الجزائر”.
ويتذكَّر براهمية، بمرارة، أحد أيام العام 2008، عندما رفض الاتحاد الجزائري لألعاب القوى التكفّل بالعدَّاء الواعد مخلوفي. يقول: “إنَّ بدايات مخلوفي كانت مليئة بالصعوبات والعراقيل. فهذا العدّاء قبل أن يصل إلى ما حقَّقه اليوم، عانى كثيراً، سواء في الجزائر أم خلال المعسكرات التي كنا نجريها في ايفران في المغرب”.
وأضاف: “أذكر جيداً كيف أنَّ اتحاد ألعاب القوى ونادي المجمع البترولي رفضا مساعدته، حيث كان يضطرُّ في بعض الأحيان إلى الإقامة عند زميله المخضرم كمال بولحفان في فندق المهدي، وكان الأخير يشتري له الشطائر”.
وتابع براهمية: “تحدَّى مخلوفي كلَّ هذه العراقيل، وكان يتفوَّق أحياناً على زملائه في الفريق، كطارق بوكنزة وزرق العين. لكني أعتقد أنَّ بدايته الحقيقية كانت خلال ألعاب البحر المتوسط عام 2009 في مدينة بيسكارا الإيطالية، عندما حلَّ رابعاً في نهائي سباق 1500 متر، الذي تُوِّج به بوكنزة”.
وعمل مخلوفي بعدها على تطوير مستواه، حيث سجَّل ثلاث دقائق و94 .32 ثانية في سباق 1500 متر في لقاء ألعاب القوى في موناكو في تموز 2010، ثم فاز ببرونزية السباق نفسه، وذهبية سباق 800 متر في دورة الألعاب الأفريقية العاشرة في مابوتو- موزمبيق، عام 2011.
ودفعت مشكلات براهمية المتكرِّرة مع مسؤولي اتحاد القوى الجزائري، مخلوفي إلى الانضمام إلى الفريق العربي الذي يشرف عليه المدرب الصومالي جاما أدن، ويضمُّ بين صفوفه السوداني أبو بكر كاكي والقطري حمزة دريوش.
كان لهذا الأمر تأثير إيجابي على مخلوفي، حيث واصل تطوُّره المذهل، وحسَّن زمنه الشخصي في سباق 800 متر إلى دقيقة واحدة و88 .43 ثانية، محرزاً ذهبية السباق في بطولة أفريقيا هذا العام.
كما حسَّن زمنه الشخصي في سباق 1500 متر، بثانيتين و14 جزءاً من الثانية، عندما حلَّ خامساً في لقاء موناكو في تموز الماضي، بزمن ثلاث دقائق و80 .30 ثانية، وهو ثالث أفضل زمن جزائري لهذا السباق على مرِّ العصور بعد نور الدين مرسلي (ثلاث دقائق و37 .27 ثانية) وعلي سعيدي سياف (ثلاث دقائق و51 .29 ثانية).
ويؤكِّد براهمية: “بصراحة، انتزع مني مخلوفي في بداية العام، لأنَّ المسؤولين خيَّروه بين البقاء في فريقي أو قطع المساعدات التي تسمح له بالتحضير، فقرَّر الانضمام إلى مدرب آخر ساعده على النجاح أيضاً، ولكن من غير المنطقي أن يقال إنَّ تتويجه الأولمبي جاء نتيجة العمل لمدة ستة أشهر فقط”.
ماضٍ استعماري
لا بدَّ من أن يقودنا البحث عن أسباب الإخفاق الأولمبي لدى العرب، إلى ما وصفه منصف اليازغي، الباحث المغربي في المجال الرياضي، بـ”الماضي الاستعماري”، وذلك في إشارة إلى الاحتلال الغربي للدول العربي. فهذا الماضي أخَّر المشاركة العربية في الأولمبياد (باستثناء مصر)، ووضع دول المنطقة أمام تحدِّيات الفقر والجهل، كما أنه أرجأ تأسيس اللجان الأولمبية حتى إلى ما بعد ستينات القرن الماضي، كما هو الشأن بالنسبة إلى الحالة الجزائرية.
أما في الشق الثاني، الذي يعدُّ الأهم، فهناك بحسب الباحث المغربي “غياب تام لسياسة واضحة” في المجال الرياضي من قبل الدول العربية، “بدأت الأخيرة في تداركه” في العقد الأخير. وفي هذا الإطار، يلخّص رئيس رابطة النقاد الرياضيين المصرية رضوان الزياتي أسباب الإخفاق الأولمبي إلى عدم اهتمام الأنظمة السائدة في فترة ما قبل الربيع العربي بشتى أنواع الرياضة، موضحاً أنَّ ما تمّ إنجازه إلى غاية اللحظة، وإن كان بسيطاً، ما هو إلا “فلتات فردية”، تألَّقت بفعل إمكاناتها الذاتية وتضحيات أسرها. ويضيف الزياتي، أنَّ تلك “الفلتات” هي التي تفسِّر بروز نجم مصر في دورة أثينا 2004، حين فازت بخمس ميداليات ذهبية مرة واحدة، لكنها ما لبثت أن انتكست في بكين 2008 (ميدالية واحدة).
والشيء ذاته يسري على المغرب، في دورة لوس أنجلوس، حين فازت نوال المتوكل كأول رياضية عربية بذهبية 400 م حواجز، إلى جانب مواطنها سعيد عويطة، بطل سباق 5000 م، وهو مابيَّن أنَّ النجاح مرتبط بأشخاص، وليس ببنية رياضية متينة.
غياب الاستراتيجية
إذا كان الخبراء الرياضيون يعتبرون أنَّ غياب استراتيجية على المستوى الرياضي، سبب لمحصلة أولمبية ضعيفة، فإنَّ المقصود بذلك- في الأساس- غياب البنية التحتية، حتى وإن وجدت فإنها تقتصر على العواصم فقط، دون أن تشمل باقي المدن أو الأرياف، مع التركيز بطبيعة الحال على رياضة كرة القدم. وبالنسبة إلى رضوان الزياتي: “لاتوجد هناك خطة لإعداد جيل رياضي، سواء عبر توفير الكفاءات التدريبية، أم اكتشاف المواهب الصاعدة”.
ولا يخفى على أحد أنه، باستثناء دول الخليج، تواجه الدول العربية الأخرى مشكلات اقتصادية جمّة، يقال إنَّ بسببها يتمُّ تقليص حجم الميزانيات المخصَّصة للرياضة. ففي الوقت الذي تبرمج الدول الكبرى ميزانيات ضخمة لإعداد بطل أولمبي، لاتخصّص مصر مثلاً سوى ألف جنيه (150 دولاراً) كراتب شهري للاعب المصارعة، وذلك في إطار ميزانية لاتتجاوز مبلغ 150 مليون دولار مخصَّصة للمجلس الرياضي القومي المصري. وللمقارنة فقط خصَّصت ألمانيا هذا العام مبلغ 239,3 مليون يورو لدعم الرياضة. في المقابل، يذهب الباحث اليازغي بالقول إلى أنَّ “الحصيلة الأولمبية الضعيفة ما هي إلا انعكاس لأوضاع الدول المتردّية في المجال الاقتصادي، وللضعف في سياسية التدبير الرياضي، ولمستوى التعليم والتنمية”.
برونزية وفضية
على الرغم من الظروف التي يمرُّ بها اللاعبون العرب، إلا أنَّ إحرازهم عدداً من الميداليات البرونزية والفضية كان بمثابة عين على المستقبل، الذي من خلاله قد يوصلون بلدانهم إلى العالمية، ففي مصر حصل علاء الدين أبو قاسم على الميدالية الفضية في مبارزة فردي، وكذلك إبراهيم كرم محمد جابر حصل على فضية مصارعة 84 كغ.. أما في تونس، فحصلت حبيبة غريبي على الميدالية الفضية في ألعاب قوى 3000م، إضافة إلى أسامة معلولي الحاصل على البرونزية في سباق سباحة حرة 1500م
سيريان تلغراف | خاص